الفلسطينيّون لم يصلوا بعد إلى دمشق… فماذا ينتظرون؟

د. وفيق إبراهيم

الوصولُ المطلوب هنا، ليس مجرد رحلة ترفيهيّة تتخللها حفلات مديح وزجل سياسي، فالمرحلة العصيبة لا تحتمل مثل هذا الهراء.

هناك انهيار عربي عام كاد أن يطيح بكامل الشرق الأوسط لولا هذا الصمود السوري التاريخي الذي يبعث على الأمل، بسقوط قريب لأكبر اجتياح غربي تركي إسرائيلي – ارهابي غزا المنطقة على متن حكام الخليج وذهبهم مستمراً بالمحاولة بأشكال متنوعة.

كذلك فإن الدور الإيراني الكبير وصلابة حزب الله يؤديان أعظم ملحمة جهادية تحول دون سقوط الشرق الاوسط في فم التنين الأميركي.

لقد ابتدأ غزو هذه المنطقة منذ ثمانينيات القرن الماضي عندما شجع الأميركيون والخليجيون الرئيس العراقي السابق صدام حسين على غزو إيران وموّلوه فنشبت حرب استمرت عقداً وانتهت الى انكسار المشروع الصدامي.

لقد أدت هذه التدخلات تباعاً الى احتلال افغانستان والعراق وسيطرة عسكرية أميركية مباشرة على معظم الشرق الأوسط لعدم وجود منافسين دوليين ومجابهين محليين باستثناء سورية وإيران وحزب الله وبدعم روسي لاحق نوعي الطابع.

هنا استخدم الأميركيون كامل إمكاناتهم لتطويع العرب، مستعملين إمكاناتهم مع النفوذ الخليجي والانهيار العربي والأسلوب الطائفي والعرقي متوصلين الى حالة ضياع شعبي سببه تعميمهم بواسطة آلاف وسائل الإعلام بأن المعركة الدائرة ذات طابع مذهبي طائفي تدخل فيها الأميركيون لتأييد «السنة» ضد الشيعة حيناً ومحاربة الإرهاب حيناً آخر، كما يزعمون حتى الآن.

بالنتيجة تبين للاتجاهات العربية المتنوعة ان هناك مشروعاً أميركياً لتفتيت المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية وتشكيل حلف عربي اسرائيلي برعاية أميركية هذا الى جانب الاهتمامات الاقتصادية الاساسية لوضع اليد على عائدات النفط والغاز.

ماذا بالنسبة للفلسطينيين؟

السلطة الفلسطينية وحماس يرسمان السياسة العربية لفلسطين، لكن أدوات التأثير عليهما مختلفة، على الرغم من ان قراءاتها لمرحلة 2011 2019 متشابهة.

فالسلطة تتحرك وفق اتفاق الحد الأدنى مع «إسرائيل» وعلى قاعدة الاستجابة للضغوط الأميركية والسعودية والمصرية بتنسيق مع الأردن، لم تخرج مرة واحدة عن هذا السياق، ما استدعى وقوفها الى جانب الحلف الأميركي السعودي ضد سورية وحزب الله وإيران وبشكل سافر.

لجهة الجزء الآخر الذي لا يقلّ أساسية في رسم السياسة الفلسطينية فهي منظمة حماس في غزة، التي كانت تتمتع قبل 2012 بعلاقات مع إيران وحزب الله لها أبعاد تمويلية وتقارب سياسي.

حماس بدورها مالت الى تأييد تنظيمات الاخوان المسلمين في سورية والعراق وتشكيلاتهم العسكرية وسمحت للكثير من مؤيديها في مخيم اليرموك السوري بالاشتراك في عمليات مناهضة للدولة السورية.

لقد تأثرت حماس بانحياز الاخوان المسلمين للاتراك في حزب العدالة والتنمية الذي يقوده الرئيس التركي رجب اردوغان، الى جانب الارهاب في سورية والعراق.

لقد اعتقدت السلطة من جهتها، ان الغرب مقبل على حسم المعركة مع الخليجيين، فأرادت ان تحجز مقعداً لها يحفظ سلطتها في الضفة.

اما حماس فتوهمت ان عصر الاخوان المسلمين بدأ بالإشراق من خلال المشروع التركي فأخذت تحلم بدولة اخوانية على مدى واسع تستطيع تحرير كامل فلسطين، وهنا تجاهلت حماس ان صاحب المشروع هم الأميركيون وليس الأتراك.

وأن هؤلاء لا يريدون تحرير فلسطين بل توسيع الاستعمار الاسرائيلي في مناطق جديدة.

لذلك بُغتت السلطة الفلسطينية وحماس بالنتائج، خصوصاً لجهة مباشرة الأميركيين بتنظيم مؤتمرات لتطبيق صفقة القرن التي لا تعني إلا انهاء كاملاً للقضية الفلسطينية.

هذا هو الحد الذي اعاد الرشد الاستراتيجي لمن أضاعوه في زحمة الشعارات منجذبين الى الخليج والأميركيين ومصر والاردن والاتراك.

فكادوا يخسرون آخر ما تبقى من فلسطين.

لكن مسألة فلسطين ليست مجرد ردة فعل على تآمر، إنها قضية وطن اغتصبه الغرب وقدموه الى اليهود بصمت عربي متواطئ.

لذلك كان طبيعياً ان تعود حماس الى إيران التي لم تتخل يوماً عن قضية فلسطين، وكان طبيعياً ان ينتفض رئيس السلطة محمود عباس على حلفائه العرب والغربيين الذين غدروا به.

لكن ما هو طبيعي اكثر، ان ترتفع السياسة الفلسطينية من مرحلة ردود الفعل الى مستوى بناء سياسات استراتيجية مع الحلفاء الفعليين لفلسطين.

وهي بالضرورة سورية التي لم تتخلّ عن لواء تحريرها منذ نكبة 1948.

وكان بإمكانها تجنب التآمر الغربي العربي التركي عليها، لو وافقت على إنهاء القضية الفلسطينية منذ ثمانينيات القرن الماضي، هذا ما يدفع الى تساؤلات عميقة عن الأسباب التي لا تزال تحول دون عودة الفلسطينيين الى دمشق التي تنتظرهم.

فهناك عودة قريبة الى المنطقة لجاريد كوشنير صهر الرئيس الأميركي ترامب وراعي صفقة القرن والمصر على تطبيقها، ألا تستدعي هذه العودة يقظة فلسطينية تبدأ من التنسيق مع سورية على مجابهة الحلف الأميركي الخليجي الاسرائيلي الذي أصبح قيد التشكل العملي على ازدياد وقع حدة الصراع الأميركي الإيراني.

فهل لا تزال علاقات السلطة مع الخليج وحماس مع تركيا مانعاً من العودة الى دمشق؟

إن الممسكين بالسياسة الفلسطينية هم اليوم أمام مسؤولية تاريخية خطيرة تتطلب منهم تحقيق تنسيق تحالفي عميق مع سورية «بلادُ الشام» التي تشكل فلسطين جزءاً تاريخياً منها، فلا تعبثوا بالتاريخ لحساب السياسة والأيديولوجيا والمصالح الشخصية.

فسورية هي التاريخ والأيديولوجيا وفلسطين من مسؤولياتها، فمتى يصل الفلسطينيون اذاً الى دمشق عاصمتهم؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى