قادة الاحتلال للاستنفار والاحتماء من الضربة … وترحيل الرعايا الغربيّين عون يدعو لمجلس الدفاع: العدوان إعلان حرب وسنمارس حقاً في حماية بلدنا

كتب المحرّر السياسيّ

كانت علامات التعب البادية على وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقابل الحيوية التي تتدفق في ملامح الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون، وهما يتشاركان الاجتماعات ذاتها في قمة السبعة الكبار المنعقدة في فرنسا، كافية لمعرفة الوضع الصعب الذي تمر به خططه وسياساته التي انتهجت التصعيد بوجه إيران وباتت بحاجة للسلم الفرنسي اليوم للنزول عن الشجرة التي تسلقتها بوهم القدرة على فرض الترهيب على القيادة الإيرانية وجرها لتفاوض من موقع الضعف.

كانت كلمات ترامب متلعثمة وهو يفتش عن مفردات لا تفقده صورة القويّ ولا تضع المبادرة الفرنسية التفاوضية في وضع صعب، تعبيراً عن سقوط الرهان على خضوع إيران ووصول المغامرة الحربية إلى طريق مسدود وبلوغ العقوبات، رغم التباهي بتأثيرها، حدوداً لا تفيد في مزيد من الانتظار الطويل، بينما إيران والحلفاء يراكمون في رصيدهم المزيد من الوقائع التي تظهر مركز التفوق الاستراتيجي من سورية إلى اليمن إلى فلسطين وصولاً إلى لبنان واستعداداً في العراق، لذلك كان المؤتمر الصحافي المشترك للرئيسين الأميركي والفرنسي بنهاية أعمال قمّة السبعة الكبار والإعلان عن فتح المسار التفاوضي مع إيران والأمل بتتويجه بقمة ثلاثية تجمع الرئيسين ترامب وماكرون بالرئيس الإيراني حسن روحاني، اختصاراً لمشهد التوازن الاستراتيجي الذي فرضته إيران بوجه سياسة العقوبات والرهانات الأميركية، وفيما بدت واشنطن جاهزة للتفاوض المباشر برعاية فرنسية ووفقاً للشروط التي تضمنتها المبادرة الفرنسية بعد التشاور مع إيران مطولاً، بقيت إيران على تريثها رغم إبداء الاستعداد المبدئي لقبول أي تفاوض من موقع ندي وبلا شروط تمس السيادة الإيرانية، خصوصاً البرنامج الصاروخي الذي اعتبره ترامب أحد بنود التفاوض.

التطورات على المسار الأميركي الإيراني أوضحت أبعاد التصعيد الإسرائيلي لاستباق أي تطورات سياسية تنهي التوترات في المنطقة بمحاولة فرض قواعد اشتباك جديدة تمنح حرية الحركة لطائراته المسيّرة في أعمال القتل والاستهداف، طالما بات واضحاً على كل جبهات الاشتباك أن التفكير بالحرب فوق قدرة المحور الذي تقوده واشنطن وتنتمي إليه تل ابيب. وبدت المقاومة واثقة من قدرتها على الرد على العدوان من جهة، ومن جهة مقابلة على فرض قواعد الاشتباك الجديدة التي كشف عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لجهة منع الطائرات المسيرة الإسرائيلية من انتهاك الأجواء اللبنانية مبشّراً باستحضار سلاح الدفاع الجوي للمقاومة إلى معادلات الاشتباك، وفيما بدا جيش الاحتلال في حال عصبية هستيرية حائراً بين زيادة الحشود وتخفيضها، وبين إعلان الاستنفار والخشية من انتظار طويل يتسبب بالإرهاق فالتعب فيعقبه الرد، بدأت السفارات الغربية بإجلاء رعاياها من كيان الاحتلال، بينما بدت الجبهة الداخلية اللبنانية متماسكة ومطمئنة للمقاومة، فرغم بعض التعليقات الكيدية، بقي الجو السياسي العام مريحاً تصدّره موقف لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون رفع سقف المواجهة إلى حد اعبتار العدوان الإسرائيلي إعلان حرب يمنح لبنان الحق بالمواجهة. وكان موقف رئيس الحكومة داعياً للضغط على قادة الاحتلال لترجمة الدعوات لضبط النفس، لأن لبنان هو المعتدى عليه. وفي هذا السياق جاءت دعوة رئيس الجمهورية بعد التشاور مع رئيس الحكومة لعقد المجلس الأعلى للدفاع تعبيراً عن تقدير موقف رسمي لخطورة العدوان الإسرائيلي بمثابة تغطية لبنانية رسمية لرد المقاومة على العدوان.

بقي خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى التحرير الثاني والعدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، محور المواقف والحركة السياسية الداخلية، وسط حال من الترقب والانتظار في كيان العدو الصهيوني لردّ المقاومة وطبيعته وزمانه ومكانه ومستواه ونتائجه وتداعياته هل ستبقى محصورة في دائرة معينة أم ستتطوّر الى حرب شاملة في المنطقة كما حذرت روسيا أمس، على لسان وزارة خارجيتها متخوّفة من اندلاع حرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط بسبب الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على سورية و لبنان ، فيما أعلنت إيران تأييدها الكامل لأي ردة فعل يقوم بها حزب الله ضد الاعتداءات الإسرائيلية.

وبعد بضع ساعات على خطاب السيد نصرالله وفي تحدٍ واضح واستفزاز للمقاومة لاستدراجها للردّ، شن العدو الإسرائيلي عدواناً جديداً على لبنان حيث استهدف بـ 3 غارات مواقع عسكرية للجبهة الشعبية الفلسطينية – القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل في سلسلة جبال لبنان الشرقية المقابلة لجرود بلدة قوسايا، إلا أن مصادر الجبهة نفت وقوع اصابات بشرية وإنما فقط خسائر مادية.

واستبعد خبراء عسكريون اندلاع حرب شاملة في المنطقة لأن لا أحد يريدها ولإدراك جميع اللاعبين بأن اندلاع الحرب بين حزب الله والجيش الإسرائيلي ستنتقل الى الخليج والعكس أيضاً، اضافة الى أن الجبهات باتت جبهة واحدة من فلسطين الى إيران مروراً بلبنان وسورية والعراق واليمن، ويعتبرون أن التحذير الروسي هو رسالة لـ»إسرائيل» واميركا لضبط الوضع وأن استمرار الضربات سيؤدي الى حرب شاملة. ويشير الخبراء لـ»البناء» الى أن «»إسرائيل» تخفي أهدافاً سياسية وعسكرية خلف عملها العسكري. فهي تعمل على استدراج حزب الله للرد على حركتها الجوية لكشف إذا كان يمتلك نظاماً للدفاع الجوي ونوعية صواريخه وكيفية تشغيل النظام لا سيما أن السيد نصرالله لم يكشف يوماً عن هذا الجانب العسكري الأمني الاستراتيجي، ولذلك لن ينجر الحزب الى كشف إحدى أهم اوراق قوته في الحرب المقبلة، لذلك لن يستخدم أي أسلحة نوعية لديه في الوقت الحالي وسيتركها كمفاجآت للحرب المقبلة». وفي هذا السياق يبين الخبراء الاستراتيجيون أن «مراكز الدراسات في «إسرائيل» كشفت معلومات عن امتلاك حزب الله صواريخ ياخونت منصوبة على الشاطئ الجنوبي اللبناني بمقدورها ضرب البواخر الحربية الإسرائيلية ومنصات النفط والغاز والبنى التحتية في فلسطين المحتلة ما يجعل هزيمة «اسرائيل» حتمية في اي حرب مقبلة».

وأوضح الخبير العسكري العميد هشام جابر لـ»البناء» أن «حزب الله سيردّ حتماً على العدوان للحفاظ على قواعد الاشتباك ولتثبيت معادلات الردع التي أرساها خلال السنوات الماضية، وقد يكون الرد بأشكال متعددة منه إسقاط طائرات مسيرة إسرائيلية لكنه لن يرد بصواريخ استراتيجية تُعد كاسرة للتوازن بل بوسائل تقليدية دون كشف النظام الدفاعي الجوي الذي يملكه ويمكن أن يرسل الحزب طائرة مسيرة فوق الأجواء الفلسطينية لضرب اهداف في إسرائيل».

وكان وقع تهديد السيد نصرالله واضحاً على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة التي شهدت هدوءاً حذراً فيما غابت كلياً حركة دوريات جيش الاحتلال الراجلة والمؤللة قبالة قرى منطقة مرجعيون وتمركز جنود الاحتلال داخل مواقعهم المحصّنة على طول الخط الازرق. وفي موازاة ذلك نفذ الجيش اللبناني والقوات الدولية دوريات مشتركة وتمركز البعض الآخر منها قبالة العديسة. كما واصل الطيران الحربي الإسرائيلي خرقه للأجواء البقاعية والجنوبية. كما أطلق العدو 4 قنابل مضيئة فوق موقع تلة الرادار المشرفة على بلدة شبعا أدت الى اشعال حريق في الأحراج المحاذية للسياج الشائك قرب بركة النقار في خراج بلدة شبعا من الجهة المحتلة. وأعلنت القناة العبرية العاشرة في كيان الاحتلال أن السيد نصرالله صادق في تهديداته وأن المستوطنين يأخذونها على محمل الجد ولا يصدقون كلام حكومتهم.

وأكد مدير عام الشؤون الدولية في مجلس الشورى الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ان اعتداءات تل أبیب علی بیروت کانت خطأ کبیراً في حسابات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنیاهو. واشار في تصريح، الى انه «من المتوقع أن یکون الرد صادماً ومزلزلاً، مما لا شك فیه أن الصهاینة سیدفعون ثمناً باهظاً لهجماتهم علی لبنان وسوریة و العراق» . وشدد على ان «المعادلة سوف تتغیر، والحفاظ علی الأمن المستدام هو الخط الأحمر».

كما أكد السفير الإيراني في لبنان محمد جلال فيروزنيا ، خلال حفل تربوي أقامه المعهد العالي للسيد عباس الموسوي في «قاعة تموز» في بعلبك ، أن «الكيان الصهيوني يلعب بالنار في المنطقة، ولكنه سيندم من جراء لعبته الخطيرة هذه. وكلما تقدم الجيش السوري مع حلفائه من جبهة المقاومة في ميادين القتال وألحق هزائم جديدة بالإرهاب التكفيري، ازدادت الاعتداءات الصهيونية على المنطقة. وهذا الأمر إن دل على شيء فهو يدل على أن الإرهاب الصهيوني والإرهاب التكفيري هما وجهان لعملة واحدة ومكملان لبعضهما البعض».

وقال: من المؤكد والمحسوم أن محور المقاومة في لبنان وسورية و فلسطين ، لن يسكت عن هذا العبث الإسرائيلي المتمادي، بل سيرد عليه بشكل حاسم ودقيق لقطع دابر هذه الارتكابات الهمجية».

وشدد على أننا نقف إلى جانب لبنان الشقيق، وندعم المقاومة بكل قوة في لبنان وكل المنطقة في وجه الاعتداءات الإسرائيلية. وقد أثبتت المستجدات الأخيرة أن محور المقاومة أصبح اليوم صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، في مواجهة التهديدات والاعتداءات الأميركية الصهيونية المشتركة، مما يعني أننا قد دخلنا مرحلة جديدة من ترسيخ مكانة محور المقاومة في هذه المنطقة برمتها .

على الصعيد الرسمي تواصل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، وتم التوافق على عقد اجتماع موسّع في القصر الجمهوري في 2 أيلول المقبل. كما دعا الرئيس عون بعد التشاور مع الحريري الى اجتماع للمجلس الاعلى للدفاع في بيت الدين اليوم لبحث المستجدات واتخاذ القرارات المناسبة. وأكد عون أن العدوان هو اعلان حرب على لبنان.

كما التقى الحريري في السراي الحكومي، سفراء وممثلي مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وعرض معهم آخر المستجدات والأوضاع في لبنان والمنطقة.

وخلال الاجتماع، أبلغ الحريري الحاضرين بأنه دعا إلى هذا الاجتماع نظراً لخطورة الموقف، بعد قيام إسرائيل بخرق واضح للسيادة اللبنانية وللقرار 1701، واستهدافها منطقة مدنية مأهولة، دون أي اعتبار للقانون الدولي أو أرواح المدنيين ، وقال: إن الحكومة اللبنانية ترى أنه من المصلحة تفادي أي انزالاق للوضع نحو تصعيد خطير، ولكن هذا يحتاج إلى إثبات المجتمع الدولي رفضه لهذا الخرق الفاضح لسيادتنا وللقرار 1701 .

أضاف: يجب تحميل إسرائيل المسؤولية عن خروقها المتواصلة للقرار 1701 منذ العام 2006، وكذلك يجب أن تحمل مسؤولية الاعتداء الفاضح على ضاحية بيروت، مع علمها المسبق بأن من شأن ذلك تهديد التوازن القائم والذي حافظ على أمن الحدود الدولية منذ 13 عاماً .

ودعت مصادر عبر لـ البناء الحكومة اللبنانية الى عدم الرضوخ للضغوط الاميركية وطلبها بلجم أي ردة فعل لحزب الله على العدوان الإسرائيلي، مشيرة الى أن الحكومة يجب ان تطلب من أميركا لجم إسرائيل وان الحكومة ليس من مهمتها الضغط على المقاومة التي تعتبر حقاً مشروعاً في ظل عجز الدولة والجيش عن الدفاع عن الأجواء اللبنانية .

ومساء أمس، دعا المتحدث باسم الامم المتحدة ستيفان دوجاريك كل الاطراف الى ممارسة «أقصى درجات ضبط النفس» و»تجنب التصعيد والتزام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة». واوضح ان الأمم المتحدة «أخذت علماً» بتصريحات رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون الذي ندد بالهجوم باعتباره «إعلان حرب».

ولم تلحظ الاسواق المالية أي تأثيرات للعدوان الإسرائيلي ولا لتقارير وكالتي التصنيف العالمية بحسب مصادر مصرفية، حيث أكد مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية فادي عسلي في حديث تلفزيوني ان «حركة الاسواق اليوم كانت طبيعية ولم تتأثر بالتصنيف الائتماني والتخفيض الذي حصل من قبل وكالة «فيتش».

والتقى الحريري حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعرض معه الاوضاع المالية، كما التقى رئيس جمعية المصارف الدكتور سليم صفير في السراي الحكومي، وطمأن صفير إلى أن «الوضع الاقتصادي في لبنان مستقر وكذلك الليرة اللبنانية والوضع المصرفي»، ولفت إلى أن «ملاءة المصارف تفوق الـ16 في المئة وبالتالي لم يتغيّر وضع المصارف اللبنانية بنتيجة صدور تقريريّ «ستاندرد أند بورز» و»فيتش»، بل على العكس اعتبرنا أنهما حافز إيجابي للاقتصاد والدولة اللبنانية»، مشدداً على أن «حان الوقت أن تبدأ الدولة بالتفكير في الاقتصاد».

من جهته، أعلن وزير المال علي حسن خليل في حديث تلفزيوني أنه أنجزت موازنة 2020 كاملة وسيقدمها الاسبوع المقبل وأنه مستعدٌ لادخال تعديلات عليها، مشدداً على ان «موازنة الـ2020 يجب ان تتضمن اصلاحات أكثر من موازنة 2019».

وعن المؤتمر الاجتماعي الاقتصادي المزعم عقده، لفت خليل إلى انه أعدّ ملفي بشكل كامل لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم ونأمل ألا يتحول الى عصفٍ فكري ، مؤكداً انه سنكشف النيات لأننا نريد نيات حسنة وارادة وقدرة . وأشار إلى ان «التصنيفات لن تترك أثرا سلبيا على القطاع المصرفي ». ومن جهة أخرى، سأل «اتخذنا قراراً منذ سنة ونصف بشأن تلزيم دير عمار فأين أصبح؟ هل ينتظرون صفقة؟».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى