لماذا «يهودية الدولة» الآن…؟
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
المطالبة بيهودية دولة العدو، ليست بالفكرة الجديدة، بل هي فكرة صار عليها رؤساء دولة الاحتلال والرؤساء الأميركيون بعدما تقدمت اميركا بخارطة الطريق لحلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ايار 2003، حيث اشترطت «إسرائيل» موافقتها على تلك الخريطة، بمطالبة الجانب الفلسطيني بالاعتراف بـ«يهودية الدولة»، والاعتراف المطلوب من الجانب الفلسطيني هنا، ليس الاعتراف بـ«إسرائيل»، كما اعترفت بها الدول الأخرى، بناء على قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947، بل المطلوب من الجانب الفلسطيني، الاعتراف بماهية الدولة، «إسرئيل دولة يهودية»، من اجل الالتفاف على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ومسألة الاعتراف هذه تخبو حيناً وتتصاعد حيناً آخر ارتباطاً بالعملية السياسية والمفاوضات مع الجانب الفلسطيني، فـ«إسرائيل» تسعى من خلال التشديد على هذه المسألة والتركيز عليها، إلى تحقيق عدد من الأهداف، ليس فقط عملية وضع العراقيل والعصي في دولاب المفاوضات، والعمل على تعطيلها وإفشالها، بل هي تسعى كذلك إلى تحقيق جملة أهداف أبعد وأخطر من ذلك، سنأتي على ذكرها في السياق.
ويهودية الدولة والمشروع المقترح إقراره والمصادقة عليه، يتصدره بنيامين نتنياهو، ويضغط من اجل إقراره وتمريره في «الكنيست»، بشكل لافت للنظر، بعد توجه الطرف الفلسطيني الى الأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين كدولة تحت الاحتلال، والتوجه الفلسطيني قريباً لمجلس الأمن الدولي، من أجل استصدار قرار يحدّد فيه سقف زمني لانسحاب «إسرائيل» من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، تنتهي في عام 2016.
ويجب ان نشير هنا الى ان موضوع يهودية الدولة كان وسيبقى مثار جدال ونقاش واستثمار في الصراع الداخلي بين القوى السياسية في «إسرائيل»، وبخاصة بين المؤيدين والمعارضين للنشاط الاستيطاني في الأرض الفلسطينية المحتلة، حيث يعمد المعارضون إلى إشهار سلاح يهودية الدولة في وجه خصومهم، تحت ذريعة أن النشاط الاستيطاني من شأنه نسف عملية السلام، ما يستتبع سقوط حلّ الدولتين، وتمهيد الطريق أمام الحلّ الآخر المعتمد على قيام دولة ثنائية القومية، وما ينطوي عليه من مخاطر على يهودية الدولة. وقد حذا عدد من المسؤولين في الإدارة الأميركية على منوال وطريق المعارضين الإسرائيليين للنشاط الاستيطاني، عند انتقادهم لهذا النشاط، لمسّه يهودية الدولة، وتعريض طابعها اليهودي للخطر.
ونتنياهو وقوى اليمين الديني والقومي المتطرف من «الليكود» و»اسرائيل بيتنا» و»البيت اليهودي» وغيرهم من الحاخامات والتوراتيين والمستوطنين، يعتقدون بأنّ الظروف الآن مؤاتية لتمرير هذا القرار، فالحالة الفلسطينية ضعيفة ومنقسمة على ذاتها، والوضع العربي في أسوأ مراحله، على ضوء ما يشهده من انهيار وصراعات وحروب وفتن مذهبية وطائفية، وعدم قدرة الحالة الدولية على فرض حلّ سياسي عليها، خاصة أن نجم الديمقراطيين الأميركان قد أفل، بعد خسارتهم في الانتخابات النصفية للكونغرس، وقدوم أنصار «إسرائيل» من الجمهوريين، والذين هم اكثر تشدّداً من الصهاينة أنفسهم، تجاه الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ولذلك هذا التيار الصهيوني القوي، الآن في مركز القرار، ويستطيع ان يحسم الصراع حول طابع الدولة مع التيار الذي يتمسّك بأنّ أمن اسرائيل، هو المحرك الأساسي لصنع القرار والسياسة الإسرائيلية، على عكس هذا التيار، القائل بأنّ الاستيطان والتوسع، هو الأساس في صنع القرار والسياسة «الإسرائيلية»، وهذا يقضي بشكل نهائي على المشروع الوطني الفلسطيني والقضية الفلسطينية، فهناك فرصة تاريخية للاحتفاظ بالأمن والسلام والاستيطان معاً، في فرصة لم تتوفر في أية ظروف ومراحل أخرى.
إقرار هذا القانون الذي يعرّف «إسرائيل»، بأنها «وطن قومي للشعب اليهودي»، يصبح بمثابة القانون الأساسي الذي يحدّد في شكل واضح طابع إسرائيل» كدولة «الشعب اليهودي».
وأيضاً إقراره يشكل تعدّياً صارخاص على الحقوق التاريخية والمدنية للشعب الفلسطيني، وفي المقدمة منها حق العودة المستهدف من هذا القانون بشكل أساسي، وهو كذلك يشكل إمعاناً في السياسة العنصرية المتبعة بحق شعبنا في الداخل الفلسطيني- 48 – وبما يعني إضفاء «الصفة القانونية والشرعية» على سياسة التمييز العنصري بحق شعبنا، وهذا يمهّد لمخاطر الطرد والترحيل الجماعي لشعبنا، عبر سياسات التطهير العرقي والتبادل السكاني والاستيلاء على الأرض.
وكذلك واضح من الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، بأن هذه الحكومة المتطرفة، تريد ان تصبغ الصراع مع شعبنا الفلسطيني بالصراع الديني، وبما يمكنها من السيطرة على الأرض وإقامة المستوطنات عليها، و«يشرعن» لها مثل هذا القرار الضمّ والتهويد للقدس والسيطرة على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وتبرير لما تقترفه وترتكبه من جرائم بحق شعبنا الفلسطيني.
وأبعد واخطر من ذلك، فهذا القانون القبول او التسليم به، يعني القبول بالفكرة الصهيونية، والاعتراف بالرواية الصهيونية للصراع العربي الصهيوني، بأنّ الصهيونية حركة تحرّر وطني لما يُسمّى بـ«الشعب اليهودي»، وهذا يعني الاعتراف بـ«حق» اليهود والصهاينة في هذه البلاد، وإدانة لمشروعية النضال الوطني الفلسطيني، ووسم نضالات وتضحيات شعبنا بـ«الإرهاب»، وبالتالي يصبح من حقهم طردنا وتهجيرنا، وإسقاط حق العودة لشعبنا اللاجئ والمشرّد في مخيمات اللجوء وأرض الشتات.
لا يمكن لأيّ طرف فلسطيني الموافقة على هذا القانون، لأنه يعني انتحاراً فلسطينياً، ونهاية لقضيته ومشروعه الوطني، ولذلك علينا خوض معاركنا ونضالنا على كلّ الصعد والمستويات، محلياً وعربياً ودولياً، يجب العمل على بناء استراتيجية فلسطينية موحدة، وكذلك ضرورة استكمال عضويتنا في المؤسسات الدولية، وبالذات التصديق على ميثاق روما والانضمام الى محكمة الجنايات الدولية، من اجل جلب قادة الاحتلال الى المحاكم الدولية ومحاكمتهم كمجرمي حرب، على ما يرتكبونه من جرائم وفظائع بحق شعبنا الفلسطيني.
Quds.45 gmail.com