النهوضُ اللبناني عند الرئيس بري له بوابةٌ سورية!

محمد حمية

يواصلُ رئيس المجلس النيابي نبيه بري ترميم السقوف المتداعية في الدولة اللبنانية تفادياً لسقوط الهيكل على رؤوس الجميع، محاولاً نقل الصراع الجنبلاطي الأرسلاني من الشارع في قبرشمون وساحات قرى الجبل إلى حضن الدولة ومسرح القانون ومسهلاً من ناحية ثانية تمرير موازنة الحد الأدنى لتفعيل العمل الحكومي في مرحلة شديدة الصعوبة.

فنجاحه في إطار الممكن بالجمع بين عناصر الاختلاف اللبناني حوله، سواءٌ بفكفكة «ألغام» حادثة «البساتين» وتهيئة الأجواء لإيجاد الحل أم بنزع «صاعق تفجير الموازنة» أم بفك «شيفرة» الملف الحدودي – البحري والبري مع «إسرائيل». كل ذلك جعل من رئيس حركة أمل مِنصة وطنية أساسية ومتقدمة يجتمع عليها كل اللبنانيين.

ففي أزمة قبرشمون تقِفُ عين التينة على ضفة الوسط بين حليفي «الدارين» التاريخيين الجنبلاطي والأرسلاني، والحريصة على حقن الدم الدرزي ووحدة طائفة الموحّدين. فـ «أبو مصطفى» بات «الحاكِم» و»الحكَم» في هذه الأزمة الوطنية العصيبة، ما يجعله حاجة لجميع أطرافها، فهو «بيضة القبان» في مجلس الوزراء، يتحكم بمسار ونتيجة التصويت على إحالة القضية الى المجلس العدلي، فلكونه حاكماً للتوازنات الحكومية، يعمل على تجيير هذا الموقع في العملية التفاوضية لإيجاد الحل وتسويقه لدى الجميع وليس لصرفه في أي خيارات تؤدي الى تفجير الحكومة كخيار التصويت الذي يعمل بري لتفاديه بكل ما أُوتي من مونة وحكمة وبصيرة ويدفع باتجاه الفصل بين «قبرشمون» والعمل الحكومي، وبالتالي هو «الحكمُ العادل» بين حلفائه والحكيمُ في الوطن في آن معاً.

ووفق مصادر متابعة ومتتبعة لحركة رئيس المجلس، تؤكد أن مفاتيح الحل بيده وحده، إذ إنه الوحيد الذي رسم لنفسه هامشاً في القضية بعدما حسمت مختلف الأطراف مواقفها وتموضعت على جبهتي الصراع، فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفق مصادره سيحسم موقفه لصالح المجلس العدلي عندما تدق الساعة ويتصرف وفق صلاحياته الدستورية في طرح الملف على التصويت من خارج جدول الاعمال، وكذلك تكتل لبنان القوي وحزب الله وتيار المردة الداعمين لمطلب النائب طلال أرسلان، اما رئيس الحكومة سعد الحريري فأعلن رفضه الإحالة على «العدلي» وخيار التصويت، ما يجعل موقف بري حاسماً بحسب المتابعين، فكما كان حارساً أميناً ومؤتمناً للبرلمان سيكون حصناً منيعاً للمصلحة الوطنية، ويبحث عن مخرج توافقي تدريجي يُنهي الأزمة ويحقق العدالة ويُنصف خلدة التي فوّضت أمرها لبري ولا يكسر المختارة التي سلمت بدورها أوراقها الى حليفها اللدود.

هذه المحورية في الحركة السياسية والحكومية تمنح «سيد عين التينة» الحق بالرحيل نحو سورية، فالملف السوري له أهميات متعددة بالنسبة اليه – أولاً هو ملف اقتصادي باعتبار أن هناك نقاط نزاع بين لبنان وسورية حول الحدود البحرية.

فحليفُ «الشام» التاريخي هو الوحيد الذي يستطيع أن يبتكر الحلول للخلافات بين دمشق وبيروت لما له من رصيد كافٍ عند السوريين وكل أطراف الخلاف اللبناني، فحلفه الإستراتيجي مع «قصر الشعب» وخياراته العروبية والقومية يجعلانه محل ثقة كبيرة لدى القيادة السورية ولكونه يحمل لبنانية عريقة على كتفيه تجعله محط إجماع لبناني داخلي على تولي إدارة الملف مع سورية في إطار تحسين الاوضاع الحدودية بين البلدين بشكل تكون مفتوحة للاستيراد والتصدير ولكل العلاقات اللبنانية مع الاردن والعراق والخليج.

يشعرُ رئيس كتلة التنمية والتحرير بثقل المهمة الوطنية الكبيرة الملقاة على عاتقه، لكه يُدرك أنها السبيل الوحيد لإنقاذ الاقتصاد اللبناني الذي يقوم على مسألتين: الاستيراد والتصدير والسياحة، لذلك يعتبر أن لديه مشروعاً وطنياً ضخماً يُنقِذ من خلاله لبنان وفي الوقت عينه يحقق مصلحة سورية في مرحلة صعبة.

ويسعى رئيس البرلمان لحجز مكانة للبنان في إعادة إعمار سورية ما يؤدي الى إنقاذ ثُلث اللبنانيين على الأقل، وذلك عبر انخراط الشركات اللبنانية في سوق الإعمار السوري الذي سيدخل لاحقاً الى «نادي العالمية»، لذلك سيقترح بري نوعاً من الهدنة السياسية بين كل الأفرقاء المعادية لسورية لا سيما أن أدبيات الحقبة الماضية انتهت حتى الأميركيين والأوروبيين يُقِرون بأن الرئيس بشار الأسد حقيقة سياسية موجودة، ويستطيع بري «كبت» الأصوات اللبنانية المعادية لسورية وإعادة نسج سياسة معتدلة مع سورية تؤدي غرضها في الملف البحري والنفط والغاز والموضوع السياسي، فيفتح لبنان نافذة لعودة مئات آلاف السياح وينشط قطاع الخدمات من استيراد وتصدير ومصارف ويُعيد إليه بريقه الذي كان عليه في ستينيات القرن الماضي.

وفي سياق ذلك، تشير مصادر مقربة من بري لـ»البناء» الى أن رئيس المجلس أن لم يتوانَ يوماً عن تقديم النصح الى رئيس الحكومة والقوى السياسية المناهضة لسورية بضرورة الانفتاح عليها وحل الإشكاليات معها، من الحدود والتهريب الى أزمة النازحين وأزمة التصدير. وتكشف المصادر على سبيل المثال لا الحصر أنه «كلف عدداً من النواب الذهاب الى سورية منذ عامين تقريباً لحل أزمة تصدير الموز والحمضيات الى سورية»، مشيرة الى أن «سورية هي السوق الوحيد لتصدير الموز اللبناني، ولأجل ذلك يرى بري ضرورة فصل الخلاف السياسي لبعض اللبنانيين مع سورية عن العلاقة بين الدولتين». وتشهد المصادر بقول وزير الدفاع للمعنيين إن «التنسيق مع سورية الحل الوحيد لوقف التهريب على الحدود».

علاوة على ذلك إن استقرار العلاقة بين الدولتين بالنسبة الى بري سيؤدي حكماً الى تنسيق سياسي وأمني وإداري سلس لإعادة النازحين السوريين ويسهل أيضاً استثمار اللبنانيين لحقوقهم في جزء من مياه نهر العاصي الذي يرى بري أنها أساسية لتطوير وتنمية البقاع عبر تمكن أهالي المنطقة من استغلال مياهه في ري الزراعات في البقاع الشمالي والهرمل ما يساهم في نهوض تلك المناطق ورفع حجم انتاجها الزراعي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى