مقوّمات العقل والقلب أساسية في حياة مليئة بالضغوط اليومية عباس بيلون: التوازن بينهما يحقّق الإدارة الجيدة… ومفاتيح النجاح كثيرة وأبوابها مشرّعة
نجاة حجازي
هي الحياة تملأها المسؤوليات والمتاعب تأرجحنا بين كفتَيّ ميزانها ولا تستقر بنا على الوتيرة نفسها. ونحن، من أجل البقاء والنجاح نخوض الصعاب ونصنع قوتنا ونبذل ما في وسعنا للمحافظة عليها وتحصينها مع اكتظاظ الضغوط اليومية كي لا نفقد توازننا في أصعب الظروف وأعلى مستويات الإجهاد والضغط النفسيّ.
«البناء» التقت مدرّب التنمية البشرية الأستاذ عباس بيلون تعرّفنا خلال اللقاء على قوة التوازن في الحياة وأسباب النجاح ومقوّماته. ننقل إليكم تفاصيل المقابلة في ما يلي.
الجوانب الأربعة التي تكوّن طبيعة الإنسان من عقل وروح وجسد وعاطفة… التآلف أو الخلل في أحد هذه الجوانب كيف يعيق تحقيق التوازن؟
ـ بالنسبة إلى الجوانب التي تكوّن شخصيّة الإنسان، فالجسد والروح هما البعدان الترابي المادي والمجرّد الإلهي اللذان يكوّنان أبعاد الإنسان الأساسيّة ـ وربّما يعبّر عن البُعد الثاني بالبعد الأخلاقي ـ فإهمال أي منهما يؤدي إلى ضرر واضح على الصعيدين الفردي والاجتماعي أيضاً، فيمكن بوضوح ملاحظة النتيجة التي وصلت إليها المجتمعات المادّية من تفكّك أسري وانحدار أخلاقي له من الشواهد ما لا تستوعبه هذه الصفحات القليلة. في المقابل هناك مَن ترك البعد المادي البتّة وجنح باتّجاه البعد الروحي في معتقداته وأساليب حياته ممّا دفع بالبعض إلى تعذيب أجسادهم لتطهير أرواحهم. وهو المنهج الذي لا يتناسب مع التوازن المطلوب في الإنسان.
أمّا عن العقل والقلب العاطفة فهنا لا بد من الإشارة إلى أمر آخر غير التوازن الذي قد يكون واضحاً للبعض، وهو أنّ المواقف التي نعيشها في حياتنا قد تتطلّب منّا التعامل معها بلغة العقل فقط أو القلب فقط. وهناك مواقف يجب التوازن فيها بين العقل والقلب.
أمّا عن الموارد التي تتطلّب توازن بين العقل والقلب بنظري هي الإدارة الناجحة. فالمدير إذا قدّم لغة القانون البحتة سينفّر العمال وإذا ما قدّم لغة القلب فسيصعب ضبط الأمر. وفي كلتا الحالتين سيعود بالضرر على الإدارة.
كيف يقيّم النجاح وما هي أعظم أسبابه؟
ـ إنّ أعظم أسباب النجاح هي طريقة تفكيرنا ورؤيتنا للأمور من حولنا، هناك طريقة بالتفكير أسمّيها مئة بالمئة / صفر بالمئة وهي التي قد تجعلنا نقيّم النجاح بطريقة خاطئة تؤدي بنا إلى الإحباط. وما أقصده بالضبط هنا هو عدم النظر إلى النجاح الجزئي أو التقدّم أو حتّى التخلّص الجزئي من الفشل، فمن الخطأ أن نقيّم الأمور إما ناجح أو فاشل.
هل تحقيق النجاح منوط بتوافر مقوّمات القوّة لدى الفرد؟
ـ لن أكون مثالياً لأقول إن المقوّمات ليس لها دور في تحقيق النجاح الأكبر، لكنني سأتكلّم عن تجربة واقعية وحديثة، تجربة المبادرة الشبابيّة لتنمية المهارت Excellent Skills التي نشأت بدون أي مقوّم مادّي. فالمبادرة الشبابيّة نشأت كصفحة على مواقع التواصل الاجتماعي وهي إلى الآن لا تملك أي مورد مادي أو مركز عمل باختصار مجموعة من الشباب قدّموا أنفسهم للمجتمع كجسر للشباب المبدع يعبر بهم من اللا اهتمام إلى الاهتمام.
وبعد هذا يمكنني أن أقول إن تحقيق النجاح ليس منوطاً بتوافر مقوّمات القوّة لدى الفرد وإن كانت المقوّمات مساعدة ودافعاً أحياناً.
ما المنهج الواضح لصون وإعادة التوازن النفسي في مواجهة الضغوط الحياتية؟
ـ دائماً الحلّ في تذكّر الهدف، لماذا أدرس لماذا أعمل؟ كلّما ضاقت بي الضغوط العملية أو الدراسية يجب التذكّر أنّ الهدف من الدراسة أو العمل يستحقّ هذه التضحيات، حينها تصغر بعيني هذه التضحيات ويهون الأمر عليّ. وكأمثلة واقعيّة فإنّ الأم التي تتعب من مشاكل التربية فهي تقدّم دون مقابل وتعبها لا مثيل له أبداً، وهي مع ذلك تكرر العمل المجهد يومياً دون تعب أو استسلام، ذلك لأنّ الدافع الفطري يدفعها للعطاء اللامتناهي.