ترشُّح الغنوشي للانتخابات التونسية والتغييرات الأخيرة في التنظيم الدولي لـ «الإخوان المسلمين»
نضال حمادة
فاجأ رئيس حركة النهضة في تونس الشيخ راشد الغنوشي أنصاره قبل خصومه بإعلان ترشحه في الدائرة الأولى للعاصمة التونسية في الانتخابات التشريعية المقبلة، وحصل تخبّط وتضارب في التحليلات حول الهدف الأساس لهذا الترشح ركزت بمعظمها على الشأن الداخلي التونسي، وسعي العنوشي للحصانة السياسية عبر الوصول الى البرلمان وربما الى رئاسته، وكأن رئيس أكبر حركة سياسية في تونس والتي تحكم منذ العام 2010 بحاجة لحصانة البرلمان، رغم أنّ مدّعي هذه الفرضية لم يذكروا ما هي الاتهامات الموجّهة للغنوشي والتي تجعله بحاجة لحصانة برلمانية، متناسين راشد الغنوشي العقائدي الذي جعل من تونس بعد سيطرة حركة النهضة على مقاليد الحكم فيها محطة لإرسال المسلحين الى سورية بالتنسيق مع تركيا وبتمويل قطري، كما جعل منها منصة سياسية دولية وعربية لإسقاط النظام في سورية، وللذكرى أوّل مؤتمر قمة لما كان يُسمّى «مجموعة أصدقاء سورية» عُقد في العاصمة التونسية يوم 24 شباط عام 2012. كما عمل راشد الغنوشي على دعم جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا وفي السودان وللمفارقة كان دعمه للجماعة في مصر شبه معدوم بل على العكس عمل الثنائي أردوغان الغنوشي على إنهاء سيطرة وزعامة المصريين على التنظيم الدولي وأتى ترشحه المفاجئ للانتخابات البرلمانية التونسية في سياق الصراع على السيطرة والزعامة في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين.
شكلت وفاة محمد مرسي إرباكاً للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين الذي يسيطر عليه المصريون، لكون الرجل تمّ ترشيحه للرئاسة من قبل مجموعات الضغط داخل التنظيم كحلّ وسط على طريقة أضعفكم سيدكم. وفي الصراع على التنظيم الدولي برز اسم راشد الغنوشي كمرشح خارج السرب المصري لمركز الإرشاد بدعم من رجب طيب أردوغان. وهذا ما أثار غضب الجناح المصري داخل مكتب الإرشاد الدولي وكان الغنوشي خلال فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي يوجه انتقادات لاذعة للأخير. وهنا لا يمكن الفصل بين وفاة محمد مرسي التي أضعفت الجناح المصري المسيطر على مكتب الإرشاد وهو المنهك أصلاً بالخلافات الداخلية وبالضربات التي وجهها الجيش المصري للتركيبة الاقتصادية والعسكرية والسياسية للتنظيم داخل مصر وبين ترشح الغنوشي، وكأن كلّ هذا لم يكفِ حتى أتى خبر وفاة جديدة أكثر أهمية لتضعف السيطرة المصرية على التنظيم الدولي وذلك عبر ما تردّد مؤخراً عن وفاة محمود عزّت في مشفى في تركيا. وعزّت يعتبر داخل مكتب الإرشاد وضمن الجسم المصري حلقة الوصل وواضع الحلول لخلافاتهم ومنظر ضرورة بقاء السيطرة المصرية على التنظيم الدولي حتى بعد سيطرة الإخوان على الحكم في تركيا وتونس.
إذن وبفعل الموت تغيب العناصر التاريخية المصرية في مكتب الإرشاد للتنظيم الدولي الواحدة تلو الأخرى. بالتالي يفتح الطريق أكثر أمام الغنوشي وأردوغان لإرساء قواعد جديدة تنظيمية وشرعية تعيد صياغة مكتب الإرشاد والتنظيم الدولي خارج السيطرة المصرية التاريخية لمصلحة تركيا أولاً من الناحية السياسية ولمصلحة الغنوشي شخصياً الذي يعتبر المرشد الواقعي للجماعة والأكبر سناً بعد موت حسن الترابي وبعد غياب الوجوه المصرية كما ذكرنا.
شكل الغنوشي تاريخياً المرشح الأميركي الأول لقيادة جماعة الإخوان المسلمين. وهو تولى منذ العام 2000 تنسيق العلاقات بين التنظيم وأميركا، غير أنّ تبعيته السياسية لأردوغان وتبنّيه نظرة عقائدية ثابتة وإنْ حاول تغطيتها تمريراً للوقت وللأجندة السياسية أضعفت حظوظه بالدعم الأميركي في سعيه إنهاء السيطرة المصرية على مكتب الإرشاد الدولي، حتى أعادت الظروف غالبية أوراق الضغط والقوة بين يديه منذ سقوط محمد مرسي في مصر الى وفاته قبل شهر تقريباً وتفكك الجسم المصري وتشتته داخل المكتب الإرشادي للتنظيم الدولي مع وضع محمود عزت الحرج في مشفى تركي وما يتردّد عن وفاته جعلت من ترشح الغنوشي للانتخابات التشريعية التونسية المقبلة وعن الدائرة الأولى في العاصمة تونس طريقاً لتبوّؤ زعامة التنظيم الدولي ومحاولة سحب مكتب الإرشاد معنوياً ومكانياً من مصر الى بلد عربي آخر، بينما تبقى السيطرة والنفوذ السياسيان في تركيا، فهل ينجح الثنائي أردوغان الغنوشي في سعيهم هذا أم أنّ لمصريي التنظيم رأياً وموقفاً يعطل هذا السعي؟
الأشهر والسنوات المقبلة سوف تحدّد مصير الصراع هذا، وربما مصير الجماعة تحت خيمة مكتب إرشادي واحد.