العلامة السيد محمد حسين فضل الله في ذكرى غيابه التاسعة
المحامي عمر زين
مثل العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله سلطة العقل وهي سلطة لا كالسلطات ساعياً الى ان تكون هي سلطة الحق خصوصاً، وقد مثل الاعتدال والتسامح مقدّماً الاسلام بثوب عصري، ولون حضاري، وطابع انساني.
هو القائل «نعيش الاسلام بكلّ مسؤوليتنا لنضيء به حياة الانسان».
وهو القائل أيضاً: «علّموا هذا الجيل المحبة والتواصل بدل التقاطع».
قدم المرجع السيد محمد حسين فضل الله مشروعاً متكاملاً فكرياً وسياسياً ودينياً واجتماعياً، وكان التجدّد الفكري عنواناً لحركته، ومن اهمّ الأسس التي آمن والتزم بها في مسيرته كان الحوار والاعتراف بالآخر، ولا خوف منه حيث انّ الاختلاف والتنوّع من طبيعة الكون والوجود.
المرجع العلامة فضل الله كان يردّد دوماً انّ الله حاور ابليس وثبت ذلك في القرآن، ولذا لا خوف من الحوار مع الآخر حتى لو اختلفت معه فكرياً او سياسياً او دينياً.
انّ التطرق الى جوانب شخصيته المضيئة وما امتاز به في حياته الحافلة يحتاج الى كتابة مجلدات وقد كتبت عنه بالفعل.
العلامة فضل الله واجه الفتن الدينية والسياسية باحتضان الجميع، في لبنان والعالمين العربي والاسلامي، حيث يتنوّع الاختلاف بالأديان والمذاهب والأحزاب والحركات والأفكار وغيرها، معلناً الاسلام دربه الذي لا يحيد عنه وحبه للآخر الذي يخالفه التوجه.
حاول فضل الله ترسيخ الفهم المتحرّر للإسلام والدفاع عن هويته التنويرية والحضارية ضدّ الذين يحاولون «تحويلنا الى حطام ايديولوجي» وضدّ «الذين يتقنون تعذيب النصوص». كان يريد لسلطة العقل ان تسود ضدّ «وثنية الجسد» الذي هو دعاء الروح وضد مفهوم «الزنزانة المقدسة» ويرى انّ الحياة ينبغي ان تعاش لا ان يتمّ اغتيالها.
لقد أسس سماحته نهجاً يتسم بالانفتاح الذي يمكن للمرء من خلاله ان ينطلق في الأجواء الرحيبة، ويتنفس الهواء في الفضاء الطلق، نهجاً ينبذ الانغلاق الذي يحيل الإنسان الى فريسة ضالة في سجن نفسه المظلمة، هذا النهج يترجمه الواقع من خلال الأجيال التي تربّت على هدى السيد في التزامها الديني، ووعيها الحركي، وانفتاحها وديناميكيتها وعقلانيتها.
سئل يوماً: لو قدّر لك ان تلقي كلمة في الحفل التأبيني الذي يُقام لك عند وفاتك فما الذي كنت تقوله؟
فأجاب «من الممكن ان أقول: انّ هذا الانسان عاش حياته منفتحاً على الرسالة منذ ان فتح عينيه على الحياة وعمل على ان يتحرك في خطوطها، وعانى وتألم في درب الرسالة، وكان يحاول ان يكون صادقاً ومخلصاً، وربما كانت النفس الأمّارة بالسوء تأخذ عليه ما يأمله، لكنه أكمل الرسالة بحسب طاقته».
إنّ مسؤوليتنا اليوم لمواجهة الفتن الدينية والسياسية سواء في ملتقى الأديان والثقافات او في المنسقية العامة لشبكة الأمان للسلم الأهلي هو ان نستفيد من هذه التجربة في عملنا، وان نحوّل نهج السيد المبني على الإيمان، والإنسان، والوعي، والوحدة، وتحرير فلسطين كلّ فلسطين، الى مشروع عمل دائم من أجل حماية بلداننا وأوطاننا، وانّ الطريق الى ذلك هو السعي الدائم لتعزيز الحوار والاعتراف بالآخر وحماية التنوّع رداً على كلّ محاولات الالغاء والانعزال والعنف.
الأمين العام السابق
لاتحاد المحامين العرب