العروبة أفلست والصفقات تبدّدت… وفلسطين بأمتها ومقاومتها صمدت
اياد موصللي
يوم كتب الزعيم مقالته «العروبة أفلست» كان ردّ الفعل عند الرجعية ومرضى العروبة بالغ النقمة والحقد.. وارتفع الضجيج والصخب..
اليوم لم تبق موبقة لم يرتكبها هؤلاء العرب بكلّ تفاصيلهم وتنوّع أفكارهم وانتماءاتهم. كمّت الأفواه وخرست الألسن وأصبحت الخيانة شعار الحكام ملوكاً ومشايخ وأمراء.. وصارت الأعمال الخيانية كشعر امرئ القيس.. يتغنّى بها أصحابها في تصريحاتهم وخطبهم وأقوالهم.. لا حياء ولا خجل عاد هؤلاء الى أصولهم وحقيقتهم..
وفي هذا الموقف تذكرت ما كتبه المرحوم الدكتور عصام حويش محافظ البنك المركزي العراقي الأسبق حيث قال:
«لقد ارتكبت أمتنا وخصوصاً أنظمتها خطايا لا أخطاء لم يكن ضياع فلسطين أوّلها ولا آخرها. فنحن منذ معاهدة سايكس بيكو نرتكب الخطايا بما يدخلنا نار جهنّم بلا استئذان.
أدرنا ظهورنا للمقاومة الفلسطينية، وتفرّجنا على اللبنانيين يقتلون بعضهم بعضاً، وتركنا العراق لتبتلعه أميركا، ووقفنا كالبُلَهاء نشاهد فِيلماً سينمائياً اسمه «الربيع العربي» ونحن نرى الكاوبوي الأميركي يركب ظهورنا، واليوم فيما تبتلع «إسرائيل» ما تبقى من أراض فلسطين وتهوّدها فَإِنّ مُفرِّقَةَ العرب لا جامعتهم تحارب سورية مصطفة مع الولايات المتحدة وبعض أوروبا و»إسرائيل»، وتمعن تقتيلاً في أبناء العروبة في هذا البلد، والعراقيون واللبنانيون والمستعربون يقتل بعضهم بعضاً وأبطال الجامعة يسهرون على موائد الخمر والميسر.
سمعنا عن الزمن الرديء وكلنا الآن نعيش الزمن الحقير… والغرب الرأسمالي بريء من وزر مأساتنا، فنحن المذنبون على أية حال، ونحن الذين نستحق غضب الله ولعنته».
ننظر اليوم إلى الواقع السياسي في الخليج فلا نرى فيه إلا ولاية اميركية في وشائح عربية.. منذ الثورة العربية الكبرى الى يومنا هذا وقيادات هذه المنطقة عمالة وتبعية.. يجاهرون بالعمالة والخيانة دون خجل او حياء. حقاً إذا لم تستح فافعل ما تشاء.
اليوم نستعيد هذا المشهد للموقف العربي ونحن نرى الجرافات تهدم وتزيل بيوتاً وأحياء ومناطق فلسطينية في ضواحي القدس وتشرّد أهلها وسكانها.. ولم نسمع كلمة او موقف استياء او احتجاج.. بل لا زلنا نشاهد وراء كلّ مشهد دمار في فلسطين صورة طبق الأصل لتدمير ممنهج متواصل في اليمن..
حاكم البحرين جاهد مجاهد في سبيل تحقيق التطبيع مع «إسرائيل» وفق برنامج صفقة العار والخيانة.. والسعودية تستقدم الجنود الأميركيين لإقامة قواعد فيها.. مصر أمّ الدنيا ما زالت تعمل وفق شعار «ما شفت حاجة».. فحلفها الصامت مع «إسرائيل» حصين متين.
هذه هي العروبة الحقيقية.. لا تلك التي تقرأونها في الأشعار… لنا الصدر دون العالمين أو القبر، وبلاد العرب أوطاني من الشام لبغداد ومن مصر لتطوان. لقد ضاع الصدر وبقي القبر.
فلسطين.. لقد أضاعك الأعراب يوم خدعنا بتعدادهم وسعة انتشارهم…
باعوك رغم كلّ ما ملكوا من الثروات لأنهم فقدوا العزة والكرامة. ضاعت فلسطين يوم أفلست العروبة. أفلست في إثبات وجودها وتصدّرت خانة الذلّ والعبودية..
ما أقوله الآن وأكتبه قديم في تاريخنا ولعلنا لا زلنا نذكر قول عبد القادر الحسيني قائد الجهاد في منطقة القدس، القول الذي وجهه الى الأمين العام لجامعة الدول العربية عام 1948:
«أنتم خائنون أنتم مجرمون، سيسجل التاريخ أنكم أضعتم فلسطين».
التخاذل العربي ليس جديداً لقد بدأ منذ نشوء الفكرة الصهيونية واستمرّ معها الى اليوم يواكبها ويواكب تقدّمها العدواني بخنوع ذليل وينحني أمامها.
فالأجيال الصاعدة طرحت السؤال الذي سيبقى سؤال الأجيال الحالية والقادمة، وسؤال الأجيال التي لم تولد بعد… كيف حصل هذا؟
التخاذل العربي بدأ قبل ذلك بكثير منذ نشوء الفكرة الصهيونية حتى اليوم… لقد باعها أشراف مكة قبل أن يبيعها الأراذل الباقون من الأعراب…
هل كان الشعب عاجزاً والمجاهدون متقاعسون؟ أم الحكام متواطئون؟
لم سقطت فلسطين بعد دخول الجيوش النظامية إليها؟
لماذا أصبح القوي ضعيفاً والضعيف قوياً؟
لماذا أصبح الدخيل أصيلاً والأصيل شريداً؟
هل أدّيْنا الواجب كما يجب؟ هل القوة التي نملكها في نفوسنا وأرواحنا وأجسادنا فعلت؟ انني مؤمن بأنّ فينا قوة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ ولكنها لم تفعل.
انتهت الحرب، وضاعت فلسطين، حلت النكبة!
الإجابات كثيرة ومتعدّدة كاذبة في كثير من محطاتها. الأنظمة باعت من اللحظة الأولى والشعب دفع الثمن. تصوّروا انه حتى تاريخ 19 أيار 1948 يقول بشارة الخوري رئيس جمهورية لبنان: «في ذلك الوقت لم نكن مطلعين على عدم استعداد الجيوش العربية من حيث العدد والتنظيم. وكذلك كنا نجهل قوة العصابات الصهيونية المنظمة وعدد الآليات ووفرة الذخائر لديها والمخطط الحربي الذي وضعته لاحتلال فلسطين بكاملها».
هؤلاء هم قادتنا وبهذا الشكل دخلوا حرب فلسطين وكما يقول المثل: «إذا كان هالقادة قادتنا طريق المذلة آخرتنا».
لا يلام الذئب في عدوانه
انْ يكُ الراعي عدّو الغنم
ملاحظة: في ذلك الحين لم تكن دولة قطر والإمارات قد تأسّستا بعد…
… وهذا ما حصل
ما يجري اليوم من محاولات تطبيع وتوطين يقوم بها قادة السعودية وأمراء الخليج هي طبق الأصل لما قام به قبلهم أشراف مكة..
أميركا اليوم متحمّسة بشكل جنوني لتحقيق أطماع وأحلام «إسرائيل» مهما كان الثمن.. و«إسرائيل» لها حلم وعد ربها لها كما تقول:
«أرضك يا إسرائيل من الفرات الى النيل… وتجنّد هؤلاء الأعراب من أجل تنفيذ مخططاتها وسياستها.
انّ هدف «إسرائيل» الذي تعمل اليهودية العالمية بأجهزتها السياسية والاقتصادية العلنية والخفية لتحقيقه هو السيطرة على العالم وهذا ما تعمل أميركا جاهدة لتحقيقه وتنفيذه والذي قام ترمب بتجنيد حكام الخليج لتحقيق ذلك..
لذلك أشعلوا الحروب الطائفية والفتن في العراق والشام واليمن وخلقوا عدواً وهمياً بدلاً من عدوهم الأساسي إسرائيل، فجعلوا إيران الهدف الأول.. وجعلوا إسرائيل ترسم حدودها السياسية عبر علاقات تتيح لها مدّ نفوذها في ما أسمته «الشرق الاوسط الجديد». لذلك حشدوا كافة الطاقات وعقدوا الاتفاقات لتحقيق هذا المخطط فإذا قرأنا ما يقوله البروتوكول الثاني من بروتوكولات حكماء صهيون بتمعّن توضحت لنا صورة المخطط الإداري الصهيوني للسيطرة على البلاد المجاورة ووضعها تحت هيمنتها فقد جاء فيه:
«إنّ غرضنا الذي نسعى إليه يحتم أن تنتهي الحرب بلا تغيير حدود ولا توسع إقليمي، وينبغي تطبيق هذا ما أمكن فإذا جرى الأمر على هذا قدر المستطاع تحوّلت الحرب الى صعيد اقتصادي وهنا لا مفرّ من أن تدرك الأمم من خلال ما نقدّم من مساعدات، ما لنا من قوة التغليب، تغليب فريق على آخر، ومن التفوّق وفوز اليد العليا الخفية.
وهذا الوضع من شأنه أن يجعل الفريقين تحت رحمة عملائنا الدوليين الذين يملكون ملايين العيون اليقظة التي لا تنام. ولهم مجال مطلق يعملون فيه بلا قيد. وحينئذ تقوى حقوقنا الدولية العامة على الحقوق القومية الخاصة في نطاق المعنى المألوف لكلمة حق. فيتسنّى لنا أن نحكم الشعوب بهذه الحقوق تماماً كما تحكم الدول رعاياها بالقانون المدني داخل حدودها». وما يجري اليوم هو فعل من هذا…
انها المحاولات التي شهدناها في كثير من المحافل الدولية وآخرها ما حاولت أميركا تحقيقه مؤخراً.
هذا القول يفسّر محتوى ما تعنيه صفقة القرن والتطبيع والتوطين.. والأدوار التي أعطيت لحكومات العمالة العربية..
وإلا بماذا نفسّر هذه العروبة التي تجمعها جامعة تخرج من صفوفها دولة مؤسِّسة كالجمهورية السورية وتسحب السفراء لدولها منها! اية عروبة هذه العروبة التي طأطأت رأسها.. حتى أصبح على مساحة واحدة من اقدام اسرائيل…؟
العروبة التي نعرفها هي التي قال عنها سعاده: «في فلسطين ودّعت الأمة السورية العروبة الوهمية، العاجزة، الاتكالية وداعاً فاجعاً لتلبّي دعوة الحركة القومية الاجتماعية الى قوميتها الحقيقة ولترى بعين حقيقتها هي واقع العالم العربي، فتنهض بقضيتها السورية فتجد في قواها التي أهملتها زمناً طويلاً معيناً للنشاط لا ينضب ودافعاً الى التقدّم لا يصدّه شيء. بهذا الاتجاه تصير الأمة السورية قوة فاعلة في العروبة الواقعية التي أعلنتها عروبة التعاون بين أمم العالم العربي.
وها هو الدليل بارز في المقاومة التي تتجسّد في لبنان رافعة شعارها «انّ فينا قوة لو فعلت لغيّرت مسار التاريخ».
توحدت إرادة العز ولاحت بيارقه، وأمام كلّ شهيد يولد وليد منتش بدماء جديدة يتنشق هواء نقياً مضمّخاً بأريج النبل والبطولة ويناديهم من بعيد صوت مدوّ يقول سيروا الى الجهاد وما أروع النصر الذي سوف تحققون… لا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل.
انّ البطولة التي يسجلها ويجسّدها العاملون بصمت بعيداً عن الإعلام وعن الضوء والضوضاء تلك هي البطولة المؤيدة بصحة العقيدة والإيمان، هي التي سوف تصحّح كلّ المفاهيم وتؤكد انّ فلسطين انتصرت والأعراب أفلسوا، انّ فلسطين انتصرت بالإرادات، والأعراب أفلسوا رغم القرارات…
والذين طردوا الجيش الذي لا يُقهر من جنوب لبنان وأخرجوه ذليلاً وأعادوا الكرة في تموز 2006 سيضعون حداً لـ «إسرائيل» عدواناً وكياناً…
هذه هي إرادة امتنا.