ترامب – جونسون وسياسة حافة الهاوية
ناديا شحادة
ما إن صعد نجم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، حتى شبّهوه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وذهب رأي واسع إلى أن سيّد البيت الأبيض وجد حليفاً مطابقاً له، وأن ترامب وجونسون توأمان سياسيان وشخصيتيهما تبدوان متشابهتين في المعتقدات العنصرية، خصوصاً تجاه المسلمين والمهاجرين، بالأخص ذوي الأصول الأفريقية. فجونسون هاجم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بسبب أصوله الأفريقية، وكذلك ترامب عندما هاجم نائباً ديمقراطياً من أصول أفريقية ووصف مدينة بالتيمور ذات الأغلبية السوداء بأنها «فوضى مثيرة للاشمئزاز».
وجاءت تصريحات ترامب في سلسلة من التغريدات شديدة اللهجة التي استهدفت النائب الديمقراطي إيليا كامينجز، وهو من أبرز منتقدي إدارة ترامب، والنائب عن مدينة بالتيمور.
كما يتشاركان في موقف معادٍ للإسلام. ففي عام 2007 كتب جونسون في ملحق تمت إضافته إلى إصدار لاحق من كتابه حلم روما، أن الإسلام «تسبّب في تخلف العالم الإسلامي لقرون، وأن هناك شيئاً ما عن الإسلام يعوق التنمية في أجزاء من العالم، ونتيجة لذلك، كانت المظلمة الإسلامية عاملاً في كل صراع تقريباً».. بينما لا يُخفى موقف ترامب تجاه المسلمين، وهو الذي وصفته صحيفة واشنطن بوست الأميركية أنه تحوَّل إلى ملهم لكل كاره للإسلام.
في ما يخص السياسة الخارجية لكلا البلدين يؤكد المراقبون أن مواقف ترامب وجونسون تتوافق في العديد من السياسات الخارجية، منها العلاقة الحميمة مع «إسرائيل» واعتبار الحفاظ على أمنها أحد أسس السياسات الأميركيّة البريطانية في الشرق الأوسط.
لم يُخفِ الرئيس الأميركي حماسته للدفاع عن الكيان «الإسرائيلي»، بل اعتبر ذلك العمود الأساس لسياسته في الشرق الأوسط، فاعترف بالقدس عاصمة للكيان، واستخدم الفيتو لإفشال أيّ مشروع في مجلس الأمن ضدّ السياسات «الإسرائيلية»، وركز جهوده ضدّ إيران بسبب موقفها الرافض للاعتراف بالكيان الإسرائيلي، ودفع السعودية والإمارات والبحرين للتطبيع معه، وطرح مشروع صفقة القرن لإنهاء القضية الفلسطينية والقضاء على مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، وأمر حاكم البحرين باحتضان ورشة اقتصادية لتدشين صفقة القرن.
أما جونسون فهو الآخر لديه نزعات تجاه «إسرائيل» ضمن الإطار العام للسياسة البريطانية التقليدية. فقد عيّن بريتي باتيل وزيرة للداخلية في حكومته، الأمر الذي أثار استغراب الكثيرين. وكانت باتيل، وهي من أصول هندوسية هندية، قد أجبرت على الاستقالة من منصبها كوزير للتنمية الدولية، في تشرين الثاني 2017، بعد أن كُشف النقاب عن عقدها لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين، خلال عطلة في «إسرائيل»، من دون علم رئيسة الوزراء حينها، تيريزا ماي، أو وزارة الخارجية. واستقبل الإسرائيليون وصول جونسون لرئاسة الوزراء بارتياح كبير. وقالت صحيفة «إسرائيل اليوم» في مقال نشرته للسفير السابق رون بروشاور، إن «جونسون صديق عظيم لإسرائيل، وسيعمل على حماية يهود بريطانيا من اللاسامية»، مضيفاً أن «إسرائيل ابتسمت بعد الإعلان عن انتخاب جونسون لرئاسة الحكومة البريطانية التالية».
أما في ما يتعلق بإيران فإن توتر العلاقات الأميركية الإيرانية ليس جديداً، ولكنها شهدت هدوءاً نسبياً في عهد باراك اوباما، ومنذ مجيء ترامب تصاعد التوتر بين البلدين، خصوصاً بعد أن سحب ترامب بلاده من الاتفاق النووي الذي وقعته إيران في العام 2015 مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
العلاقات البريطانية ـ الإيرانية أيضاً كانت مضطربة طوال العقود الأربعة الماضية، وقد شهدت صعوداً وهبوطاً، وساهمت شخصيات الرؤساء في توجيه تلك العلاقات. وجاءت أزمة السفن الحالية لتضفي بعداً آخر على تلك العلاقات.
مع ذلك لا يبدو أن جونسون يشارك ترامب في كل مواقفه إزاء إيران، ويؤكد عدم رغبته في التصعيد المؤدي إلى الحرب. وفي مناظرة سياسية أثناء حملة انتخابات رئاسة حزب المحافظين، قال جونسون: «لمن يقول إن الدخول في حرب ضد إيران يمثل خياراً معقولاً لنا في الغرب، أنا لا أصدق ذلك على الإطلاق. فالدبلوماسية لا بدّ أن تكون أفضل طريقة لإحراز تقدّم».
فمع وصول وجه آخر لعملة اسمها ترامب وصورة مستنسخة من منهجه في التفكير والحكم والسياسة التي تقوم على استحضار الأمجاد السابقة لبلديهما والسعي لاستعادتها يصعب التنبؤ بحجم الضرر الذي قد يلحقانه في العالم، والأسابيع المقبلة ستتضح معالم السياسة الخارجية لبريطانيا تحت زعامة جونسون خصوصاً في نمط تعاطيه مع إيران ومشكلة الاحتجاز المتبادل للسفن.