هل تستطيع تركيا أن تنشئ المنطقة الآمنة في سورية؟

نبيل أحمد صافية

كثرت الأحاديث منذ عام 2013 عن إنشاء منطقة آمنة على طول الحدود السورية التركية تحت سيطرة الحكومة التركية، ولكن ذلك الأمر قوبل بالرفض لحجج وأسباب عديدة كان من بينها حماية المدنيين الهاربين من آثار الحرب وأعمالها، إلا أنّ الرئيس التركي رجب أردوغان عمل على العودة مراراً إلى هذا الحديث، وخصوصاً بعد قرار الرئيس الأميركي ترامب الانسحاب من سورية ليعمل على ملء الفراغ من الجانب التركي، وتمّ التوافق بين الجانبين الأميركي والتركي مطلع الشهر الحالي حول إنشاء وإقامة تلك المنطقة على امتداد الحدود السورية الشمالية الشرقية، كما تمّ الاتفاق على إنشاء مركز عمليات مشتركة قرب مدينة سانليورفا التركية، وأكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أنّ «المركز سيباشر مهامه خلال أيام»، وذكر أيضاً أنّ «عمق تلك المنطقة سيتراوح بين ثلاثين وأربعين كيلومتراً»، وهو ضعف ما أعلنته أميركا التي ذكرت أنه سيكون بحدود عشرة كيلومترات فقط.

كما صدر بيان من الجانبين الأميركي والتركي في ضوء ذلك الاتفاق، وإنّ تركيا دوما تسعى للادّعاء بوجود وثائق لديها للسيطرة على 15 قرية في محافظة إدلب، وتمّ ذلك الادّعاء أيضاً من أجل جرابلس ومنطقة اعزاز وعفرين وغيرها من مناطق سورية، لتعمل على تغيير الواقع السياسي والاقتصادي والتربوي والبشري لتلك المنطقة، ولعلّ ذلك ما جاء على لسان الرئيس التركي أردوغان في قوله بتاريخ 15/1/2019:

«نعتزم إقامة منطقة آمنة شمال سورية ضمن تدابير حماية الأمن القومي التركي»، وتعدّ تركيا ذلك الأمر تنفيذاً لاتفاقية أضنة وملحقاتها السرية درءاً لتعرّض أمنها القومي للخطر، على حدّ زعمها، وهي تريد قضم مناطق سورية وضمّها لسيطرتها واحتلالها.

كما أشار الجانب الأميركي على لسان الرئيس الأميركي ترامب «سيتمّ إرسال قوة عسكرية لأجل إنشاء المنطقة شمال سورية»، وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز أنّ الرئيس الأميركي قال:

«إنه يرغب في العمل مع تركيا لمعالجة مخاوفها الأمنية شمال شرق سورية، وألا تسيء تركيا معاملة الأكراد أو أيّ جماعات أخرى حاربنا معهم لهزيمة تنظيم الدولة». ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنّ تركيا تعد وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من أميركياً منظمة إرهابية محظورة، وهي تعدّها أيضاً الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، ومن هنا فقد جعلت وجودها تهديداً للأمن القومي التركي، وإنّ الولايات المتحدة الأميركية تعدّ تلك الوحدات حليفتها في حربها ضدّ داعش.

وأعتقد شبه جازم أنّ تلك المنطقة لن يتمّ إنشاؤها، لأنّ الجانب الروسي لن يقبل بها، وقد أكد لافروف وزير الخارجية الروسي أنّ «الجيش السوري هو الذي يجب أن يسيطر على شمال البلاد بعد الانسحاب الأميركي»، كما يرى الجانب الكردي أنّ تلك المنطقة ستشكل احتلالاً تركياً لأراضٍ سورية، ومن هنا سعَوا إلى تقديم بعض العروض للحكومة العربية السورية، من ذلك: تسليم الحدود إلى سورية مقابل قبول إدارة محلية بضمانة روسية لإحداث ملء فراغ بعد الانسحاب الأميركي لقطع الطريق على تدخل تركي مع إمكانية دخول الجيش السوري مناطق الإدارة الذاتية لحمايتها من الاحتلال التركي، وانضواء الأكراد في الجيش السوري. كما أعتقد أنها لن تتمّ لأسباب أخرى، فرغم ما أُعلن عن اتفاق أميركي تركي، فإنّ المصالح الأميركية مع الأكراد تتضارب مع المصالح التركية، وقد ذكر الرئيس الأميركي ترامب قبلاً في 14/1/2019 «سنبدأ انسحابنا المتأخر من سورية، وسندمّر تركيا اقتصادياً إذا قامت بمهاجمة الأكراد»، وبالتالي:

كيف سيتمّ إنشاء تلك المنطقة تبعاً لذلك التضارب والتنازع في المصالح بين الجانبين التركي والأميركي، فأحدهما يريد إخراج الأكراد، وثانيهما يدافع عنهما، فهل ستتمّ إقامة تلك المنطقة إلا في حال التخلي الأميركي عن دعم الجانب الكردي، وهذا بعيد عن الواقع حالياً على الأقلّ.. وروسيا ترفض إقامتها تبعاً للحلف الاستراتيجي الروسي السوري منذ أمد بعيد، ومن المتوقع في حال إقامة المنطقة أن يكون ذلك خطوة لتقسيم سورية، وهذا أيضاً سيشكل ضربة لروسيا في حال تمّ إنشاؤها، وأعتقد أنّ روسيا لن تسمح به، ولا يغيب عن الأذهان أيضاً المصالح المشتركة بين روسيا وتركيا وما يترتب على ذلك في المنطقة، فهل ستستطيع تركيا أن تقوم بإنشاء منطقة آمنة في سورية؟ سنراقب الآتي وما ستحمله الأيام القليلة المقبلة.

عضو المكتب السياسي وعضو القيادة المركزية

في الحزب الديمقراطي السوري وعضو اللجنة الإعلامية لمؤتمر الحوار الوطني في سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى