نسر من نسور الزوبعة حلّق اليوم في سماء الأمّة…
نبيلة زحلان
حسّان علي، أبو الزوابع أو زمزم. ثلاثة أسماءٍ لنسرٍ واحد، لبطل واحد، لإطلالةٍ واحدة، لحضور قائد…
لم أكتسب شرف اللقاء بك كما الكثيرون، ولكنني عرفتك من خلال رفقائك في مسيرة القتال والنضال، عرفتك مما قصَّوه عليّ عن إقدامك الهادئ واندفاعك الدائم وحماستك التي قلّ نظيرها…
لعبتُ دور الصحافي الذي يختار موضوعه ويبدأ رحلة البحث عن المعلومة التي يريد، ادّعيت الجهل عنك وعن عطائك، فسألت بعضاً ممن عرفوك وواكبوا مسيرتك فإذا بالأجوبة تأتي كالسيل العارم محمّلاً بكلمات العز والفخر… كلماتهم، كانت محمّلة بشيء من الحنين والغصّة والفرح في آن معاً. الحنين إلى لقائك والغصة لفراقك والفرح بشرف معرفتك…
قالوا: «لم يعرف زمزم عملاً غير العمل الحزبي الملتزم، واكب مواقع الحزب العسكرية منذ السبعينات إلى يومنا هذا. كان له دور فعّال، مميّز في شعبة الإشارة والاتصالات، كان أستاذاً لذاته ولرفقائه في ما يخص هذا المجال ومجال أجهزة الاتصال… علّم نفسه بنفسه، وأبى أن يحتفظ بما اكتسب لذاته من خبرة ومعرفة، فنقل خبراته ومعرفته إلى أجيال وأجيال.
شارك في معظم المعارك وتحمّل بإيمان جميع الظروف، فوقف تحت الثلج والبرد في صنين ليزرع أجهزة التواصل بين جميع المواقع، من معركة شرين ـ عين التفاحة إلى معركة المصاطب والزعرور والغرفة الفرنسية في صنين. من معارك الكورة التي لم يغمض له جفن فيها على مدى أربعة أيام متواصلة إلى معركة طرابلس. من معركة بحمدون والجبل وصولاً إلى تحريره، من مشغرة إلى إقليم التفاح، ومن معركة تحرير المتن الشمالي وصولاً إلى الأمس القريب في حمص القديمة وصدد وصولاً إلى الزارة. كان زمزم حاضراً في كلّ زمان ومكان، حاضراً قلباً وقالباً من دون كلل أو ملل، حاضراً في الصحة والمرض…
أخبروني، فافتخرت: كنا في الزارة وكان أبو الزوابع حاضراً بيننا كعادته كان يرفض تركنا وحدنا علّنا احتجنا شيئاً، إذا به يسقط أرضاً بسبب حالته الصحية، كان قد نسيَ دواءه ولم يشأ إخبارنا كما انه لم يتناول الطعام لأكثر من ثلاثة أيام… نقلناه إلى المستشفى فإذا به وعلى رغم مرضه وتعبه، يحمل جهازه ليتواصل مع رفقائه. كان يأبى تركنا، يسهر الليل بطوله على الإشارة ويتابع كلّ المواقع بحرص وإيمان. نسيَ نفسه وبيته وعائلته، وعلى رغم ذلك فقد زرع بذرة قوميته الاجتماعية المؤمنة والمخلصة للفكر والعقيدة…
اليوم، يا رفيقي حُملت على أكتاف من رافقوك وعرفوك. اليوم، فارقتنا جسداً وحضرت فخراً وبطولة.
أنهيت رحلة الصحافي وكلي إيمان أنك لبّيت نداء الواجب وأنشأت امبراطورية من الشباب المؤمن المندفع. لم ترضَ سوى حياة الأحرار وحملت الحرية على رغم من ثقلها بنفس كبيرة. غادرت باكراً ولكن رحيلك جاء كما يليق بالأحرار لا كما يليق بالعبيد…
حلّق عالياً أيها النسر فتاريخك لم يسطر بالأماني والنيات بل سُطر بالأفعال والوقائع…
لك المجد والخلود، ولنا من بعدك درب طويل معبد بالتضحيات.