فيديل كاسترو في ذكرى ميلاده

يكتبها الياس عشي

طرابلس، من قبلُ، قارورة من ماء الورد،

وذاكرة تختزن الأيام المجيدة،

ورايات ممشوقة القدّ، عالية النبرة، مرسومة بالأزرقين لتبقى هي، ونبقى نحن، ويبقى الشارع الطرابلسي المحروس بقبضات أبنائه.

هذه الطرابلس الوفية لذاكرتها تحتفي اليوم بميلاد فيديل كاسترو القائد الفذّ الذي شغل الطغاة خمسين عاماً، وخربط حياتهم، وقلب المقاييس، وحوّل كوبا من جزيرة إلى قارةٍ.

شكراً لطرابلس، وللرابطة الثقافية، وقد أعادتانا إلى دائرة الضوء.

أعزائي المشاركين في هذا التكريم

في دقائق لا تتعدّى أصابع اليدين يطلب منك أن تخترع كلمات جميلة، أنيقة، شفافة، وشاعرية،

كلمات تليق بقامة رجل اسمه فيديل كاسترو عاش تسعين عاماً حافلة بالتحدي والفروسية، ملاحقاً حيناً، سجيناً حيناً آخر، ثم رئيساً صلباً، عنيداً، مقاوماً لأعتى قوّة في العالم اسمها الولايات المتحدة الأميركية، وقد خرجت لتوّها من حرب كونية مفتوحةَ الشهية لمصادرة حريات الشعوب، وابتلاعها.

فيديل كاسترو، ككلّ أحرار العالم، كان يردّد، ويحفظ على ظهر قلبه معادلة تقول: «السجن ليس مخيفاً. كذلك الموت. هما فاصلة بين جملتين، فاصلة في سياق النصّ».

وشبّ كاسترو في ظلّ هذه المعادلة، وما مرّت سنوات حتى بدأ يتعرّف على تلك الفواصل في سياق النص:

رآها نبلاً في أفواه الجائعين،

ورآها وشماً على سواعد أقنان الأرض،

وتصوّرها صفراء في عيون أجيال أغضبتها المفارقات العنصرية، وأسواق النخاسة، والصرّاف الآلي، وردهات البورصة، وعنجهية أصحاب المصارف والغرف المغلقة.

ولم يتعب.. تعقّب كلّ الفواصل المذبوحة بين كفر قاسم، ودير ياسين، وقانا، فيما كان بعض أصحاب العباءات يضعون النقاط الأولى لعملية تطبيع لن تكون أبداً.

أذهلنا كاسترو

زرع في حدقاتنا إرادة النسور،

أخرجنا من سنّ المراهقة قبل الأوان، صرنا رجالاً وما تخطينا العشرين،

صار «خليج الخنازير» حكاية من أسمار الليل ترويها الجدّة لأحفادها، ويتغرغر بها الصغار والكبار، وبها يبدأ تقويمٌ آخرُ على روزنامة الانتصارات الكبيرة.

أيها الأعزاء

إذا كان الشاعر كما قال أفلاطون «يمتطي مركبة فخمة، يجرّها حصانان هما العاطفة والخيال، ويقودها حوذي حكيم هو العقل»، إذا قبلنا بهذا التحديد لهوية الشاعر، فلا عجب أن نتخيّل كاسترو شاعراً مبدعاً، يحمل بندقية في يد، وفي الأخرى يحمل غيتاراً، وعلى إيقاعه يزغرد:

«يا رفقائي الطيبين،

يا أصدقائي المسحوقين

المقاتل يمكن أن يموت، لكن فكرته تبقى خالدة»

وفي مكان آخر:

«الأفكار ليست بحاجة إلى سلاح، إذا حظيت بدعم الناس».

فيديل كاسترو المحتفى به اليوم في ذكرى ولادته، تليق به طوباويّة الوفاء لما آمن به، وسعى لتحقيقه، في أن يصبح الرغيف مشاعاً، وأن تغلق بيوت الجائعين، وأن يتهاوى شياطين المال، وأن تصادر زوارق الموت وتغلق أسواق النخاسة إلى الأبد.

ومن أجل كلّ ذلك أطلق مقولته الشهيرة:

– بدأت الثورة ومعي اثنان وثمانون شخصاً، ولو اضطررت لتكرار ذلك لاكتفيت بعشرة أشخاص، عشرةِ أشخاص وإيمانٍ مطلق.

الإيمانَ الإيمانَ تلك هي الحكاية،

كلّ الحكاية.

وشكراً لكم حضوركم.

نص الكلمة التي ألقاها رئيس المركز الثقافي القومي الكاتب الياس عشي، من على منبر الرابطة الثقافية في طرابلس احتفاءً بذكرى ولادة فيديل كاسترو.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى