هل يُلغي مجلس الأمن الدولي تفويضه للسعودية بقتل المدنيين؟
د. وفيق إبراهيم
يتعامل مجلس الأمن الدولي مع اليمن على أساس أنه حديقة خلفية للسعودية، فيفوّضها بإدارته وغزوه وتدميره منذ خمس سنوات تقريباً بقرار منه حاز على إجماع معظم أعضاء مجلس الأمن الدولي.
وعاود في اتفاق السويد «ستوكهولم» في 2018 محاولة إنقاذ الدور السعودي المهزوم في حرب اليمن، بإقرار اتفاقات تحمي له الجزء الأكبر من هيمنته، لكن قبوله لها بالظاهر تواكب مع رفضه في مرحلة التطبيق العملي مفتعلاً اشتباكات وأزمات لا تزال تعطل تنفيذ مراحل هذا الاتفاق لأسباب يزعم مجلس الأمن أنها أمنيّة، في حين أنها سياسية صرفة تخفي إصراراً سعودياً على تعطيل المهام التموينيّة والإغاثية للساحل الغربي بهدف إسقاط دولة اليمن في صنعاء.
ومرّة جديدة يتغافل هذا المجلس عن الحرب المندلعة في جنوب اليمن بين السعودية وتحالفاتها في منظمات الاخوان والقاعدة، وبين دولة الإمارات في تحالفاتها في «المجلس الانتقالي»، فيسقط مئات القتلى وآلاف الجرحى في حرب جديدة مسرحها عدن وشبوه وابين، وهدفها صراع حادّ على النفوذ بين السعودية والإمارات، والضحايا هم بالطبع أهل اليمن.
ماذا يعني هذا القتال؟
العدوان الأساسي على اليمن بدأ بتحالف أسّسته السعودية بتغطية أميركية مع الإمارات وعشرات الدول العربية ومرتزقة من السودان وباكستان ومستشارين من الغرب و»إسرائيل» والقاعدة والاخوان المسلمين استهدف أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي والدولة بجيشها وأمنها والمدنيين في مدى واسع من شمال البلاد ووسطها.
لقد نال هذا العدوان تغطية مجلس الأمن الدولي، لكن صمود تحالف أنصار الله في الميادين أدّى إلى تفجير خلاف على النفوذ بين السعودية والإمارات في منطقة عدن وشبوه وابين تحوّل حرباً طاحنة بين الفريقين لا تزال مستعرة.
ألا تستدعي هذه المستجدّات تدخلاً سريعاً لمجلس الأمن الدولي، يبتدئ بسحب تفويضه للسعودية بحماية ما أسماه الدفاع عن الشرعية في اليمن، وهو بالطبع ادّعاء مزعوم.
فها هي السعودية تفتح حرباً ضدّ حلفائها في جنوب اليمن بما يكشف عن نياتها بالسيطرة الصرفة وليس الدفاع عن الشرعية كما تدّعي، فالذين تقاتلهم في جنوب اليمن هم جزء أساسي من الحرب التي فتحتها على دولة صنعاء منذ 2014.
وهذه فضيحة مدوّية تكشف المطامع الاستعمارية للسعودية في اليمن التي لا يزال يغطيها مجلس الأمن الدولي.
هناك إذاً نقطتان تفضحان مجلس الأمن الدولي: الأولى مراوغاته في تجنّب إدانة السعودية التي تخترع الأسباب للهروب من تطبيق اتفاق ستوكهولم والثانية حربها الجديدة في الجنوب التي لا تشمل التفويض الأساسي التي أوكلها به مجلس الأمن الدولي والمتعلق بمحاربة تحالف صنعاء من أنصار الله والدولة وحزب المؤتمر الشعبي منذ خمس سنوات وهذا يدفع إلى الاستنتاج بأنّ مجلس الأمن الدولي يدعم السعودية مرة جديدة لقتل المدنيين اليمنيين، ويؤيدها بشكل فضائحي في تحالفها منظمات القاعدة والاخوان المسلمين وهذه منظمات موضوعة على لوائح الإرهاب في مجلس الأمن والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.
في المقابل يتجاهل مجلس الأمن الدولي إدانة دور الإمارات في دعم الهجوم العسكري للمجلس الانتقالي في عدن جنوب اليمن، بما يكشف الصراع المكشوف على النفوذ في جنوب اليمن بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان. وهذا يظهر أنّ حرب التحالف السعودي الإماراتي على اليمن في الشمال أولاً والآن في الجنوب ليست إلا حرباً لتفتيت اليمن وتقسيمه الى كانتونات ودوائر نفوذ لثلاثة أطراف: الأميركيون الذين يريدون مصادرة الدور الاستراتيجي لليمن والسعودية التي تريد يمناً ضعيفاً منصاعاً لها، لأنها تخشى نشوء يمن قوي يؤثر عليها محركاً بنيتها الاجتماعية التي يسجنها آل سعود في أنفاق القرون الوسطى بمزاعم دينية.
أما الإمارات فيبدو من خلال دعمها المجلس الانتقالي أنها تطمع بالجزء البحري اليمني في عدن وأنحائها، لأهداف تجارية واقتصادية وسياحية.
فهل هذا ما يريده أعضاء مجلس الأمن الدولي؟
إنّ أعضاء مجلس الأمن الدولي وبالإجماع يتعاملون مع اليمن بالأسلوب الذي يُرضي السعودية، وبالتالي على حساب سلامة اليمنيين على مستوى الشعب والدولة.
فالسعودية دولة اقتصادية وازنة تتحكّم بثروات هائلة من النفط وأخرى من الغاز لم تبدأ باستثمارها، لكنها قد تعادل الغاز الموجود في العالم وحتى أكثر، كما يقول الخبراء، ولديها أهميات سياسية ودينية في العالم، لكنها لا تزال تحتفظ بجزء منه.
للتوضيح، فإنّ الأميركيين هم أولياء أمر السعودية منذ 1945 ويتعاونون معها في كلّ مخططاتهم العربية والإسلامية وكذلك فرنسا وبريطانيا اللتين تلهثان لعقد اتفاقات اقتصادية معها.
لكن ما هو جديد بالنسبة لمجلس الأمن هو الصمت المتواطئ لكلّ من روسيا والصين، فموسكو التي تشكّل الطاقة من النفط والغاز مصدراً يقترب من نصف موازنتها، بما يوضح الأسباب التي تفرض على الروس اعتبار تحديد أسعار الطاقة واستقرارها أفضل بالنسبة إليها من إدانة الحرب السعودية على اليمن، كذلك تجد الصين أنّ صفقاتها في السعودية والخليج والعالم الإسلامي تستلزمُ ابتعادها عن المواقف السياسية. وهذا ما تفعله على مستوى كلّ الأزمات بما فيها الحرب السعودية الهمجية على اليمن.
مجلس الأمن إذاً، في ورطة لأنّ حبيبته الأثيرة السعودية تخالف تفويض 2014 بمحاربة حلفائها في جنوبي اليمن، وترفض تطبيق اتفاق ستوكهولم والاستمرار في قصف المدنيين في الشمال والوسط والتحالف مع المنظمات الإرهابية.
ومثل هذه الاتهامات المثبتة والواضحة تفرض على مجلس الأمن السحب السريع والمباشر لتفويض التحالف السعودي بالحرب على اليمن وإيقاف حرب الجنوب وفرض المفاوضات السياسية بين قوى اليمن حلاً وحيداً للاستقرار اليمني. فهل يذهب هذا المجلس على هذا النحو أو يستمر بالتغافل والصمت؟
يبدو أنّ اليمنيين في دولة صنعاء عازمون على تطبيق قرارات مجلس الأمن بإلحاق هزيمة مدوّية بكلّ من السعودية والإمارات وبأسرع وقت.