نصرالله يؤكّد ولا يهدّد: الحرب على لبنان مؤدّاها تدمير إسرائيل … وعلى إيران مؤدّاها اشتعال المنطقة برمّتها

د. عصام نعمان

في الذكرى الـ 13 لانتصار المقاومة في حرب إسرائيل على لبنان سنة 2006، استخلص السيد حسن نصرالله ولخّص فصول الصراع في منطقة غرب آسيا الممتدّة من شرقيّ البحر الأبيض المتوسط الى شماليّ أفغانستان في حقائق خمس:

أولاها، انّ المقاومة روح وإيمان وإرادة حياة وجهاد ومواجهة قبل ان تكون فصائل قتال ونزال، وانها بهذا المعنى أضحت محوراً يضمّ أطرافاً عدّة، متجانسة ومتماسكة، وتتميّز بفعالية سياسية وعسكرية تنبع وتتمدّد من فلسطين المحتلة إلى لبنان وسورية والعراق واليمن، وصولاً إلى إيران.

ثانيتها، انّ العدو الرئيس الداهم للمقاومة، بما هي محور متماسك أو أطراف متمايزة، هو أميركا الامبراطورية التوسعية والعدوانية، وانّ إسرائيل مجرد أداة طيّعة في يدها وبأمرها.

ثالثتها، انّ حرب إسرائيل العدوانية على لبنان والمقاومة سنة 2006 كانت بأمر من أميركا، غايتها إقامة شرق أوسط جديد على حساب شعوب المنطقة وحقوقها ومصالحها ومرتجياتها، وانّ هذه الحرب توقفت ليس بسبب ضغوط غربية او عربية بل بسبب فشل الهجوم الصهيوأميركي على نحوٍ كانت تداعياته لو استمرّ تتسبّب بكوارث هائلة لـِ إسرائيل ، بشراً وحجراً وعمراناً واقتصاداً.

رابعتها، انّ أيّ حرب تشنّها إسرائيل على لبنان سيكون مؤداها تدمير الكيان الصهيوني، ذلك انّ قدرات المقاومة تضاعفت 500 مرة عمّا كانت عليه سنة 2006 لدرجة أنه بات في مقدورها تدمير كلّ ما يمكن ان تقذفه إسرائيل الى ميدان القتال من فِرق وكتائب وقوات نخبة، وانّ عملية التدمير الساحقة ستكون على الهواء ومتلفزة ليكون في مقدور الإسرائيليين والعالم أجمع مشاهدتها ومتابعتها.

خامستها، انّ ايّ حربٍ تشنّها أميركا و إسرائيل على إيران سيكون مؤداها اشتعال منطقة غرب آسيا برمتها وبالتالي تدمير أميركا وحلفائها محليّاً في المنطقة، وان الحاكمين في واشنطن وتل أبيب يعرفون هذه الحقيقة ويقدّرون أبعادها وتداعياتها وأضرارها الكارثية، وانهم نتيجةَ ذلك كله يتردّدون في شنِّ حربٍ عسكرية على إيران ويستعيضون عنها بـ حربٍ ناعمة قوامها الحصار والعقوبات الاقتصادية والفتن الطائفية.

يتفرّع من هذه الحقائق للصراع المحتدم في المنطقة مواقف ومقاربات متعددة تخدم أهداف محور المقاومة في تصدّيه الفاعل لأميركا الامبراطورية وأداتها الصهيونية.

لعلّ أهم هذه المواقف إلتزام أطراف محور المقاومة عدم اللجوء الى الحرب في تصدّيهم المتواصل والفاعل للعدو الصهيوأميركي إلاّ في حال الدفاع عن النفس. في هذا السياق، تركّز أطراف محور المقاومة على مقاربات ثلاث:

الأولى، بناء القدرات على جميع المستويات، لا سيما العسكرية منها، وتوخّي الإبداع في هذا المضمار. إيران تمتلك، مثلاً، عدداً من الصواريخ الباليستية بعيدة المدى لا تصل الى إسرائيل فحسب بل الى أوروبا أيضا الأمر الذي يضع قواعد أميركا في غرب آسيا وما يتعدّاها شرقاً وغرباً في مرمى صواريخها المدمّرة. حزب الله بات يمتلك معامل تصنيع للصواريخ، ولديه من الصواريخ الدقيقة ما يمكّنه من تدمير منطقة غوش دان الممتدة بين تل أبيب يافا وحيفا حيث يحتشد أكثر من نصف عدد السكان اليهود في الكيان الصهيوني، وتتركّز فيها المعامل والصناعات الثقيلة والمطارات والموانئ وطرق المواصلات والمرافق الحيوية. فصائل المقاومة في قطاع غزة واليمن أصبح في مقدورها تصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة المتعددة الأغراض.

الثانية، القيام بعمليات ذات طابع عملاني وإعلامي بالغ التأثير كإسقاط طائرة التجسّس الأميركية المتطورة في مضيق هرمز، وإعطاب ناقلتي نفط في ميناء الفجيرة، واحتجاز ناقلة نفط بريطانية رداً على احتجاز ناقلة نفط في جبل طارق تعمل لحساب إيران. وإعلان حزب الله عزمه على تدمير منشآت إسرائيل النفطية في البحر المتوسط في حال إقدامها على منع لبنان من استثمار مكامن النفط والغاز البحرية في المنطقة عينها.

الثالثة، الحرص على تمتين الجبهة الداخلية في الأقطار العربية وإيران لمنع الخصوم من استغلال واقعها التعددي لافتعال فتن طائفية وحروب أهلية وذلك باعتماد سياسة الوحدة الوطنية والتوصل الى صيغ للشراكة والمشاركة في السلطة لكفالة الأمن والاستقرار.

في ضوء هذه الحقائق والمقاربات يبدو السيد حسن نصرالله جدّياً وجاداً في دعوته الى منع أميركا وأداتها الصهيونية من شنّ الحرب على أطراف محور المقاومة. وعليه، ومع التحفظ حيال تصرفات حكومتي أميركا و إسرائيل العدوانيتين، يمكن استشراف وضع المنطقة في المستقبل المنظور بأنه مزيد من الشيء نفسـه على محورين:

ثمة مواظبة عدوانية صهيوأميركية شديدة في قطاع غزة وسورية والعراق واليمن وإيران، وبشراسة محسوبة ضدّ لبنان، مع ميل الى تقليص العدوان تدريجياً على اليمن، والى ضبط التحرّش بإيران، والى تنظيم التعاون بين أميركا وتركيا لإضعاف سورية في محاولة فاضحة، لكن متعثرة، لتقسيمها.

ثمة مواظبة محسوبة وجدّية ومتواصلة لبناء القدرات على مختلف المستويات في دول محور المقاومة وأطرافها، والحرص على التصدّي الفاعل بوسائل متعدّدة عالية المردود لأميركا الامبراطورية وأداتها الصهونية في سياق استراتيجية يُراد لها ان تتنامى وتتكامل لإجلاء أميركا ونفوذها من منطقة غرب آسيا.

… الصراع حامٍ وطويل.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى