قالت له
قالت له: الحب والموت رفيقان والدليل أنه عندما يحضر خطر الموت فجأة لا نتذكّر إلا من نحبّ فعرف لمن كان القلب مرهوناً ولمن كانت الحياة مجرد عبور في الزمن. وقد مررت بما أستذكر من أنت عندي وهذه عبرة ما تعلمت وما لا أريد أن أنسى وليس مهما أن تبادلني أو تغازلني فقد يكون عندك غيري أو قد تكون مللت أو تعبت أو غضبت وكثيراً ما كنتُ سبباً لما لا يُطاق وأنت تهتمّ لأمري وتتابعني وتواكبني رغم أنني كنت بعيونك لسواك. فهل تسامحني وتنسى وهل من طريق لنطوي ما مضى وانقضى أم أن الزمن قد فات وقد غمرك الحزن والأسى أو الغضب والعتب؟
قال لها: ما بيننا ليس عندي في فعل كان الماضي والناقص، بل هو فعل الحب الكامل، ولذلك بقيت أحيطك بذراعي وهما مني ورغماً عنك وعني، لكنه حبّ من نوع آخر تبدو لك معه بداية مشابهة مما تقولين هو حب الرضا والسكينة دون مقابل ودون طلب التبادل ودون ربط شكل العيش والوصال بالحب هو شيء من حب الأم لأبنائها حين نكتشف وتكشف لنا الأقدار أناساً يصيرون جزءاً لا نعيش دونه ويرافقنا، ومهما تغيرت قواعد الروابط بيننا إلا أنها تنتقل من شكل إلى شكل آخر.
ومشكلتي هي أنني لا أتحمل المخاطرة بالشكل العاصف للحب وتسالمت مع الشكل الساكن عن بعد أراقبك وأتابعك وأفرح لفرحك وأحزن معك وأركض خلفك، لكنني لا أبغي منك شيئاً ولا أرغب بكثير الكلام والسلام. فأكتفي بأنك بأمان وهمي الاطمئنان.
وها أنت تقولين شيئاً شبيهاً فتعالي نكون بلا توصيف وبلا التزامات وطلبات، فلنكمل سيرنا كما تأخذه الريح ونبقى بلطف حياتنا بابتسامة نتبادلها ونحن في حال التعب فنستريح، لأننا ندرك معناها ونعرف محتواها بما هو أبعد ونستكين، لأننا نبغي من بعضنا ولبعضنا بعد هذا التعب إلا راحة النفس وتنشّق الهواء الطلق والابتعاد عن مخاطرات لا نحتمل فيها الفشل ولا نزرع فيها وهم الأمل.
قالت: وهل ما زلت همك الأول؟
قال: ولم يتبدّل.
قالت: وإن تحوّل؟
قال: لكنه باسمه الجديد يبقى الأول.
قالت له: وهل وجدت أفضل؟
قال: ما كنت لأقارن ومن لا يشرب لا يثمل.
قالت: وهل البعد أمثل؟
قال لها: أنا من يسأل.
قالت: هكذا الظروف تعمل.
قال: فلندع السؤال وما علينا إلا أن نقبل.
قالت: إن قلت ضمني هل تفعل؟
فضمها ومضيا معاً.