تونس: نتائج الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية
حميدي العبدالله
أظهرت نتائج الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية التونسية انقساماً حاداً داخل صفوف الشعب التونسي، وتجسّد هذا الانقسام في عدم حصول أيّ من المرشحين البارزين، السبسي والمرزوقي، على غالبية تتجاوز 50 في المئة من أصوات الناخبين. وإذا كانت هذه النتيجة مألوفة في الدول الديمقراطية، وحدوثها لا يعبّر عن انقسام في صفوف الشعب، فذلك لأنّ نسبة المشاركة في الانتخابات في تلك الدول نادراً ما حققت نسب المشاركة المسجلة في الانتخابات الرئاسية التونسية والتي تجاوزت 64 في المئة.
لا شك أنّ هذه النتيجة معبّرة للغاية، وهي تعكس حقيقة أنّ الشعب التونسي منقسم على نفسه حول الخيارات السياسية وماهية النظام، نصفه يؤيد ويدعم العودة إلى ما كانت عليه الحال قبل الحراك الذي أطاح بالرئيس زين العابدين بن علي. وتجلى ذلك بالأصوات التي حصل عليها حزب «نداء تونس» الذي يمثل امتداداً للحزب الذي حكم تونس منذ الاستقلال وتناوب على زعامته الرئيس الحبيب بورقيبة والرئيس زين العابدين بن علي، سواء في الانتخابات البرلمانية أو الانتخابات الرئاسية، حيث نال مرشح حزب «نداء تونس» نسبة أصوات أعلى من جميع المرشحين، حتى وإنْ لم يفز من الدورة الأولى.
لكن في المقابل فإنّ النصف الآخر من الشعب التونسي لا يزال يخشى العودة إلى النظام القديم، على الرغم من التصريحات التي أدلى بها زعماء حزب «نداء تونس» والتزموا فيها بالتعددية، وعدم العودة إلى حكم الفرد والديكتاتورية والاستبداد، فالأصوات التي حصل عليها منصف المرزوقي الذي رأس تونس بعد خلع زين العابدين بن علي تشير إلى هذه الخشية أكثر منها إلى القناعة بسياسات المرزوقي وممارسات التحالف الذي حكم تونس في السنوات الأربع الماضية.
هذه النتيجة تعكس حقيقة أنّ الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تونس تعكس وجود أزمة، ولا تعبّر عن تجربة ديمقراطية خلاقة، فالشعب محاصر الآن بين خيارين وكلا الخيارين لا يلبّيان تطلعاته، الخيار الأول، ذو الأرجحية هو العودة إلى أدوات الحكم القديم، أيّ حكم الحبيب بورقية وزين العابدين بن علي التي أظهرت بالمقارنة مع تجربة حكم النهضة – المرزوقي أنها أفضل نسبياً، والخيار الثاني، الاستمرار في الرهان على النهضة – المرزوقي رغم فشل هذا التحالف في إحداث أيّ تطوير في تونس على أي مستوى من المستويات التي تشكو منها غالبية الشعب، وعندما تكون خيارات الشعب بين السيّئ والأقلّ سوءاً، فهذه ليست خيارات المستقبل، بل إنها خيارات أُكره عليها الشعب لغياب البدائل الأكثر عطاءً والأكثر ثقة والتي يمكن عبر الرهان عليها تحقيق الآمال والطموحات.
هذه الخلاصة تؤكد أنّ ما ينتظر تونس هو المزيد من عدم الاستقرار السياسي وربما الأمني، وبالتالي التخبّط بمزيد من المشاكل وليس استثناءً عما يحصل في بلدان «الربيع العربي» الأخرى.