ماذا يبحث المعلّم في روسيا؟
حميدي العبدالله
بدأ وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع وفد رفيع المستوى زيارة إلى روسيا بدعوة من نظيره الروسي سيرغي لافروف. الزيارة تتضمّن لقاءات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف وكبار المسؤولين في الخارجية الروسية.
وكما هو معروف إعلامياً فإنّ المسألة الهامة، وليست الوحيدة، على جدول أعمال الزيارة، مناقشة الأفكار الروسية حول استئناف العملية السياسية على قاعدة تفاهمات جنيف، بما في ذلك التداول في أفكار حول بعض اللقاءات التي قد تفضي إلى حلّ سياسي للأزمة القائمة في سورية.
ولكن هل الحوار الذي تدعو إليه موسكو هو بين الحكومة السورية والمعارضة؟ وإذا كان هذا هو المقصود فمن هي هذه المعارضة المدعوّة إلى المشاركة في الحوار، هل هي أحمد معاذ الخطيب، وهيئة التنسيق الوطني، والائتلاف المعارض الذي يقيم في اسطنبول؟ ما الذي تستطيع هذه الأطراف أن تقدّمه لحلّ الأزمة في سورية، وما هو تأثيرها ميدانياً؟
موسكو تعلم قبل غيرها أنّ هؤلاء لا يمثلون القوة الفاعلة التي تقاتل الدولة والحكومة والجيش السوري، وبالتالي ليس لدى هؤلاء مفاتيح حلّ الأزمة، فهل من المنطقي أن تطرح موسكو على المفاوض السوري اقتسام السلطة، سواء عبر «هيئة انتقالية»، أو عبر «حكومة وحدة وطنية» مع هؤلاء الذين لا يقدّمون ولا يؤخّرون في مصير الحرب الدائرة على الأرض السورية، وهل موسكو بهذه السذاجة لتطرح مثل هذا السيناريو وتسعى إلى الحصول من الحكومة السورية على الموافقة عليه؟ إطلاقاً ذلك غير وارد.
هل الحوار الذي تسعى موسكو إلى إطلاقه وعبره إطلاق مسار جنيف يهدف إلى جمع التنظيمات المسلحة الفاعلة على الأرض مثل «داعش» و«النصرة» وكتائب أحرار الشام وجيش الإسلام وغيرها من التشكيلات السلفية أو الدينية المتطرفة؟ وهل موسكو مستعدّة لمثل هذا الخيار وهي تصف هذه التشكيلات بأنها قوى إرهابية؟ وإذا كانت مستعدة فهل هذه التشكيلات تستجيب لها وهي تناصبها العداء بالقدر الذي تناصب فيه الحكومة السورية؟ أيضاً وقطعاً إنّ ذلك ليس هو المقصود.
إذن، في ضوء كلّ ذلك فإنّ المبادرة الروسية أو الأفكار الروسية هدفها من اقتراح إطلاق الحوار، وربما تشكيل «حكومة وحدة وطنية» وبصلاحيات «واسعة تستمدّها من اتفاق التسوية السياسية الذي سيحصل» هدفها شيء آخر وصفته موسكو على لسان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في تصريح لوكالة «انترفاكس» الروسية بالقول «من المهمّ الآن أن تستأنف قوى المعارضة البناءة في سورية الحوار السياسي مع دمشق الرسمية في مواجهة خطر الإرهاب الدولي»، مشدداً على أنّ «أنشطة المعارضة يجب ألا تكون بشكل أو بآخر ستاراً للإرهابيين». أيّ الهدف هو محاربة الإرهاب، ومعروف أنّ المعارضة المستعدّة للتفاهم مع الحكومة السورية على محاربة الإرهاب ليس لها أيّ تأثير ميداني في سورية، وهذا ما تعلمه جيداً موسكو. إذن المقصود بهذه المبادرة دول التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ويضمّ دول الخليج والأردن وهي الدول الأكثر انخراطاً في الحرب على سورية, وهي التي قال الرئيس الأسد عنها قبل سنتين إنّ أيّ حوار سيكون حواراً مع هذه الدول، أيّ المقصود إعطاء ثمن في «حكومة وحدة وطنية بصلاحيات موسّعة تبقي صلاحيات بارزة في يد رئيس الجمهورية، وأهمّها الدفاع والأمن والخارجية» عبر مشاركة شخصيات سورية من المعارضة في هذه الحكومة كممثلة لمصالح دول التحالف مقابل تعاون التحالف مع الحكومة السورية في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وتسهيل الوصول إلى حلّ سياسي للأزمة.
على الأرجح هذه هي القضايا التي سيناقشها المعلم مع مستضيفه في روسيا.