من هرمز الى جبل طارق… رسائل ماء ونار!
فاديا مطر
منذ إعلان إيران الواضح عن أنّ الإنتهاك مقابل الإنتهاك والتراجع مقابل التراجع، والدراماتيكية العسكرية تستبق السياسية منها، فعلى مبدأ «البادئ أظلم» تتدرّج الردود الإيرانية نحو إغلاق الباب الذي فتح بمهلة ستين يوماً وتتبعها أخرى…
لكن واشنطن ولندن تستبقان نهاية المهلة الثانية بحجز ناقلة إيرانية في المياه الإسبانية وجعلها ترسو في جبل طارق والطلب أميركي المنشأ والصناعة بريطانية بإمتياز، فما كان من طهران إلا حجز ناقلة بريطانية بعلم بريطاني وحماية أمنية على أثر إنتهاك صريح لقواعد الملاحة والعبور الإيرانية في الخليج والتي تعاملت معها إيران بذات الردّ، وبذلك أرسلت طهران رسائلها المتعدّدة الأتجاهات على محمل السرعة في جملة كاملة مفادها أنّ الردّ سيكون على أكثر من مستوى…
ليست الغاية الإيرانية هي ناقلة بناقلة، ولا هي ردّ تتابعي لمحطة حجز لناقلتها تخرق القانون الدولي فحسب، بل هي جملة ردود حملت أسساً تعتبرها طهران بالغة اللغة والدقة، وهي تختصر في إعلان الجمهورية الإسلامية في إيران أنها قادرة على الردّ بالمثل في الزمان والمكان اللذين تريدهما، وأنها بكلّ قوة عسكرية واستخباراتية تقنية تستطيع إيقاف أيّ اعتداء يطالها من أيّ طرف، فصور كومندوس القوة الخاصة التي حجزت الناقلة كانت تعبيراً مهماً لجهة تثبيت قوة الردع ومعادلاتها، وصور تكذيب بروباغندا البيت الأبيض في إسقاط طائرة مسيّرة إيرانية كانت على أهميتها التي سطرتها، لكن الرسائل المرسلة من هرمز تلقتها الإدارة الأميركية بجملة ردود لم تلبي رغبات الحلفاء من عدم تدخل بقطعها العسكرية المنتشرة في الخليج لحسم الموقف وعدم الإعلان بأكثر من دعوات التهدئة التي بطنتها بتشكيل تحالف عسكري لضمان أمن العبور والنقل في مياه الخليج مع دعوات لمن يريد الحماية بالإشتراك، وما الجملة البريطانية بأكثر من ذلك بعد إعلان وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت مطلب التهدئة وعدم التصعيد أو المجابهة مع إيران، فهي تنسيقات حزمت ردودها طهران في سرعة ودقة ومكان وتوقيت الردّ وعلى أكثر من بعد، فبريطانيا التي تنتظر رئيس حكومة لحزب المحافظين على خلفية إستقالة تيريزا ماي تعيش ما يشبه الفراغ الدستوري رغم إنعقاد اللجنة العليا الوزارية لمناقشة شؤون الحرب، وهو احتراز تعمل به بريطانيا بشكل المجلس العسكري، لكن الردّ الأميركي استبق لجنة الدفاع البريطانية بتسريع تشكيل التحالف العسكري الذي يضمن أمن الملاحة في الخليج لنية زيادة التحشيد العسكري في منطقة لم تعد تحتمل عود ثقاب آخر لتشتعل برمتها، ولإيصال الأمر بوضوح على أنه صراع محاور وقطبية تدرس واشنطن وحلفاؤها إمكانية احتمال تدخل روسي عبر الأقمار الصناعية بتضليل نظام ملاحة الناقلة البريطانية عبر محدّد المكان العامل بنظام GRBC التي تتبعه الناقلات في تحديد خط السير لتبرير صدم الناقلة لقارب صيد في المياه الأقليمية الإيرانية وتحمل تبعات الحادث وهو زج لموسكو لتحميلها جزءاً من تداعيات الردّ الإيراني بطريقة التمحور…
فالردّ البريطاني والأميركي الداعي لفرض عقوبات اقتصادية على طهران وتفعيل عقوبات الأمم المتحدة المنزوعة في العام 2016 هو ردّ يقضي على عمق الإتفاق النووي الموقع مع طهران بشكل السداسية الدولية، وهو خروج أوروبي يتبع ذات الشكل الأميركي في الطريقة والغاية، وهو بذلك يكون ردّ العودة الى ما قبل الإتفاق بات قاب قوسين أو أدنى في المهلة الثانية قبل اختمارها، فلا ردود حربية سوى من رؤوس بعض ما يسمّون «صقور البيت الأبيض»، ولا ردود أوروبية عسكرية حتى اللحظة برغم فكّ حجز الناقلة الإيرانية في مياه البحر الأحمر من قبل السعودية، لتكون إشارة لقبول التهدئة بخطوة تطمينية نوعاً ما ووقائية من خطوة إيرانية تخطوها طهران بإتجاه ناقلة أخرى سعودية، فجبل طارق تلقى الرسائل الهامة، وهرمز بانتظار ردود الفعل الغربية، وما بينهما حرارة نبّهت موسكو مراراً لخطورة تدفقها بمياه الخليج، والرسائل المبطنة في المنطقة هي نصف المشاهدة لسياق التطورات التي تنتظر عود ثقاب يشعل ما تبقى من تهدئة واهنة.
فالردّ الكلاسيكي لبريطانيا ربما يكون فكّ ناقلة بناقلة، ولكن الردّ الفعلي لإيران لا يراه الكثير من المراقبين بأنه تراجعي أو قد يخطو للوراء إذا ما وضعت أوروبا نسخة من عقوبات واشنطن في سياستها ضدّ طهران، وتأجيل فك العقوبات المفروضة على موسكو لأجل أبعد، فالحزمة الاقتصادية المضادة سيكون عليها ردّ إيراني سريع وواضح وأيّ حماقة عسكرية برغم كلام التهدئة ستكون عاقبته وضع معادلات الردّ الواسع تحت بند التفعيل وهو سيخرج خارج جغرافيا شواطئ الخليج وستكون رسائل الماء من حرب معابر وناقلات التي خبرتها مياه الخليج في ثمانينيات القرن المنصرم إبان الحرب العراقية الإيرانية، دروس أقلّ بقسوتها من ما بعد رسائل جبل طارق التي قد تردّ عليها مياه هرمز والمندب برسائل نار لا تطفئها مدة أو جغرافيا، ولا يملك ممسك الزناد القدرة على وقف تمدّدها أو تمدّد تبعاتها الدولية، فرسائل الماء والنار يأمل العالم بأسره أن تكون شفهية بصلاحيتها وإلا فأنها ستكون رسائل ناراً بلغتها، فهل مكاسب الماء تقف عند هذا الحد؟ أم أنّ رسائل النار باتت أقرب للواجهة؟ هذا برسم ممسك عود الثقاب وحكم العقل والنية في خالص الفعل.