تعيينات الدستوري تُسقط فرضية إحياء 14 آذار وتُعيد الاصطفاف إلى ما قبل قبرشمون تراجع هجوم وزير العمل على العمالة الفلسطينية… تظاهرات لـ القومي … ولجنة حكوميّة
كتب المحرّر السياسيّ
بدأت نتائج الصمود الإيراني في وجه العقوبات وتفوّقها في حرب الناقلات ونتائج التقدم السوري في حرب الشمال تفرض في مجموعها الإيقاع السياسي للأحداث الإقليمية، حيث بدا أن المحادثات الإيرانية الفرنسية والروسية الفرنسية قد نجحت في إطلاق مسار سياسي جدي ليست واشنطن بعيدة عنه رغم صراخ رئيسها دونالد ترامب، لكن كل ما يجري يبدو كمخرج من بلوغ المواجهة الأشدّ سخونة التي تؤكد واشنطن عزمها على تفاديها، وهي تصرخ بلسان وزير خارجيتها لكي يوقف الآخرون ناقلة النفط الإيرانية، لكن دون أن تحرك أساطيلها لفعل ذلك، لأن الثمن سيكون باهظاً كما هددتها بذلك إيران، وعلى إيقاع نتائج شهرين من التجاذب الساخن على كل جبهات الخليج النفطية والعسكرية وصولاً لحرب الناقلات، انطلقت مبادرة الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون بالسعي لبلورة حل متوازن للنزاع حول الملف النووي الإيراني، وهو ما يبدو أنه قد تحوّل مبادرة تطالب إيران بإعلان عزمها البقاء ضمن الاتفاق والاستعداد للتفاوض مع شركائها في الاتفاق حول طمأنة الهواجس تجاه برنامجها الصاروخي والملفات الإقليمية الساخنة. وفيما أكد وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف عزم إيران البقاء ضمن الاتفاق لأنه يحقق مصالح إيران، قال إن طهران ستتعامل إيجاباً مع مبادرة الرئيس ماكرون. وهي المبادرة التي كانت موضع بحث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
بالتوازي كانت سورية وهي تواصل حصار معاقل الجماعات الإرهابية في ريف حماة الشمالي، خصوصاً مورك واللطامنة وكفرزيتا، تنجح بمحاصرة الرهانات الفاشلة لحكومة الرئيس التركي رجب أردوغان، التي خذلت شهوراً من المهل الممنوحة لها من روسيا للقيام بموجباتها وفقاً لاتفاق سوتشي، لتكشف وقائع الميدان السوري حجم تورط الجيش والاستخبارات التركية مع الجماعات الإرهابية، وتسقط المصداقية التركية في وحل هزيمة خان شيخون، ما دفع بوزارة الخارجية السورية إلى تحذير الحكومة التركية من أن مسؤولية ما سيجري في إدلب بسبب مواصلة أنقرة للسياسات ذاتها، بينما يظنّ القادة الأتراك أنهم قادرون على إقناع أحد بعد تجربة السنة الماضية بأنهم جهة صالحة للتفاهم حول مقتضيات الحل السياسي القائم على مواجهة الإرهاب.
لبنانياً، شكل انعقاد مجلس الوزراء في بيت الدين إعلاناً لعودة الحياة الحكومية بعد طول انقطاع، لكنها ليست عودة عادية، فبالرغم من طغيان حمى التوقعات المتصلة بالتصنيفات الائتمانية، بدت الحكومة برئيسها ووزير ماليتها إلى أن لا شيء مقلقاً سيحدث، وتفرّغت للتعيينات التي كان أبرزها استحكمال تعيين أعضاء المجلس الدستوري، التي أسفرت عن خيبة حزب القوات اللبنانية بتمرير مرشحه، وسط موقف عبّر عنه تصويت فريق رئيس الحكومة إلى جانب مرشح التيار الوطني الحر، مؤكداً السقوط النهائي لفرضيات عودة الحياة لفريق 14 آذار، حيث صوّت الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المردة مع القوات، ولم يصوّت وزراء حركة أمل وفقاً لتمنيات القوات، ما أكد عودة الاصطفاف إلى ما قبل قبرشمون.
لبنانياً أيضاً، تراجع قرار وزير العمل الذي استهدف العمالة الفلسطينية وهدّد بإشعال فتنة على أبواب المخيّمات الفلسطينية، وبفتح أبواب تهجير الفلسطينيين ضمن سياق ما ترسمه لهم صفقة القرن بين التوطين والتهجير، فقد قرّرت الحكومة تشكيل لجنة برئاسة رئيسها لدراسة الملف، وهو ما وعد به رئيس الحكومة أثناء مناقشة الموازنة، وتعذّر بسبب تعطل الحكومة بعد حادث قبرشمون، بينما كان أول تضامن لبناني حزبي شعبي في الشارع يحاصر مكاتب وزارة العمل عبر تظاهرة طالبية وشبابية حاشدة نظمها الحزب السوري القومي الإجتماعي وتخللتها كلمات منددة بقرار الوزير ورفعت خلالها دعوات للتراجع عن القرار الذي يستهدف الوجود الفلسطيني في لبنان.
«القوات» خارج «الدستوري» وتتوعّد!
تمكّن مجلس الوزراء من تجاوز قطوع قبرشمون بنجاحه بعقد جلسة ثانية بعد حادثة البساتين والأولى في بيت الدين لما لعقدها في الجبل من رمزية سياسية. ونجح المجلس في تمرير ملف تعيينات المجلس الدستوري بسلاسلة رغم بعض الاعتراضات، وعين بالتصويت خمسة أعضاء ليكتمل بذلك أعضاء المجلس بعدما عين المجلس النيابي خسمة آخرين في وقت سابق، والأعضاء هم الدكتور عمر حمزة، الدكتور فوزات خليل فرحات، المحامي الياس بو عيد، المحامي الياس مشرقاني والنقيب عبد الله الشامي.
وقد حملت الجلسة في طياتها اشارات سياسية عدة، فهي الجلسة الأولى في بيت الدين والثانية بعد تعطيل عمل الحكومة لمدة 40 يوماً نتيجة حادثة قبرشمون، وبالتالي تثبيت الفصل في الملف بين المسارين القضائي والسياسي المتمثل بالمصالحة بين الحزبين الاشتراكي والديمقراطي وبين عمل مجلس الوزراء. كما يأتي اجتماع الحكومة عقب عودة رئيسها سعد الحريري من واشنطن ما يعني تثبيت التسوية الرئاسية، علماً أنّ الحريري لم يُطلع المجلس على نتائج زيارته الى واشنطن، بحسب معلومات «البناء»، ولم يثير أيّ من الوزراء المسألة وطالب الحريري بعدم الإسراف في التحليل حول التصنيف قائلاً: «عملنا اللي علينا مع الأميركان، والوضع ليس خطيراً».
وسادت جلسة بيت الدين أجواء هادئة ولم يُسجل أيّ سجال بين التيار الوطني الحر والحزب الاشتراكي ولا سلام أو كلام بين رئيس التيار جبران باسيل من جهة والوزيرين أكرم شهيّب ووائل أبو فاعور من جهة أخرى، بل تناغم في الموقف البيئي بين باسيل وأبو فاعور حول البند المتعلق بالتسوية عن مبالغ محكومة لآل فتوش، حيث استند باسيل في مطالعته الى رأي الاشتراكي داعياً الى التحقيق بتورّط بعض قضاة مجلس شورى الدولة في القضية، فيما حصل سجال بين شهيب والوزير صالح الغريب حول الملف نفسه.
أما تعيينات الدستوري، فإضافة الى أنها أكدت التفاهم بين الرئيس عون وباسيل من جهة والحريري من جهة، فإنها شكلت بمثابة عقاب للقوات اللبنانية التي صعدت موقفها ضدّ العهد ورئيس الجمهورية بتموضعها الى جانب رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط عقب حادثة قبرشمون، فهي باتت الآن خارج الدستوري وربما تستبعد من تعيينات مقبلة! ما دفع بوزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان الى الاعتراض على طريقة التعيين وآليته، بقوله «لم تطرح علينا الأسماء مسبقاً» معبّراً عن أسفه لعدم وجود أخلاقية في السياسة. هذا ما يؤشر الى تراجع دور القوات على المستوى الحكومي وبالتالي السياسي بعد فشل رهانها على خطوة ينفذها جنبلاط بقلب الطاولة على العهد وسقوط الحكومة وبالتالي سقوط التسوية السياسية.
وفيما تردّد أنّ القوات ستعلن موقفاً تصعيدياً إزاء هذا التهميش، وصف نائب القوات السابق أنطوان زهرا ما حصل بالصدمة، وأنّ القوات تعرّضت مرة جديدة للخديعة لحساب باسيل، وأشار مهدّداً إلى أنّ «الضربة التي لا تقتل تقوّي ونبارك لباسيل تعطيل الدولة واستدراج باقي الأفرقاء لإعطائه ما يشاء»، وأضاف: «بسيطة نلتقي في محطات أخرى مع رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري»، وكشف أنّ «مرشح «القوات» سعيد مالك ليس قواتياً وإنما يحظى بدعمها». واعتبر زهرا في حديثٍ لـ «ام تي في» أنّ «باسيل أصبح متمكّناً بسبب «حزب الله» ودعم رئيس الجمهورية ميشال عون له»، وقال: «باسيل أصبح يسيّر أمور البلد واجتماعات الحكومة».
وكان وزراء حركة أمل صوّتوا لصالح مرشح التيار الوطني الحر وليس لمرشح القوات الذي حصل على صوت الاشتراكي، ما رأت فيه مصادر التيار الوطني الحر تأكيداً على تطور العلاقة بين التيار وحركة أمل.
علماً أنّ مصادر التيار الوطني الحر نفت لـ «البناء» أن يكون استبعاد القوات من الدستوري مردّه الى مؤامرة أو خطة عقابية مدبّرة، موضحة أنّ الأمر خضع للعبة الديمقراطية والتصويت من كلّ الأطراف. وتساءلت المصادر: كيف تطالب القوات بحصة وهي تتحدث عن اختيار القضاة وفق الكفاءة؟ وأكدت أنّ «التفاهم بين الحريري وباسيل لم يتوقف يوماً لمصلحة الاقتصاد والبلد، لكن القوات دائماً تظهر أنّ حقوقها مهضومة ومهمّشة ونحترم رأيها، لكن لن تؤثر تهديداتها على القرار الحكومي ومسار الخطط لإنقاذ البلد»، ودعت المصادر القوات الى الاتعاظ وإعادة حساباتها الوطنية والسياسية وعدم الانجرار الى رهانات خارجية أو داخلية»، وأكدت أن العهد حقق إنجازات هامة ومتعدّدة والآن عاد ليقلع من جديد بعد التعطيل نتيجة حادثة البساتين ولن يتوقف بل مستمر بتحقيق الإصلاح ومكافحة الفساد والنهوض الاقتصادي».
أما على خط العلاقة بين المختارة وميرنا الشالوحي، فبعد الترحيب الاشتراكي بباسيل في الجبل ومشاركته في جلسة الحكومة في بيت الدين، أشارت مصادر تكتل لبنان القوي لـ»البناء» الى أن لا عداوة بيننا وبين الاشتراكي، بل خلاف بوجهات النظر السياسية، ولا مانع لدينا بأي خطوة تقاربية مع الاشتراكي، لأننا نعتبر أي خلاف على الأرض يؤدي الى تهديد السلم الأهلي وبالتالي الاجتماعي ويؤثر سلباً على الاقتصاد».
الاعتراض على التعيين لم يأتِ من القواتيين فقط، بل من تيار المردة، حيث وصف وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس ، التعيين بـ»المحاصصة »، وأشار الى أنه «لم يحصل اجتماع ولا مرة بين باسيل والحريري إلا والمحاصصة ثالثهما».
«نكسة» القوات لم تقتصر على مسألة الدستوري بل في بند ضمّ لبنان الى «اليونيفيل»، حيث طلبت القوات إضافة فقرة تقول بحصرية السلاح بيد الدولة فاعترض الوزير محمود قماطي وطلب إضافة عبارة «وثلاثية الجيش والشعب والمقاومة» فضحك الوزراء، فتدخل الحريري طالباً الإبقاء على العبارة كما هي.
ووافق مجلس الوزراء على مشاركة لبنان في قوات حفظ السلام بشكل رمزي، بحسب طلب وزارة الدفاع إلا أن القرار شابه الغموض واللغط بسبب حالة العداء بين لبنان والعدو الإسرائيلي، وأشار النائب اللواء جميل السيد في تصريح إلى أن «ثمة خطأ جسيم في القرار، فلبنان وجيشه في حالة عداء مع إسرائيل واليونيفيل قوات محايدة بين لبنان وإسرائيل»، مشيراً الى أن «ضباط وجنود جيشنا، ولو رمزياً تحت راية اليونيفيل، ملزمون أن يكونوا محايدين»، متسائلاً: «كيف عدو من جهة ومحايد من جهة؟، صحّحوها».
كما تم نزع ملف العمالة الفلسطينية من يد وزير القوات كميل أبو سليمان ووضعه في مجلس الوزراء عبر لجنة شُكلت برئاسة الحريري وعضوية الوزراء أبو سليمان وقماطي وسليم جريصاتي وفنيانوس وشهيب لدراسة الملف بكامله.
على صعيد العلاقة بين حزب الله والاشتراكي أكد النائب السابق غازي العريضي من عين التينة، حيث التقى الرئيس بري موفداً من جنبلاط، أن «الامور ستأخذ مجراها الطبيعي ويجب أن نعود الى الحوار والى مناقشة كل الأمور بروح المسؤولية الوطنية اضافةً الى ما في تاريخ هذه العلاقة من نقاط مشتركة وجهد وعمل ونتائج استثنائية تحققت على المستوى الوطني العام على مدى سنوات طويلة ونأمل أن تنفرج الأمور على هذا الصعيد قريباً وأن تعود الى التواصل المباشر بيننا وبين الأخوة في حزب الله».
بدورها، نوّهت كتلة الوفاء للمقاومة «بالجهود واللقاءات التي أثمرت عودة الى ممارسة الحياة السياسية في البلاد وإزالة هواجس الفلتان والفوضى وعدم الاستقرار واستئناف مجلس الوزراء لجلساته بشكل اعتيادي»، مشددة على ان «الحوار المستدام في الداخل عبر مختلف الأطر والأشكال، من شأنه ان يعالج كل نقاط الاختناق، خصوصاً بين الأطراف المشاركين ضمن الحكومة التي تدير أمور العباد والبلاد».
وفيما كان متوقعاً أن يصدر تقرير ستاندرد اند بورز اليوم توقعت اوساط اقتصادية عدم صدور اي تقرير عن المؤسسة وتأجيله الى ما بعد إقرار موازنة العام 2020، اي نهاية العام الجاري. وقد طلب الحريري من الوزراء، في مستهلّ الجلسة عدم الاسترسال في الحديث عن المسألة. أما وزير المال علي حسن خليل، فأكد أنّ كل كلام غير دقيق عن تخفيض تصنيف لبنان الائتماني مضرّ. وقال من بيت الدين: «مسألة تصنيف لبنان مرتبطة بمصلحة الدولة ويجب أن يكون التعاطي معها تعاطياً مسؤولاً».
ورداً على سؤال عن تصنيف لبنان، قال وزير الدفاع الياس بو صعب: «تفاءلوا بالخير تجدوه».
وأشارت معلومات إلى مفاجأة ايجابية تمثل باتجاه الوكالة إلى الإبقاء على التصنيف الحالي للبنان، أي على مستوى -B، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الأسواق المالية.
وفي سياق ذلك، طلبت وزارة الاقتصاد من المواطنين الذين يدفعون فرق سعر الدولار بالنسبة لليرة اللبنانية فوق 1513.58 ل.ل. الاتصال بالخط الساخن «1739» والإبلاغ عن اي مؤسسة او محال تجارية لا تراعي سعر الصرف الرسمي.
الى ذلك، وصل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الى لبنان مساء أمس، في زيارة لا تتعدى 24 ساعة على ان يلتقي اليوم الرؤساء الثلاثة ثم ينتقل الى قصر بسترس لعقد جلسة محادثات مع نظيره جبران باسيل الذي يقيم على شرفه مأدبة غداء تكريمية.