فيرغسون: ابحث عن لوكهيد مارتن وأخواتها
عامر نعيم الياس
تجدّدت الاحتجات في مدينة فيرغسون في مقاطعة سان لويس ـ ولاية ميسوري الأميركية. هيئة المحلّفين حكمت ببراءة الشرطي المتهم بقتل مايكل براون في التاسع من آب الماضي. تجربة تتكرر على الدوام مع الشباب الأسود في الولايات المتحدة. فالأسبوع الماضي قتلت الشرطة في مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا مراهقاً أسود يبلغ من العمر 12 سنة للاشتباه بوجود سلاح في يديه اتضح بأنه دمية.
من كاليفورنيا إلى نيويورك إلى ميسوري وغيرها من الولايات الأميركية، حراك للسود في مواجهة العنصرية المؤسساتية في الولايات المتحدة الأميركية والتي يبدو أنها لم ولن تنتهي في المدى المنظور. فالتحرر من العبودية وإن قطع أشواطاً كبيرة، إلا أنه صار بحاجة إلى انتفاضة أخرى في مواجهة العنصرية المؤسساتية على رغم وجود رئيس أسود على رأس الدولة الأميركية، فضلاً عن لوبي الصناعات العسكرية والذي لا يقتصر دوره على الدفع بالتوسع الإمبريالي الأميركي قدماً، بل يبدأ من الداخل، ولعل هذا الدور يعد القطبة المخفية الأهم في كل الحراك الذي تشهده ولايات أميركية عدّة اليوم، ما يكشف عن حجم الفساد في دولة لا تكلّ ولا تمل من إلقاء مواعظ عن الديمقراطية والحكم الرشيد على الغير.
بالعودة إلى ما تشهده بعض الولايات والمدن الأميركية وعلى رأسها فيرغسون، يمكن لحظ دافعين أساسيين يجعلان من هذا الحراك قضية رأي عام في الولايات المتحدة:
عسكرة الشرطة: فيرغسون هي نتاج تاريخ طويل من وحشية الشرطة المستندة إلى سنوات طويلة من عسكرتها بدأت منذ عام 1990، وتقول «لوموند» الفرنسية: «بين عامَيْ 2011 و 2012 زُوّدت حوالى 500 وكالة شرطة في كافة أنحاء الولايات المتحدة بعربات مدرّعة تستخدم عادةً في الحروب»، وهو ما يطرح بدوره تساؤلات حول الغاية من ذلك والمهمات المنوطة بالشرطة الأميركية وفقاً لرؤى النخب الحاكمة، وهو ما يجيب عنه الخبير الأمني والكاتب وليام هارتونغ في الصفحة 304 من كتابه «رسل الحرب» الصادر عام 2010 إذ يقول: «المصالح المالية للمجمع العسكري هي الأساس، إذ تحصل شركة لوكهيد مارتن على 29 مليار دولار سنوياً من وزارة الدفاع، وهي توظف حوالى 130 ألف شخص. أما شركة «ATK» المختصة بتصنيع الذخائر ومقرّها ولاية ميسوري ضمنها تقع مدينة فيرغسون فيبلغ حجم أعمالها 2.9 مليار دولار سنوياً». أما اتحاد الحريات المدنية في الولايات المتحدة الأميركية فإنه يشير في أحد تقاريره حول ملف عسكرة الشرطة إلى أنه «تم تحويل 4.3 مليار دولار للشرطة لتزويدها بمعدات عسكرية وشبه عسكرية بين عامَيْ 1990 و2012».
الدافع الثاني، العنصرية المؤسساتية: تبدأ من الشرطة الأميركية وتنتهي بالقضاء الذي برأ في غالبية الحالات الضباط البيض من تهم موجهة إليهم بقتل أو انتهاك حقوق المواطنين السود، فحادثة مايكل براون والحكم الذي برّأ ضابط شرطة الأسبوع الماضي، ليس الأول من نوعه. ففي عام 1991 حُكِم بالبراءة على عدّة ضباط شرطة ضربوا الأميركي الأسود رودني كينغ حتى الموت، وهنا تقول صحيفة «واشنطن بوست» في عددها الصادر بتاريخ 14 أيلول الماضي: «إن العزل السكني لا يزال مسيطراً بشكل كبير على المجتمع الأميركي، كما أن هناك نقصاً واضحاً في تمثيل السود في صفوف الشرطة». وبحسب أحد تقارير وزارة العدل الأميركية فإن «عقوبة سجن السود تتجاوز بـ 20 في المئة تلك التي يحكم عليها الرجال البيض بجرائم مماثلة. وفي عام 2008 كان السائقون السود أكثر عرضة للمراقبة المرورية من نظرائهم البيض، إذ بلغت النسبة 12.3 في المئة للسود مقابل 3.9 في المئة للبيض».
الميديا الأميركية تحاول التغطية بكل الوسائل على أحداث فيرغسون وتضعها في سياق حركة احتجاجية مدنية على قرار قضائي جائر، وهو ما يفسر المبادرة التي أطلقها جاي نيسكون حاكم ولاية ميسوري وهو من الحزب الديمقراطي، والقاضية بتشكيل لجنة تعنى بإطلاق المبادرات لاستعادة الثقة بين سكان الولاية، لكن ومع ترسخ العنصرية فإن الجانب التمثيلي في اللجنة ألقى بظلاله على جدوى تشكيلها هي الأخرى، فمن أصل 16 عضواً قوام اللجنة لا يوجد سوى عضو واحد من مدينة فيرغسون، وهو ما يعكس محاولة لتمييع القضية تمهيداً لوأدها.
إن العنصرية ولعبة السياسة ومصالح المافيا الحاكمة والإقصاء، صفات لا يمكن تجاوزها عند مناقشة «ديمقراطية أميركا»، ويكفي هنا أن نذكر أنه تحت ستارة الأحكام القضائية عام 2011 فقد جُرّد حوالى 2.2 مليون أميركي أسود من حقهم في التصويت.
كاتب سوري