لهذه الأسباب تشنّ الولايات المتحدة الأميركية الحرب الاقتصادية على فنزويلا…
إبراهيم ياسين
لا تزال فنزويلا تواجه الضغوط والإملاءات الأميركية الهادفة إلى إخضاعها للتبعية الإستعمارية، التي تحقق أهداف الولايات المتحدة الأميركية في إعادة السيطرة من قبل الشركات الأميركية على الثروات النفطية والمعادن الثمينة التي تحوز عليها البلاد.
من المعروف أن الرئيس الراحل هوغو تشافيز قد نجح في الوصول إلى السلطة عام 1999، وأحدث تغييرات سياسية واقتصادية على مستوى نظام الحكم في البلاد، أدّت إلى تحرير فنزويلا من التبعية للولايات المتحدة الأميركية على المستويين السياسي والاقتصادي، حيث جرى تأميم شركات النفط والمعادن وغيرها من الشركات الأجنبية، لا سيّما الأميركية منها، واستعادة هذه الثروات لتكون تحت سلطة الدولة و تعود عائداتها لتعزيز إقتصاد البلاد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وانتشال أبناء الريف من حالة التخلف والفقر والحرمان، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية تم تحقيق الاستقلال الوطني بتحرير فنزويلا من التبعية للسياسات الأميركية التي كانت تتحكم بسياساتها الخارجية والداخلية، وبالتالي وضع الرئيس تشافيز سياسة جديدة تعزز دور فنزويلا التحرّري من الهيمنة الأميركية، والداعم والمساند لقوى التحرر في العالم، ولدول أميركا اللاتينية التي ترفض هذه الهيمنة، وجعل من فنزويلا سنداً قوياً للمقاومة العربية ضدّ الاحتلال الصهيوني، وقد ظهر ذلك جلياً وواضحاً من خلال وقوفه إلى جانب المقاومة اللبنانية في مواجهة العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006، وفي نُصرة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في مواجهة الاعتداءات الصهيونية وعدوانيتها في الحصار الجائر المفروض على القطاع. كما تجلى دور فنزويلا أيضا،ً في مساندة سورية في حربها ضدّ قوى الإرهاب التكفيري المدعوم أميركياً وصهيونياً.
هذه السياسة التي انتهجها الرئيس تشافيز والمستمرة اليوم مع الرئيس نيكولاس مادورو، أثارت سخط وغضب الإدارة الأميركية التي ازداد قلقها من تراجع نفوذها في أميركا اللاتينية على خلفية انضمام العديد من الدول في المنطقة إلى سلوك تشافيز، وانتهاج سياسات مستقلة سياسياً واقتصادياً بعيداً عن التبعية للولايات المتحدة الأميركية، وقد أدركت واشنطن بأن فنزويلا وبسبب ما تملكه من ثروات نفطية هامة، لعبت دوراً أساسياً في تشجيع هذه الدول على هذا النهج الاستقلالي عبر دعمها بالنفط والغاز اللذين تحتاج إليهما.
كما أن قلق واشنطن أخذ بالتصاعد أيضاً بفعل التوجه «البولفاري» الثوري للرئيس تشافيز وحزبه الاشتراكي، القائم على إقامة منظومة تحرّرية تضم دول أميركا اللاتينية في البحر الكاريبي، الأمر الذي يعني إقصاء النفوذ الاستعماري للولايات المتحدة الأميركية في هذه المنطقة.
إنطلاقاً مما سبق ذكره، وضعت الإدارة الأميركية استراتيجية لتغيير أنظمة الحكم التي خرجت عن الهيمنة الأميركية، وذلك عبر تمويل ودعم القوى اليمينية المرتبطة بها، والمتضررة من السياسات التحررية للأنظمة في هذه الدول، وكذلك تقديم الدعم لوسائل الإعلام المختلفة التلفزيونية والإلكترونية والمطبوعات على شتى أنواعها، لشن حملة ممنهجة بهدف التأثير على الرأي العام، ودفعه إلى التمرّد على هذه الأنظمة والمطالبة بتغييرها.
كما عملت على استمالة قيادات عسكرية في جيوش هذه الدول لتنظيم الإنقلابات فيها.
هذه الأدوات مجتمعة استخدمت في البرازيل ضدّ حُكم الرئيسة اليسارية «ديلما روسيف» الرافضة للهيمنة الأميركية، وتغيير نظام الحكم لمصلحة القوى اليمينية ورجال الأعمال، وإعادة تشكيل نظام تابع للأميركيين. وهم الآن يستخدمون هذه الأسلحة ضدَّ نظام الحزب الاشتراكي الفنزويلي برئاسة الرئيس نيكولاس مادورو، حيث دعموا القوى اليمينية للقيام بالانقلاب ضدّ الرئيس مادورو، ومارسوا سياسة الترهيب والترغيب لدفع الجيش إلى تأييد الانقلاب، فيما تمّ شن حملة إعلامية وسياسية منظمة لتشويه صورة الرئيس مادورو لدى جموع الفنزويليين، إلّا أنّ كلّ هذه المحاولات قد باءت بالفشل حتى الآن، ولهذا لجأت واشنطن إلى فرض حصار مُحْكم على فنزويلا في البحر والبر في أعقاب فشل التحريض ضدَّ الحكومة من جرّاء التخريب الذي أقدمت عليه واشنطن، وأدى إلى تعطيل شبكة الكهرباء، وتعطيل شبكات المواصلات والمياه نتيجة إنقطاع التيار الكهربائي.
ويبدو من الواضح أن حكومة الرئيس مادورو نجحت في إحباط كل الخطط الأميركية لضرب الاستقرار وإثارة الاضطرابات وتأليب غالبية الفنزويليين ضدّها. لكنّ هذا لا يعني بأنّ المعركة قد انتهت فهي تزداد شراسة بفعل استمرار الحصار الاقتصادي الذي تنفذه واشنطن ضدّ فنزويلا وشعبها، مُراهنةً على إحداث شرخاً بين الرئيس مادورو والغالبية الشعبية التي تدعمه، وكذلك تُراهن على إحداث تغيير في موقف الجيش إزاء دعمه للرئيس مادورو.
وفي مواجهة هذه الحرب الأميركية المستمرة، تعتمد فنزويلا على صمود الشعب من جهة، ودعم حلفائها في العالم من جهة ثانية، لا سيّما روسيا الاتحادية والصين، اللتان سارعتا إلى تقديم الدعم للشعب الفنزويلي بإرسال الطائرات المحمّلة بالمساعدات الإنسانية والأدوية التي يحتاجها المرضى في المستشفيات.
لكنّ هذه العوامل التي تعتمد عليها فنزويلا في مواجهة هذه الحرب الأميركية، تتطلب أيضاً من الحكومة والحزب الاشتراكي خطة شاملة ومتكاملة للمواجهة، تضع حداً للاختراقات الداخلية من قبل القوى الرجعية المتصالحة مع الأعداء، وأن تلجأ إلى سياسة تنموية اقتصادية لسدّ حاجات فنزويلا من المواد الغذائية، إلى جانب العمل سريعاً بالتعاون مع الحلفاء لا سيّما «كوبا و الصين و روسيا»، لإقامة معامل لتصنيع وإنتاج الدواء، وبالتالي توفير احتياجات فنزويلا الأساسية للاعتماد على قدراتها الذاتية، بما يمكّن الشعب الفنزويلي من الاستمرار بالصمود ودعم حكومته ضدّ الضغوط والتدخلات الأميركية الهادفة إلى إعادة إخضاع فنزويلا للهيمنة والسيطرة الأميركية.
… فنزويلا السلام يليق بك وبشعبك وبمن تتمثلين.