لا حرب… بل جولة تصعيد لتثبيت الخطوط الحمراء

ناصر قنديل

– كل شيء في المنطقة يقول إن واشنطن لا تملك في تقييم وضعها وإمكاناتها وهوامش حركتها، وكذلك في وضع الحلفاء ومقدراتهم وحجم حرية الحركة التي يملكونها، ما يفتح الباب لخيار الحرب، فخيار الحرب إحراق للسفن إلى اللاعودة في مسيرة تبدأ بطلقة أو بصاروخ، لكنها لن تنتهي إلا بخراب شامل تكون خلاله مصائر دول الخليج والمصالح النفطية ومستقبل كيان الاحتلال والقوات والقواعد الأميركية قد وضعت على بساط البحث، برغم ما تقدمه الحرب من إغراء إيقاع حجم بالغ من الخسائر في محور المقاومة ودوله وقواه ومقدراتها الاقتصادية والعمرانية والسكانية، وما يجري على المسار التفاوضي الذي تقوده فرنسا وأعلن من منصة قمة السبعة الكبار وعلى لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبدا أن إيران تناقش مضمونه دون رفض المبدأ، كما قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، يقول إن المشهد هو نوع من تكرار لما جرى عام 2015، كلما اقتربت ساعات التفاوض الجدي أطلقت واشنطن أيدي حلفائها ليفعلوا ما يحصنهم بوجه المستجدات، ومثلما قامت إسرائيل يومها بعملية القنيطرة، وقامت تركيا باحتلال إدلب، وقامت السعودية بشنّ العدوان على اليمن، تقوم إسرائيل اليوم بمحاولة مشابهة لرسم خطوط حمراء وفرض قواعد اشتباك جديدة. وتحاول تركيا فعل ما أمكن لعدم وقوع الخسائر القاتلة بعد خان شيخون، وتسعى السعودية للحد من مفعول الهزائم، فتفتح حروب الأخوة في جنوب اليمن، ومشروعاً أميركياً تركياً سعودياً للفدراليات من اليمن إلى سورية.

– المقاومة لبنانياً، مرتاحة كثيراً لوضعها الداخلي، في تغطية خياراتها التي أعلنها قائد المقاومة السيد حسن نصرالله. موقف متقدم لرئيس الجمهورية يتحدث عن إعلان حرب وحق مشروع بفعل ما يلزم لصد العدوان، وموقف لرئيس المجلس النيابي سيطلق من منبر الإمام الصدر مؤسس المقاومة يوم السبت المقبل بحجم ما تنتظر بيئة المقاومة، وموقف يستحق الاحترام والتقدير لرئيس الحكومة لاتزانه وتوازنه ووطنيته، يضع العدوان في سياقه المناسب، ويتحدث عن التهدئة بصفتها مطلوبة من الضغوط الدولية على قيادة كيان الاحتلال، فيما بدت القوى السياسية المناوئة للمقاومة حريصة على أولوية إدانة العدوان وعدم أخذ النقاش نحو سلاح المقاومة وقرار السلم والحرب، رغم بعض الأصوات النشاز التي بدت مع بعض الإعلام مجرد صدى لتعليمات السفارة الأميركية.

– جولة التصعيد التي افتتحها قادة كيان الاحتلال تأتي لأنهم يدركون أن اللحظة حرجة وأن لا حرب، بل إن إقفال الملفات المفتوحة يقترب، وعليهم فعل المستحيل ليتم ذلك وقد وضعوا خطوطهم الحمراء ورسموا قواعد الاشتباك التي يستطيعون التعايش معها طويلاً. وهكذا ظهرت هنا المعادلة المحددة بين مشروع إسرائيلي يريد تطوير ما كان بيده من حرية حركة لطائراته المسيرة في شؤون الاستطلاع ليجعلها حرية حركة في ميدان التنفيذ. وبالمقابل مشروع المقاومة الذي وجدها فرصة لرفع سقفه وتكريس معادلة نهاية زمن الطائرات الإسرائيلية المسيّرة في الأجواء اللبنانية، وعلى حافة الهاوية ستدور رحى المواجهة التي ستسفر عن حصيلة قواعد الاشتباك الجديدة، مع الفارق الدائم بين من يقدم على خطواته لأنه يحتاجها وليس واثقاً من قدرته عليها، وبين من يقدم على خطواته لأنها حقه وهو واثق من قدرته عليها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى