سجال عونيّ قواتيّ… وجعجع والسنيورة يلتقيان على الـ 1701… والحريري يردّ
كتب المحرّر السياسيّ
لم يعد التموضع الفرنسي إلى منطقة وسط بين واشنطن وطهران محصوراً بالموقف من الاتفاق النووي الذي تبذل باريس مساعي حثيثة لتحصينه ودفع شركائها الأوروبيين للتعاون معها في تقديم حزمة حوافز مالية لإقناع إيران بالبقاء تحت مظلة الاتفاق. فقد جاءت مواقف الخارجية الفرنسية غداة رد المقاومة في أفيفيم على عدوان جيش الاحتلال على المقاومة في سورية، وانتهاكه للسيادة اللبنانية بعدوان الطائرتين المسيّرتين فوق الضاحية الجنوبية، ليظهر تحولاً نحو موقف بعيد عن اللهجة الأميركية التي أعلنت الوقوف مع جيش الاحتلال واصفة عدوانه بالدفاع عن النفس وحمّلت حزب الله مسؤولية زعزعة الاستقرار في المنطقة، بينما تجاوزت فرنسا كون الاستهداف الذي طال المقاومة وسقط بنتيجته شهيدان من مجاهديها، كما تجاوزت معارضتها لوجود المقاومة في سورية، وتصنيفها للجناح العسكري لحزب الله على لوائح الإرهاب، والأهم أنها تجاوزت كون رد المقاومة جاء في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 وليس في أراضٍ لبنانية معترف بها، لتؤكد وقوفها على مسافة واحدة من المقاومة وكيان الاحتلال بالحديث عن اتصالها المستمر بطرفي النزاع، وبدعوتهما لضبط النفس والابتعاد عن التصعيد. وهذا الموقف الفرنسي الجديد الذي لاقته إيران كما يبدو في منتصف الطريق، تجسّد بالسعي لتأمين اعتماد مالي بقيمة 15 مليار دولار بالتعاون مع بريطانيا وألمانيا تعويضاً عن عائدات مبيع النفط الإيراني المجمّدة في المصارف الأوروبية، وهو ما وصفته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالسعي لإضعاف الجهود الأميركية لفرض شروط الضغط القصوى، كما يسمّيها الرئيس ترامب، وفقاً لما نشرته صحيفة الـ نيويورك تايمز .
على مسار مواز في جبهة المواجهة بين المقاومة وكيان الاحتلال، حصدت المقاومة معنوياً وإعلامياً، تفوقاً بائناً على قادة الكيان وحكومة بنيامين نتنياهو والقيادة العسكرية بعدما تحدّث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مفصلاً الوقائع والمعادلات. وبعدما بثت المقاومة شريطها المصوّر والموثق للعملية، فقد أجمع الإعلام في الكيان على توصيف عملية أفيفيم بالنكبة، وطالت الانتقادات مشهد الثكنة المهجورة مع بقاء عتاد الجنود ما يؤكد حالة هرب وليس مجرد إخلاء، كما تناقلت وسائل الإعلام تحليلات استخدمت تعابير السيد نصرالله عن بيت العنكبوت، وعن معنى الردع باستهداف الأراضي المحتلة عام 48، وعن المقارنات بين الوضع على طرفي الحدود قبل العملية وخلالها وبعدها، وكان موضع سخرية الكلام الذي قاله الناطق بلسان جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي عن مصانع الصواريخ الدقيقة، بعدما واجهته الأسئلة تحت عنوان، دعنا نتحدّث عن أفيفيم، فلم ننته من الموضوع بعد. كما حملت التعليقات على مواقع عديدة سجلت الاستغراب لهروب الإعلام العسكري من الاعتراف بالفشل الذريع والعشوائية والتخبط مقابل الدقة والصدقية والشجاعة والموضوعية في أداء إعلام المقاومة.
لبنانياً، بين السياسة والاقتصاد، حضر السجال بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، بعد حملة رئيس حزب القوات سمير جعجع على اليتار ورئيسه وصولاً لرئيس الجمهورية، وكان لافتاً تلاقي جعجع والرئيس فؤاد السنيورة في التعليق على كلام السيد نصرالله عن سقوط الخطوط الحمراء، بالتساؤل عن سقوط القرار 1701 ما استدعى رداً من رئيس الحكومة سعد الحريري وجّهه لجعجع بتأكيده على نجاح لبنان دبلوماسياً في إحاطة الوضع المتفجّر بنتيجة الانتهاكات الإسرائيلية للقرار 1701، مؤكداً تمسك لبنان به، معتبراً أن مصدر الخطر على القرار يأتي من جانب جيش الاحتلال.
على الصعيد الاقتصادي والمالي بقي النقاش حول طبيعة الإجراءات التي ستتحول إلى قرارات في ضوء مناقشات لقاء بعبدا، دون حسم نهائي في ظل الحديث الغامض عن تسعير البنزين، والضريبة على القيمة المضافة رغم معارضة واسعة لقيها الأمران في اجتماع بعبدا. وقد ورد ذلك بوضوح على لسان كل من رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد وفي مداخلة رئيس المجلس الأعلى للحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان، بينما كان المبعوث الخاص لمؤتمر سيدر يلتقي بوزير المالية مسجلاً دعوته للإسراع بإقرار موازنة 2020 وبالسير بالإصلاحات المنتظرة، خصوصاً في قطاع الكهرباء، وهو ما أكدت عليه ورقة بعبدا المالية، مؤكدا أن مقررات المؤتمر بدعم لبنان قائمة.
تبقى العبرة في تنفيذ ما انتهى إليه حوار بعبدا الاقتصادي، وإن كان التشاؤم يُخيّم على بعض الأوساط المطّلعة بعد أن ذهبت الأمور اقتصادياً ومالياً إلى السراي بإعلان رئيس الحكومة سعد الحريري عقب اجتماع بعبدا اول امس، انه سيترأس لجنة لمتابعة المقررات من دون أن يتمّ الإعلان عن أعضاء اللجنة، هذا فضلاً عن ان الاجتماع نفسه نسف الكثير من البنود التي وردت في ورقة الخبراء والتي تتصل بفرض الضرائب على الفئات المقتدرة وإعادة هيكلة النموذج الاقتصادي ولا تمس بأصحاب الدخل المحدود وأخذت بعين الاعتبار الأوضاع المعيشية الدقيقة والحرجة. وعلى هذا الأساس تلفت المصادر لـ»البناء» إلى أن الورقة الاقتصادية قد تكون بمثابة رسالة لوكالات التصنيف الدولية والمنظمات الدولية خاصة أن لبنان لديه فترة ستة أشهر للمعالجة قبل ان يصنف مفلساً، مشيرة الى ان الجميع بات على عينة من الوضع الخطير الذي يستدعي من الجميع عدم التعطيل، لكن المشكلة تكمن راهناً في التباين على طرق الإصلاح، صحيح أن الجميع يتفق على ضرورة الإصلاحات لكن لا اتفاق بين القوى كافة على اسلوب المعالجة خاصة أن الخطوات العملية تضرب مجدداً جيوب المواطن، لافتة الى ان الانقسام كان واضحاً خلال الحوار حيال الضرائب وذهاب البعض الى القول إن المواطن لا يجوز ان يتحمل عواقب ما ارتكب في الماضي من قبل البعض من فساد وأعمال غير شفافة.
وتقول المصادر إن الإصلاحات لا تكون بفرض الضرائب على الفقراء والطبقة المتوسطة، إنما بضبط المعابر غير الشرعية ومعالجة أزمة الجمارك والأملاك البحرية وقطاع الكهرباء، هذا فضلاً عن أن الاقتصاد يجب أن يكون اقتصاداً منتجاً. ومع ذلك، ترى المصادر أن إعلان الجميع ضرورة اعلان حالة الطوارئ، يبقى من دون جدوى إذا لم يسارع المعنيون الى تنفيذ الخطوات المطلوبة ووضع ما اتفق عليه على سكة التنفيذ.
في المقابل، ترى مصادر تكتل لبنان القوي لـ البناء أن الورقة الاقتصادية، سوف تكون عاملاً مساعداً لكي يستفيد لبنان من مقررات سيدر، خاصة أن الحوار أكد ضرورة البدء باتخاذ التدابير ذات الصلة بإطلاق المشاريع الاستثمارية والإسراع بخطة ماكينزي ، معتبرة أن ما حكي عن ضرائب ورسوم تطال البنزين، لم يحصل فحصل تبنٍّ لما ورد في ورقة الخبراء الاقتصاديين لجهة فرض 15 في المئة tva على الكماليات، في حين ان ما يتصل بسعر صفيحة البنزين خلص الى تحديد سقف أعلى وسقف أدنى لها. ولفتت المصادر إلى إيجابية الاجتماع، معتبرة ان مداخلات القوى السياسية في الداخل كانت موحدة حول ان المشكلة تحتاج الى حلول جذرية وقاسية وأن الجميع مقتنع ان لا مساعدات من المجتمع الدولي اذا لم يبادر لبنان الى تخفيض عجزه وإجراء الإصلاحات.
واعتبر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن اللقاء الذي عُقد في قصر بعبدا مع رؤساء الأحزاب والكتل النيابية، خرج بورقة اقتصادية مالية لمقاربة الأزمة التي يمر بها لبنان حالياً. ولفت الرئيس عون امام زواره، الى ان الاقتراحات التي اقرت لبدء مسيرة النهوض الاقتصادي يجب ان تأخذ طريقها الى التنفيذ، خصوصاً ان المهلة قصيرة ولا تتعدى الستة اشهر ليثبت لبنان قدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية الراهنة، ما يعيد الثقة وينعش الحياة الاقتصادية من جديد.
وسط هذه الأجواء، حط المبعوث الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر بيار دوكان في لبنان، حيث التقى في اليوم الاول لزيارته وزيري المال علي حسن خليل والاقتصاد منصور بطيش، مؤكداً ان هناك سلسلة اصلاحات تم طرحها في سيدر تتعلق بالقطاع العام والجمارك والتهرب الضريبي. وهذه الأمور يجب البحث فيها في مجلس الوزراء في الاسابيع المقبلة . وقال: أثرنا موازنة 2020 والتي يجب ان تقرّ ضمن المهل الدستورية لا في العام 2020 وهذا الأمر إلزامي ليس للمجتمع الدولي بل لمصلحة لبنان، وسيدر لا يزال قائماً ولا سبب لعدم وجوده ونحن ملتزمون على صعيد برنامج استثماري . وأشار دوكان الى ان السرعة مطلوبة في اقرار موازنة 2020 وهناك قرارات يجب ان تؤخذ بسرعة لإقناع المجتمع الدولي واللبنانيين .
واشارت مصادر متابعة للحركة الفرنسية لـ البناء الى ان دوكان كان واضحاً برسائله التي بعث بها الى الحكومة اللبنانية عندما تحدّث عن إصلاحات يجب ان يقرها مجلس الوزراء فضلاً عن اقرار موازنة العام 2020 في موعدها الدستوري، غامزة من قناة ان موفد الرئيس ايمانويل ماكرون ابلغ المعنيين بغير المباشر أن لا أموال من سيدر اذا لم نرى إصلاحات حقيقية، مشيرة الى ان عدداً من الدول المانحة قرر سلوك الطريق نفسه بتجميد كل المبالغ المخصصة لمشاريع سيدر بانتظار أن تتأكد من أن لبنان وضع ما أقره من إصلاحات على سكة التنفيذ.
إلى ذلك، يبحث مجلس الوزراء في جلسته غداً الخميس في السراي الحكومية، جدول أعمال من 41 بنداً، أبرزها عرض وزارة الدفاع الوطني تعليمات حول ترخيص استيراد واستخدام طائرات التحكّم المسيّرة عن بعد غير المصنفة كألعاب، وطلب وزارة التربية والتعليم العالي صرف مساهمة الدولة للمدارس الخاصة المجانية عن العام 2015-2016 بعدما تعذر على التفتيش المركزي إجراء التدقيق في البيانات الإحصائية وتأكيد أعداد التلامذة الذين تستحق عنهم المساهمة المالية للدولة. وبحسب المعلومات لن يطرح بند التعيينات القضائية من خارج جدول الأعمال لأنه لم يتم التوافق على الأسماء بعد.
إلى ذلك وفي سياق موقفه المنسجم الى حد كبير مع حزب الله بعد الاعتداء الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية، أشار رئيس الحكومة سعد الحريري إلى أنّ الدولة اللبنانية استوعبت ديبلوماسياً ما حدث من تطورات في الجنوب منذ قصة المسيّرات وصولاً إلى ردّ حزب الله ، وقال إنّ القرار 1701 لم يسقط ولا يزال موجوداً، والخطوط الحمراء ما زالت موجودة، والمهم هو أن نستمر في تطبيق القرار 1701. ما يهمني هو ما يحصل على الأرض، وهو تطبيق هذا القرار .
واعتبر نائب الأمين العام لـ حزب الله الشيخ نعيم قاسم أن الصورة التي شاهدناها عن قصف الآلية الإسرائيلية من مكانين مختلفين وهي تشتعل بالكامل، تكذّب كل ادعاءات نتيناهو، وتثبت أن المقاومة قادرة على أن تقوم بعمل شجاع في أصعب الظروف وأخطر الأماكن، وأنها تلتزم تنفيذ وعدها لتجعل الإسرائيلي يفهم معنى أن يكون الردع متوازناً . وتابع: في الوقت الذي لا نريد فيه حرباً، لكننا لا نقبل أن يعتدي علينا الإسرائيلي بحجج مختلفة، فإن لكل اعتداء رداً، وعلى الإسرائيلي أن يفهم أننا لن نقبل بتغييره قواعد الاشتباك مهما كانت التهديدات ومهما كانت الأخطار، وما حصل هو أكبر دليل على جدية المقاومة، وجدية حزب الله في إبقاء توازن الردع وقواعد الاشتباك محفوظة في هذه المرحلة.
على خط آخر، يصل الى لبنان منتصف الأسبوع المقبل الوسيط الأميركي الجديد في ملف ترسيم الحدود بين لبنان و إسرائيل السفير ديفيد شينكر في زيارة هي الأولى له للبنان بعد تسلمه الملف من سلفه السفير ديفيد ساترفيلد الذي تم نقله الى مركز دبلوماسي آخر. وسيزور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وكلاً من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري.