الأميركيون يهزمون الأتراك والسعوديين في اليمن الجنوبي

د. وفيق إبراهيم

التداعيات السياسية للمعارك العسكرية الضخمة التي اندلعت منذ ايام عدة في مدينة عدن في جنوبي اليمن، كشفت عن تراجع كبير للنفوذ السعودي وهزيمة بنيوية لتركيا المختبئة خلف حزب التجمع اليمني التابع للأخوان المسلمين.

تبدأ أهمية هذه المعارك باندلاعها في عدن عاصمة الجنوب اليمني، وأهمّ مدينة ساحلية فيه، تشرف على الملاحة جيئة وذهاباً بين مضيق هرمز وبحر عدن المتفرع نحو باب المندب من جهة والمحيط الهندي من جهة أخرى، لذلك فإنّ السيطرة عليها لها أبعاد يمنية ودولية في آن معاً. ولا يمكن لها أن تكون مستقلة عن النفوذ الأميركي لأنّ دولة الإمارات لا تدخل في نزاعات في وجه النفوذ السعودي إلا في حالتين: إما بتواطؤ معه ضدّ طرف ثالث أو بإيحاء أميركي أو بالاثنين معاً، لكن التأييد الأميركي من الضروريات في كلّ الاحتمالات، خصوصاً لمعارك تنشب على خط التجارة العالمي والممر البحري لـ 18 مليون برميل نفط يومياً.

لذلك فإنّ حرب عدن هي حرب التحالفات الأميركية في اليمن، وبإشرافها لأسباب تحتاج الى التعمق في التفسير وبشكل تدريجي.

أولاً، نجح أنصار الله مع حلفائهم في التحصن في الشمال وجزء من الوسط والجنوب والساحل الغربي، انطلاقاً من بقعة عصية تاريخياً لبسالة أهلها وجغرافيتها الجبلية، وسرعان ما انتقلوا الى اختراق حدود السعودية في جيزان وعسير ومجمل المناطق اليمنية المحتلة من الطرفين السعودي والإماراتي بهجمات برية وطائرات مسيرة وصواريخ مدمرة، بدلت من توازنات القوة وثبتت أنصار الله معادلة يمنية أساسية للزوم مجابهة المستعمر الأميركي والسعودي والاماراتي وليس للقتال مع أطراف داخلية يمنية.

ثانياً: استولد هذا التفوق اليمني في المناطق الشمالية صراعاً بين مكونات الجنوب اليمني على خلفية سعي المحتلين السعودي الإماراتي الاستئثار بالنفوذ، فأمسك ولي العهد السعودي بفريق عبد ربه منصور هادي واعلنوه رئيساً مستمراً لليمن، لكنه بدا ضعيفاً غير وازن، وغافل عن مجريات الصراع الداخلي، حتى ان نائبه علي محسن الأحمر بدا أقوى منه على مستوى التفاعلات الداخلية ويمتلك قوى عسكرية مقبولة.

بالمقابل اسست الإمارات فريقاً يمنياً مواليا لها في الجنوب وأغدقت عليه المساعدات واستغلت بعض النزاعات الانفصالية لقواه فبنت عليها، وطورتها ليصبح مجلساً انتقالياً بقيادة شخصيتين طموحتين وانفصاليتين هما عيدروس الزبيدي وبن بريك أما بن سلمان فاستمرّ بمراهناته على شخصيات تحمل ألقاباً إنما من دون وزن فاعل على الأرض.. ممسكاً بمنصور هادي أسير قصر في الرياض لا يظهر فيه الا عند الحاجة السعودية لاستعماله بإصدار بيان يؤيد فيه حامي الحرمين الشريفين المزعوم وابنه وليّ العهد بمعنى أنه رئيس مجرد من كل أنواع الصلاحيات.

هذا ما دفع بإبن سلمان للبحث عن تدعيم وزن السعودي الضعيف شعبياً في اليمن مكتشفاً أن الإمارات أمسكت بالتيارات الانفصالية ولم يبق الا التيارات الجنوبية المعادية للتقسيم أو حب التجمع اليمني للاصلاح المنتمي للأخوان المسلمين.

إزاء الانسداد الذي جابه السعوديون في الجنوب عكفت المخابرات السعودية على دراسة تحالف فعلي مع أخوان مسلمي اليمن لتعديل موازين القوى الشعبية. وكانت تريد قطع العلاقة بين إصلاح اليمن وأخوان تركيا في حزب العدالة لأن السعودية تناصب الاخوان المسلمين العداء الكامل في العالمين العربي والإسلامي لأسباب أيديولوجية. فالاخوان يرفضون التوريث في الحكم ويريدونه في إطار الشورى. وهذا ما يرفضه آل سعود. لذلك تناصب السعودية تركيا العداء في كل سياساتها باستثناء إدلب فتحرضها هناك للاستمرار في احتلالها لأنها تعتبر الدولة السورية أكثر خطراً عليها من الأخوان.

لقد جذب السعوديون الاصلاح اليمني لاستعمالهم في وجه المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة يمنية شعبية، معتقدين بإمكانية التخلص منهم في مراحل لاحقة. وبالفعل ازدادت فعالية «الاصلاح» في الجنوب اليمني حتى بات منافساً «للانتقالي» ومتطوراً في العديد من المناطق على خلفية رفضه للتفتيت. أي أنه يسعى الى يمن موحد يشكل الاخوان فيه قوة وازنة. ولتمرير مشروعه، بالغ في تأييد عبد ربه منصور هادي لكسب رضا السعودية من دون اقتراف اي خطأ سياسي أي يبيع ولاءاته في الاعلام مثلهما نفوذاً متزايداً في الشارع اليمني. حتى أصبحت رئاسة هادي فارغة معدومة الحيل والقوة، لا يجري استعمالها الا لالتقاط صور لرئيس وهمي، يريد «تشريع» الاحتلال السعودي لليمن، وتغطيته في تحويل اليمن بكامله مستعمرة سعودية.

لقد تواكبت هذه المنافسات السعودية الاماراتية مع مرحلة وصول حربهما مع أنصار الله الى مرحلة التراجع.. فالانسداد المشرف على بدء الهزائم. وكان طبيعياً أن تفكر الامارات بالانسحاب منها خصوصاً بعد نشوب اعتراضات من بعض الأمراء فيها على الاستمرار حتى أن الأمير بن مكتوم منهم قال إن صاروخاً يمنياً واحداً يعطل الاستقرار في دبي وأبو ظبي.

لذلك وضعت الامارات خطة لسحب تدريجي لقواتها من اليمن، إنما على اساس التمسك بمشاريعها السياسية فيه عبر وكلائها المحليين.. ولأن لا يصدف، أن يحدث تحرك عسكري إماراتي من دون الاستئذان المسبق من المعلم الأميركي فيكتشف المراقب بسهولة أن غمزة أميركية خفيفة كانت كافية لبدء حرب عدن التي استفاد منها الأميركيون بإنهاء حزب الإصلاح ببعده التركي الاخواني وانتفع الاماراتيون بتمتين نفوذهم في اليمن الجنوبي دافعين الامور الى مفاوضات جديدة، بدأت بالاعتراف السعودي بتغيّر موازين القوى اليمني وذلك في اللقاء الذي جمع في قصر مِنى السعودي بين آل سعود وآل زايد. إلا ان تقاسم المناطق اليمنية مرجأ الى لقاء جديد في قصر جدة السعودي بين الفريقين السعودي الاماراتي بحضور هادي إذا كان صاحياً والمجلس الانتقالي المستعجل لإعلان دولة اليمن الجنوبي قبل حدوث تبديلات في موازين القوى.

وللمزيد من السخرية، يعلن الزبيدي ولاءه الكامل لهادي مثنياً على الدور السعودي ومنتظراً إعلانه رئيساً لليمن الجنوبي بقرار أميركي. وبذلك تكون تركيا خاسراً كبيراً في معارك اليمن مع منافستها السعودية التي تكتفي بتعويض معنوي لغوي يحفظ لها ملكها في شبه جزيرة العرب. وكيف تنجح في حماية هذا الملك فيما يواصل محمد بن سلمان عروضه الهزلية مع محاولة الاحتماء بالأميركيين والعدو الاسرائيلي وبنحو ستين دولة دعاها للمشاركة في حماية أمن الملاحة في البحار العربية كتغطية لصون عرشه المتداعي في مملكة آل سعود.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى