عن وظائف ما دون الفئة الأولى… والمادة 95 من الدستور

البروفسور فريد البستاني

بسرعة وبدون مقدّمات مبررة أخذ البعض موقف التيار الوطني الحر المعترض على الفقرة الخاصة بالفائزين في مباريات مجلس الخدمة المدنية من المادة 80 من الموازنة، وتمهّل رئيس الجمهورية بتوقيع قانون الموازنة بسبب «اللغط حولها»، إلى حيث يريدون أن يضعوا الرئيس والتيار في دائرة الانقلاب على الطائف والدستور. والرئيس الذي أقسم على حماية الدستور والذي قال عن الطائف إنه مظلة الميثاق الوطني، في مكان آخر من كل هذا النقاش، ومعه التيار الوطني الحر وجمهور عريض من اللبنانيين المتمسكين بالعيش المشترك والسلم الأهلي ومشروع الدولة وصولاً لدولة مدنية لا طائفية.

لم يكن المطروح للنقاش البقاء تحت سقف الدستور أم لا. فهذا من المسلمات والبديهيات التي لا تقبل النقاش في تيارنا وتكتلنا وجمهورنا وعند رئيسنا ورئيس اللبنانيين جميعاً، ولا كان المطروح تعديل اتفاق الطائف أو دعوة للخروج عليه، بل العكس تماماً، رفض لغة الأمر الواقع في قراءة أحادية للدستور والطائف وإلزام اللبنانيين جميعاً بها دون حق النقاش والتفكير، وما هو مطلوب ليس إلا التفكير الهادئ والنقاش المتوازن، بلغة الوفاق وروحية العيش المشترك.

يجب الاعتراف المتبادل أولاً بين الفريق اللبناني الذي أشرف على تطبيق الطائف منذ ولادته والفريق الذي يمثله رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر والمشارك حديثاً في دولة أساسها الدستور الذي ولد من رحم اتفاق الطائف، أن خللاً في التوازن الوطني في تمثيل الطوائف داخل مؤسسات الدولة من رئاسة الجمهورية إلى مجلس النواب والحكومات المتعاقبة بينهما، قد رافق تلك المرحلة التي انتهت بوصول الرئيس العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية والانتخابات النيابية الأخيرة، ومعهما الحكومة القائمة اليوم، وأن الكثير من الأعراف التي تكرّست في تلك المرحلة الممتدة على عقود ماضية باسم الطائف والدستور تحمل بصمات هذا الخلل، وأن الدعوة لإعادة مناقشتها بمقاييس نصوص الدستور وتفاهمات الطائف ليست انقلاباً على الدستور والطائف ولا هي روح عنصرية طائفية، ولا تهديد للسلم الأهلي.

عندما يطلب رئيس الجمهورية من مجلس النواب تفسير المادة 95 من الدستور فهو لا يفعل سوى إعلان الدعوة للاحتكام للدستور ومن خلفه اتفاق الطائف في قضية خلافية حول فهم كيفية التعامل مع مباريات مجلس الخدمة المدنيّة للمتقدّمين للوظيفة العامة ما دون الفئة الأولى، ولأن التفسير الذي تكرّر على مسامع اللبنانيين طوال عقود يقول بإلغاء أي معيار للتوازنات الطائفية فيها، فهم يصدقون ذلك وينظرون سلفاً لأي دعوة للنقاش كأنها من خارج نص الدستور والطائف.

تعالوا إلى النص نحتكم وننهي الأمر، وهذا المجلس النيابي الأكثر تمثيلاً وتوازناً هو المؤهل دستورياً لهذه المهمة.

هذا هو النص:

«المادة 95

……

أ -….

ب- تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الإختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الإختصاص والكفاءة».

أي قراءة متمعّنة وهادئة وبعقل بارد ستقول إن معيارين وضعهما النص، تمّ استعمالهما في حالتي وظائف الفئة الأولى وما دون الفئة الأولى، وهما معيار الكفاءة والتوازن الوطني أو ما أسماه الدستور بمقتضيات الوفاق الوطني، ففي وظائف الفئة الأولى تكون الوظائف مناصفة أي قائمة أصلاً على المعيار الطائفي لكن مع التقيد بمعيار الكفاءة، وما دون الفئة الأولى تلغى قاعدة التمثيل الطائفي وتعتمد الكفاءة، لكن وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني.

النقاش المطلوب هو لتحديد، كيف نضمن الكفاءة مع المناصفة في الفئة الأولى مع إلغاء المباراة كقاعدة؟ وكيف نضمن مقتضيات الوفاق الوطني، أي التوازن الوطني بين الطوائف، مع المباريات في ما دون الفئة الأولى وإلغاء قاعدة التمثيل الطائفي؟

هل من تعبير عن مقتضيات الوفاق الوطني أكثر من احتجاج تيار سياسي يمثل أكبر كتلة نيابية في مجلس النواب ويشكل الجهة الأوسع تمثيلاً بين أبناء مكوّن يفترض أنه نصف معادلة مقتضيات الوفاق الوطني، وميثاق العيش المشترك؟

الخلاصة هي كما أن اعتماد المناصفة في الفئة الأولى لا يجوز أن يجلب لنا أسوأ ما لدى الطوائف، ولا بد أن يبقى للكفاءة مكان، كما قال الدستور، فإن إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي يجب أن لا يجلب لنا أحادية أو شبه أحادية طائفية وأن يُبقي للتوازن الوطني بين الطوائف ومقتضيات الوفاق الوطني مكان، كما قال الدستور.

نائب السوف في مجلس النواب اللبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى