إجراءات وزارة العمل ضدّ العمال الفلسطينيين في لبنان.. صراعات طائفية ومذهبية واللاجئ الفلسطيني هو الضحية
فتحي كليب
تتواصل التحركات الاحتجاجية في المخيمات الفلسطينية في لبنان، رداً على إجراءات وزارة العمل اللبنانية التي أدّت الى إجبار عدد كبير من العمال الفلسطينيين عن التوقف عن عملهم خشية الملاحقات القانونية. وفيما ربطت وزارة العمل هذه الإجراءات بأسباب قانونية فقد ربط الفلسطينيون بينها وبين التطبيقات الميدانية لصفقة ترامب نتنياهو فيما وضعها آخرون في خانة الصراع الطائفي والمذهبي في لبنان…
حتى العمالة الأجنبية لم تسلم من التجاذبات الداخلية في لبنان، السياسية والطائفية والمذهبية، بعد ان أصبحت أداة بيد الأحزاب اللبنانية والساسة الذين يتبارون في ملاحقة هذه العمالة، مرة تحت شعارات «العمالة غير الشرعية» ومرة أخرى «حماية اليد العاملة اللبنانية من المنافسة الأجنبية»، وفي الحالتين لا نظمت عمالة وأخضعت لقانون ولا تمّت حماية اليد العاملة اللبنانية من منافسة العمالة الأجنبية.
البداية كانت مع تغريدة لوزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الذي هو رئيس التيار الوطني الحر وينتمي الى الطائفة المسيحية حين قال في بداية شهر حزيران: «من الطبيعي ان ندافع عن اليد العاملة اللبنانية بوجه ايّ يد عاملة أخرى أكانت سورية، فلسطينية، فرنسية، سعودية، إيرانية او أميركية». لكن الذي حصل انّ الملاحقات القانونية لم تطل لا الأميركيين ولا الفرنسيين او السعوديين، بل كان العامل السوري والفلسطيني ضحايا حملات منظمة من قبل بعص اللبنانيين. تلا هذا الموقف موقف آخر لوزير العمل الجديد كميل أبو سليمان الذي ينتمي الى حزب القوات اللبنانية من الطائفة المسيحية أيضاً حيث أعلن هذا الوزير عن حملة ملاحقات قانونية تحت عنوان «تسوية أوضاع العمال الأجانب غير الشرعيين». ويندرج هذا الشعار تحت عنوان أكبر هو منافسة اليد العاملة الأجنبية للعمالة اللبنانية..
وقد بدأ موظفو وزارة العمل اللبنانية بالفعل منذ صباح يوم 9 تموز وبمؤازرة أمنية بملاحقة العمال الفلسطينيين الذين يعملون على الأراضي اللبنانية، وكانت نتيجة الحملة إغلاق العديد من المحال والمؤسسات التجارية في أكثر من منطقة، وحرّرت محاضر ضبط بحق أصحابها الفلسطينيين، كما تمّ توقيف عدد من العمال الفلسطينيين الذين يعملون في مؤسسات لبنانية عن العمل بتهمة العمل بدون إجازة عمل.. ووجهت إنذارات لبعض المؤسسات اللبنانية وحرّرت محاضر ضبط اذا ما قامت بتشغيل عمال فلسطينيين مرة أخرى..
بعيداً عن العمالة السورية وأسباب وجودها في لبنان وارتباطها بمسار سياسي طويل بين لبنان وسورية، وبعيداً ايضاً عن المرجلات بين الأحزاب اللبنانية المختلفة في تباريها على «قمع المخالفات وتسوية أوضاع العمال»، فالذريعة لهذه الحملات التي تطال العمالة الفلسطينية أكثر من غيرها، تنطلق من نقطتين: الأولى عمالة أجنبية غير شرعية ويجب تسوية أوضاعها، والثانية الدفاع عن العمالة اللبنانية من منافسة العمالة الأجنبية، وفي النقطتين هناك كلام يقال.
في النقطة الأولى، لا يمكن الحديث عن الأوضاع القانونية للعمالة الفلسطينية في لبنان خارج إطار القوانين والقرارات الإدارية اللبنانية الصادرة عن عدد من الوزراء في سنوات سابقة. فحتى هذه اللحظة ليست هناك من قوانين خاصة تميّز اللاجئين الفلسطينيين المقيمين بشكل قانوني في لبنان عن غيرهم من العمال الأجانب الوافدين بغرض العمل والحاصلين على موافقات مسبقة من الأمن العام اللبناني وهم الذين يحصلون على إجازات عمل حكماً ثم يتقاضون أجورهم ويعودون الى بلدانهم.. وبالتالي فإنّ العلاقة بين السلطات اللبنانية واللاجئين الفلسطينيين تحكمها قوانين دخول وخروج الأجانب بما فيها قانون تنظيم عمل الأجانب الذي يطبق على العمال الفلسطينيين بشكل استنسابي..
انّ ملاحقة العمال الفلسطينيين في لقمة عيشهم وإقفال أبواب رزقهم، سواء ارباب العمل او الاجراء ناهيك عن المهنيين من أصحاب الشهادات الجامعية، تحت شعار عدم حصولهم على إجازة العمل وهو أمر تكذبه وتدحضه الوقائع على الأرض بأكثر من جانب، وبالتالي فإنّ هذا التبرير ليس سوى ذريعة للتضييق على العمال الفلسطينيين في لبنان وإقفال أبواب رزقهم، ولعلّ في استحضار التاريخ القريب من يؤكد صحة هذا الاستنتاج..
ففي عام 2010 سنّ البرلمان اللبناني تعديلين قانونيين على المادة 59 من قانون العمل والمادة 9 من قانون الضمان الاجتماعي، هذان التعديلان سمحا، نظرياً، للأجراء الفلسطينيين في العمل بحرية مع اشتراط الحصول على إجازة العمل لكن بشكل مجاني وبدون اية رسوم، لكن هذه التعديلات ونتيجة لمزاجية الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة العمل، ما زالت أسيرة أدراج وزارة العمل ولم تصدر بشأنهما المراسيم التطبيقية ما جعلهما دون قيمة قانونية.. والوزراء الذي تعاقبوا على وزارة العمل ينتمون الى تيارات سياسية في لبنان لها موقف من كلّ الوجود الفلسطيني في لبنان وليس فقط من عماله.
التجربة الماضية أثبتت كم هو صعب أمر حصول العمال الفلسطينيين على إجازة العمل ليس فقط بسبب تكاليفها الباهظة التي تصل الى أكثر من مليون ليرة بل وأيضاً بسبب الاستنساب من قبل موظفي وزارة العمل. علما انّ العدد الأكبر من العمال لا يستطيعون تحمّل نفقات الإجازة نتيجة الأجور الزهيدة التي يتقاضونها والنتيجة انّ نحو ثلثي الفلسطينيين يعتبرون فقراء وفقاً لمعطيات وكالة الغوث.. وتأكيداً على ذلك، فقد روى أحد الفلسطينيين الذي يمتلك متجراً صغيراً رحلة معاناته مع إجازة العمل والشروط التعجيزية التي تجعل من الاستحالة على رب العمل او العامل الفلسطيني الحصول على الإجازة:
«أنا فلسطيني مقيم في لبنان امتلك مؤسسة صغيرة ومسجلة قانونياً في مؤسسات الدولة، وطلب مني موظفو الوزارة ان أصدر إجازات عمل لجميع الموظفين في المؤسسة وهم: عاملان فلسطينيان وثالث من الجنسية اللبنانية. وحين تقدّمت بطلب الحصول على إجازتي عمل فقيل لي: يجب ان اكون منتسباً لصندوق الضمان الاجتماعي، وبعد ان سجلت بالضمان كان عليّ ان أدفع المبالغ التالية:
– للعامل اللبناني مبلغ وقدره ستة وخمسين ألف ليرة لبنانية 56000 كونه يستفيد من التعويضات العائلية، الطبابة وصندوق نهاية الخدمة.
– أما بالنسبة للعامل الفلسطيني فالمطلوب مبلغ وقدره مليون وثلاثمائة الف ليرة لبنانية 1300000 ولا يستفيد من خدمات الضمان.
بعد ذلك بدأت إجراءات الحصول على إجازات العمل للعاملين الفلسطينيين وطلب مني ان أضع في البنك حساباً وقدره حوالي تسعين مليون ليرة لبنانية 90000000 ، وان اتعهّد بان أوظف ثلاثة أشخاص لبنانيين على الأقلّ وان أسجل المؤسسة باسم شخص لبناني او ان أضيف للمؤسسة شريك لبناني».
هذه الشروط كانت سبباً رئيسياً ومباشراً في إحجام العمال الفلسطينيين عن التقدّم للحصول على إجازة عمل طالما انها لا تغيّر شيئاً لا في الوضع القانوني للعمال ولا بمكتسباتهم وضماناتهم الصحية والاجتماعية وغيرها..
وتكفي الاطلالة على عدد إجازات العمل التي حصل عليها العمال الفلسطينيون لتأكيد هذا الاستخلاص. فخلال السنوات الاخيرة لم يزد عدد الإجازات عن 625 إجازة عمل، وبلغت 358 إجازة عام 2012 من أصل 136.000 إجازة عمل منحت للعمال الأجانب، 361 إجازة عام 2013 من أصل 117.000 إجازة، 621 عام 2014 من أصل 155.000 إجازة و 625 إجازة في العام 2015 من أصل 149.000 إجازة عمل ممنوحة للأجانب و 381 إجازة من أصل 162 ألف إجازة عمل عام 2017 اما العام 2018 فقد بلغت صفر إجازة عمل منحت للعمال الفلسطينيين..
انّ العامل الفلسطيني وقع من جديد ضحية عدم وجود قوانين لبنانية تحدّد طبيعة العلاقة بينه وبين السلطات اللبنانية، فالقانون ورغم انه يتحدث عن العمالة الأجنبية الوافدة، فهو رغم ذلك، يطبّق على العامل الفلسطيني دون ان يتمتع بأية حقوق أو حماية قانونية. وانّ العامل الفلسطيني هو الذي يطالب بتشريع وضعيته القانونية. واذا كان هناك من «عمالة فلسطينية غير شرعية» فانّ السلطات اللبنانية هي من تتحمّل مسؤولية هذه الفوضى وهذا الواقع، وبالتالي تصبح الحكومة اللبنانية ووزارة العمل معنيتان بإخراج التعديلات القانونية لعام 2010 من أدراجها وإصدار المراسيم التطبيقية بشأنهما بما يوفر الحماية القانونية والاجتماعية للعامل الفلسطيني، وحينها فقط يمكن الحديث عن أوضاع قانونية يجب تسويتها..
أما في النقطة الثانية فانّ منافسة اليد العاملة الفلسطينية لليد العاملة اللبنانية هي العنوان الذي يتذرّع به الكثير من اللبنانيين لتبرير إجراءاتهم التمييزية ضدّ العمال الفلسطينيين، وفيه تستحضر جميع الأسلحة من أكاذيب وجدال عقيم يبدأ غالباً من المبالغات في تقدير أعداد العمال الفلسطينيين في لبنان بما يرفع من أعداد العمال بهدف تأكيد نظرية «المنافسة» وبما يسمح باتخاذ إجراءات قانونية لتقييدها. رغم انه صدر خلال السنوات الست الماضية، ثلاثة إحصاءات هامة قدّمت معطيات رقمية عن أوضاع اللاجئين الاقتصادية والاجتماعية، بما فيها أوضاع العمالة الفلسطينية، حجمها، خصائصها ومشكلاتها. وهذه الإحصاءات هي:
الاول: مسح القوى العاملة للاجئين الفلسطينيين المقيمين في المخيمات وبعض التجمعات في لبنان 2012، الذي أنجز من قبل منظمة العمل الدولية ولجنة عمل الفلسطينيين في لبنان بمشاركة الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وإدارة الإحصاء المركزي في لبنان. الثاني: دراسة الجامعة الأميركية في بيروت بالتعاون مع وكالة الغوث عام 2015. الثالث: التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان عام 2017. اضافة الى عدد من الدراسات والمسوحات التي أجرتها لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني في مناسبات عدة…
وفيما قدّرت بعض الدراسات انّ إعداد اللاجئين تتراوح بين 193 إلى 280 ألف نسمة ، فقد أشار التعداد العام إلى أنّ العدد لا يتجاوز 174.422 ألف نسمة ، وهذه الأرقام انعكست على حجم العمالة الفلسطينية التي بلغت وفقاً لتقديرات المسح 90 ألف نسمة تشكل حوالي 7 بالمائة من إجمالي القوى العاملة في لبنان المقدرة بـ 1.3 مليون شخص بينما لم يزد العدد بالنسبة للتعداد عن 51.393 الف نسمة ..
ووفقاً لحساب ومعطيات تكوّنت لدى لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، فانّ الحجم الفعلي للعمالة الفلسطينية لا يمكن ان يكون موضع منافسة للعمالة اللبنانية انطلاقاً من التالي: إذا كان حوالي ربع العاملين يعملون حصراً في المخيمات، وربع ثان يعملون في المخيمات ومحيطها، وحوالى النصف يعملون خارج المخيمات. فمعنى هذا انّ مستوى المنافسة مع القوى العاملة اللبنانية سوف يتقلص إلى النصف. وهذا يعني باختصار، أنّ الحجم الأقصى للقوى العاملة الفلسطينية التي يمكن أن تدخل في منافسة مباشرة مع قوى عاملة لبنانية هي نصف القوى العاملة الفلسطينية، أيّ ما يقدر بحوالي 45 ألف عامل فقط، يمثلون 3.5 بالمائة من إجمالي قوة العمل في لبنان. اما إذا افترضنا انّ العدد هو 51.393 الف نسمة ، وفقاً للتعداد، فإنّ الحجم المفترض انه ينافس لن يزيد عن 25 الف عامل . وهذا ما يؤكد كذبة المنافسة، وانّ الإجراءات ضدّ العمالة الفلسطينية انما تهدف الى تحقيق مكاسب سياسية لا علاقة لها لا بتنظيم عمالة ولا بحماية اليد العاملة من المنافسة.
وبعيداً عن حجم اليد العاملة الفلسطينية، فتاريخياً لم تكن هذه العمالة تشكل منافسة للعمالة اللبنانية. وإضافة الى ما سبق، فإنّ ضآلة حجم هذه العمالة مقارنة بعدد العمالة الأجنبية في لبنان، وطبيعة الأعمال التي تشغلها العمالة الفلسطينية والتي هي ليست موضع منافسة كالعمل في القطاع التمريضي مثلاً الذي يشكو من قلة أعداد اللبنانيين العاملين في هذا القطاع مما دفع بنقابة الممرضات والمرضين الى الطلب من وزيري العمل والصحة إصدار استثناء يسمح للفلسطيني بالعمل في هذه المهنة بشكل استثنائي كي يغطي النقص الذي تشكو منه المستشفيات والمؤسسات الصحية اللبنانية، هذا إضافة الى مهن أخرى لا يقبل عليها اللبنانيون كالعمل في محطات الوقود والبناء والأفران والزراعة وغير ذلك من مهن تستقطب الفلسطيني كأمر واقع وليس بمنّة من الدولة اللبنانية.. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار عدد العاملين في وكالة الغوث والذين يبلغون نحو 3000 موظف والعاملين في الفصائل الفلسطينية وأجهزتها المختلفة وفي المؤسسات الاجتماعية العاملة في المخيمات، فانّ العدد ينخفض الى ما تحت النصف، ما يجعل مصطلح المنافسة اسماً بلا مضمون فعلي.
لذلك فانّ الحديث عن منافسة اليد العاملة الفلسطينية لليد العاملة اللبنانية ليس سوى كذبة كبيرة يُراد منها تبرير سياسة الدولة اللبنانية بحرمان كلّ فئات الشعب الفلسطيني من حقوقهم الإنسانية، وبالتالي فانّ المشكلة الرئيسية هي ليست تقنية او تتعلق بحجم القوة العاملة الفلسطينية او غير ذلك من تبرير، بل هي قبل كلّ شيء مشكلة سياسية كما كلّ الملف الفلسطيني، وحله يجب ان يكون سياسياً وخارج إطار الاستخدامات الطائفية والمذهبية التي اعتاد عليها الشعب الفلسطيني في لبنان.
اين يمكن وضع الإجراءات اللبنانية، وما هو تفسيرها في هذا الوقت بالذات، خاصة انّ كثير من الفلسطينيين ربطوا بينها وبين المشروع الاميركي لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، في تناقض واضح مع الموقف الرسمي اللبناني الرافض لهذا المشروع ومواقف الكثير من القوى اللبنانية السياسية والحزبية والشعبية.. فيما رأى آخرون بهذه الإجراءات انها تستهدف لجنة الحوار بحدّ ذاتها كونها قناة الاتصال الرسمية مع الفصائل الفلسطينية، وهي تلعب اليوم دوراً مهماً على هذا الصعيد وتعمل على جسر الهوة بين الفلسطينيين وممثلي الاحزاب والكتل النيابية اللبنانية حول الحقوق الانسانية، ما يعني انّ المستهدف بهذه الإجراءات هي العلاقات الفلسطينية اللبنانية وسعي البعض الى توتيرها وعدم تطويرها بما يخدم الشعب الفلسطيني واللبناني ومصالحهما المشتركة.
رغم ذلك، فانّ هذه الإجراءات تحمل أكثر من رسالة أولها انّ لبنان الرسمي الرافض بشكل قطعي لتوطين اللاجئين يمارس سياسة تمييزية ضدّ اللاجئين الفلسطينيين بهدف تهجير العدد الأكبر من اللاجئين خارج لبنان انطلاقاً من فرضية عدم قدرة لبنان على مواجهة الإدارة الأميركية، لذلك يتمّ اللجوء الى إجراءات لا ترتب على لبنان اية اعباء، خاصة في ظلّ الموقف الفلسطيني العاجز على مواجهة السلطة اللبنانية لوقف سياساتها تجاه الفلسطينيين والتي تفتقد بشهادة اللبنانيين الى الحسّ الاخوي والانساني.. وثاني هذه الرسائل باتجاه الخارج بتقديم أوراق اعتماد بعض السياسيين اللبنانيين لدى الادارة الأميركية وتسهيل أمر تمرير المشروع الأميركي في لبنان لجهة المساهمة في إنقاص عدد اللاجئين عبر تهجيرهم خارج لبنان بما يقود لاحقا الى شطبهم من سجلات وكالة الغوث، وفقاً لما أعلنه سابقاً وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل.. وثالث هذه الرسائل داخلية خاصة في ظلّ الصراع الداخلي في لبنان ومحاولة البعض استخدام الفلسطينيبن في لبنان وزجّهم في التجاذبات الداخلية لحسابات تتعلق بالكسب الطائفي والمذهبي..
ما يؤكد هذا الكلام هو انّ لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني التي تعمل بمرجعية رئاسة الوزراء نفت علمها بإجراءات وزارة العمل ورفضت ملاحقة العمال الفلسطينيين او وقفهم عن العمل، وهي التي أصدرت قبل فترة «وثيقة الرؤية» التي دعت الى نظرة جديدة تجاه الوجود الفلسطيني في لبنان.. وما يؤكد ذلك انّ لجنة الحوار عقدت خلال الفترة الماضية مجموعة من الاجتماعات مع الفصائل الفلسطينية ولم تأت على ذكر هذه الإجراءات التي يفترض ان تكون في صورتها، وهي التي تنتظر من الفصائل تقديم رؤيتها وردّها على وثيقة الرؤية اللبنانية التي يفترض انها تعكس موقف الكتل النيابية المختلفة من الوجود الفلسطيني في لبنان بجميع عناوينه.
وبعيداً عن الأسباب الفعلية لهذه الإجراءات فانّ العامل واللاجئ الفلسطيني لا يمكن ان يفهم سياسة الضغط على الفلسطيني ومحاصرته حتى في لقمة عيشه إلا في إطار المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية التي تنسجم والضغوط الأميركية السياسية والاقتصادية لتصفية القضية الفلسطينية. لذلك تسود المخيمات حالة غضب شديد جراء هذه الإجراءات التي ستكون لها تداعيات سلبية على أكثر من مستوى، الأمر الذي دفع بالفصائل الفلسطينية الى إصدار بيانات عبّرت فيها عن رفضها المطلق لهذا الإجراءات، داعية الحكومة اللبنانية الى وقف جميع الملاحقات بحق العمال الفلسطينيين وتشريع حقهم بالعمل بحرية..
الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في لبنان قالت: انّ حصول العامل الفلسطيني على إجازة عمل هو أمر غير منطقي في هذه المرحلة وهو يتعلق بالدولة اللبنانية ومؤسساتها خاصة وزارة العمل التي وضعت التعديلات القانونية التي أقرّها البرلمان اللبناني عام 2010 في أدراجها، وهي لا زالت تنتظر إصدار المراسيم التطبيقية بشأنها، خاصة في ما يتعلق بالمادة 59 من قانون العمل والمادة التاسعة من قانون الضمان الاجتماعي، اللذين، ورغم تحفظنا على بعض فقراتهما، إلا انّ وزارة العمل، وبدل ان تلاحق العمال في لقمة عيشهم وتسدّ أبواب رزقهم، كان حريّ بها أن تبدأ هي بتطبيق القوانين الصادرة عن أعلى هيئة تشريعية في لبنان وهو مجلس النواب.
إننا نضع إجراءات وزارة العمل بحق العمال الفلسطينيين، برسم جميع الكتل اللبنانية وبرسم الأحزاب وكلّ من رفع صوته متضامناً مع الشعب الفلسطيني وحقوقه الاجتماعية والإنسانية بسرعة التحرك لوقف هذه الإجراءات، خاصة أنّ العمالة الفلسطينية، لا تشكل، كما يدّعي البعض، ايّ منافسة للعمالة اللبنانية لا من حيث عددها الصغير ولا من حيث أنواع المهن والأعمال التي يعملون بها، خاصة أنّ هذه الإجراءات تأتي مترافقة مع الحرب الاقتصادية وسياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها الإدارة الأميركية من بوابة الابتزاز المالي لوكالة الغوث ومحاولة العبث بمكانة اللاجئ القانونية بما يقود لاحقاً الى تعزيز سياسة التهجير الممنهجة تحقيقاً للسياسة الأميركية الاسرائيلية..
قيادة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان قالت: نستغرب الإجراءات التي تقوم بها وزارة العمل اللبنانية بملاحقة العمال الفلسطينيين في أماكن عملهم والقيام بتحرير محاضر ضبط قانونية ومالية بحق مشغليهم، تحت شعار «مكافحة العمالة الأجنبية غير الشرعية.
وتؤكد قيادة المنظمة أنّ هذا التصرف الذي يقوم به موظفو وزارة العمل اللبنانية لا ينسجم مع الموقف اللبناني الرسمي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني والرافض لما يسمّى بـ «صفقة القرن» وانّ رفض التوطين لا يكون بالتضييق على اللاجئين الفلسطنيين وإغلاق أبواب الحياة أمامهم وتجويعهم بل بتعزيز صمودهم وقدرتهم على مقاومة كافة المشاريع والمؤامرات التي تستهدف حق عودتهم بما فيها مشروع التوطين.
وقال تحالف القوى الفلسطينية في لبنان إنّ مواجهة صفقة القرن الأميركية تمرّ من بوابة منح اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم، وتمكينهم من العيش بكرامة وعدم ملاحقتهم في أعمالهم التي يؤمّنون من خلالها لقمة عيشهم، ريثما يتمكّنوا من العودة إلى فلسطين. ونؤكد تمسكنا بحق عودتنا إلى فلسطين، ورفضنا لكافة مشاريع التوطين والتهجير مهما بلغت المغريات.
وناشد التحالف الرؤساء الثلاثة وكلّ المعنيين، بالتدخل العاجل لوقف هذه الإجراءات التي لا تخدم تعزيز صمود اللاجئين الفلسطينيين، ولا تصبّ في مربع مواجهة صفقة القرن والتصدي لها.
انّ الملاحقات القانونية التي تنفذها وزارة العمل اللبنانية بحق العمال الفلسطينيين من شأن استمرارها ان تترك تداعيات سلبية على العلاقات الفلسطينية اللبنانية الآخذة بالتطور والتحسّن في إطار مسار إيجابي تقوده لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني التي أشرفت مؤخراً على عدد من اللقاءات والحوارات الهادفة الى التوافق على مقاربة مشتركة للوجود الفلسطيني في لبنان.. كما انّ القوى السياسية والنقابية اللبنانية على اختلافها مطالبة بالتعبير عن موقفها لجهة رفض هذه الإجراءات والسعي لوقفها فوراً، خاصة أنها تأتي بالتزامن مع الأزمة المالية التي تشهدها وكالة وخدماتها، وهي التي تعتبر بمثابة القطاع العام بالنسبة للاجئين..
لذلك، فإذا كانت صفقة ترامب – نتن ياهو تستهدف الفلسطينيين واللبنانيين في آن، فانّ المطلوب مواقف مشتركة تحمي حقوق ومصالح الشقيقين بعيداً عن سياسات الضغط والحصار والتجويع والاستجابة لحقوق الشعب الفلسطيني الإنسانية، وبما لا يتناقض مع مواقف لبنان الرسمية وفي مقدمتها مواقف فخامة رئيس الجمهورية ودولة الرئيس نبيه بري ودولة الرئيس سعد الحريري وغيرهم من أحزاب وتيارات وقطاعات لبنانية واسعة ترفض هذه الطريقة في التعاطي مع الشعب الفلسطيني في لبنان، وإقرار حقه بالعمل بحرية في جميع المهن. لأنّ طبيعة المرحلة والمخاطر التي تهدّد اللبنانيين والفلسطينيين تستوجب مواقف مشتركة تدعم حق العودة وتصون الهوية الوطنية للاجئين، وتشكل نموذجاً للمواقف العربية والدولية المطلوبة في مواجهة صفقة القرن وغيرها من مشاريه تستهدف الفلسطينيين واللبنانتيين في آن..
عضو المكتب السياسي
للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
Info.dflp gmail.com