الانتخابات الرئاسية التونسية… شخصيات تطمح في الوصول إلى قصر قرطاج
تونس ـ ناديا شحادة
سيكون منتصف شهر أيلول يوماً فاصلاً في تاريخ تونس، في هذا اليوم سينتخب التونسيون رئيسهم وسط توقعات بمعركة انتخابية شديدة السخونة، ومفتوحة أمام كلّ الاحتمالات. انطلق الماراثون نحو قصر قرطاج بين 26 مرشحاً في مشهد نادر في العالم العربي، لتكون ثاني انتخابات ديمقراطية تشهدها تونس بعد الثورة.
معطيات كثيرة تبدّلت منذ العام 2014، الذي شهد أول انتخابات ديمقراطية، لعلّ أبرزها ترشح أكثر من شخصية من العائلة السياسية نفسها، أكان الإسلامية أو الدستورية أو العلمانية، بالتوازي مع دخول مليون و700 ألف ناخب مسجل جديد، أغلبهم من الشباب، ليضيفوا المزيد من الغموض على اتجاهات المشهد، مع استبعاد الحسم من الجولة الأولى في 15 أيلول/ سبتمبر.
من بين المرشحين الـ26 تبرز خمسة أسماء لشخصيات حزبية وأخرى مستقلة تخوض غمار الجولة الأولى، ويُتوقع أن تكون المنافسة الأكبر بينهم… من يوسف الشاهد، إلى عبد الكريم الزبيدي، ومنصف المرزوقي وعبير موسي وصولاً إلى عبد الفتاح مورو، فما هي حظوظ المتنافسين واحتمالات العبور إلى دورة ثانية؟
حظوظ المتنافسين في بلوغ الدور الثاني والمراهنة بجدية حول الرئيس الذي سيخلف الراحل الباجي قائد السبسي. يعتمد في المرحلة الأولى على برامج سياسية وخيارات أيديولوجية لكلّ مترشح يمكن أن تمهّد الطريق لتغييرات سياسية كبيرة مستقبلاً في تونس.
يوسف الشاهد ذو توجهات ليبيرالية، وسياسة وسطية معتدلة، وهو رئيس الحكومة التونسية منذ 27 آب/ أغسطس 2016، رشحه لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية رئيس الجمهورية التونسية الراحل الباجي قائد السبسي، قبل أن ينقلب عليه يوسف الشاهد ويغادر الحزب الذي أسّسه السبسي «نداء تونس»، ويؤسّس لنفسه حزباً جديداً باسم «تحيا تونس» ويترشح لانتخابات الرئاسة 2019، لخلافة صاحب الفضل السياسي عليه الراحل الباجي قائد السبسي.
الشاهد الذي خاض التجربة السياسية من خلال منصب رئاسة الحكومة منذ 3 سنوات أدار خلالها عديد الأزمات واكتسب خبرة بمشاكل تونس، وصرح أنّ مشروعه «لتونس أقوى» هو مشروع براغماتي وواقعي مبنى على دراية بالدولة، وهو ينقسم إلى 10 محاور أساسية و45 تعهّداً، من بينها استقرار البلاد من خلال تعزيز الدفاع الإلكتروني لمقاومة الإرهاب، وضمان كرامة التونسي وأمنه عبر تعزيز شرطة الجوار، وكاميرات المراقبة للتصدي لعمليات النهب والتحرّش، وتعزيز دبلوماسية الحياد الإيجابي والدبلوماسية الاقتصادية كأولوية، وغزو الأسواق الجديدة، وتوحيد التونسيين حول مشروع وطني من خلال تحقيق مصالحة حقيقية خلافاً لما تمّ تحقيقه في تونس خلال السنوات الماضية والذي اعتبره «تصفية حسابات».
الشاهد الذي يحوز رضا الأوروبيين الذين عمل معهم طيلة السنوات الماضية على اتفاقية التبادل الحر المعمّق والشامل ومسائل الهجرة، هل يستمدّ شعبيته من تصريحاته وحملته الانتخابية ومن التجربة السياسية التي خاضها أم ستكون حصيلة الحكومة التي قادها عاملاً معرقلاً لآماله في الوصول الى قصر قرطاج إذ لم تحقق على الميدان وفي واقع التونسيين اليومي ما كانوا يأملونه من تحسّن ولو جزئي في ظروفهم.
أما وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي فدخوله إلى معترك السباق الرئاسي في آخر اللحظات شكل مفاجأة أربكت عدداً من منافسيه، فقد كان معروفاً عن الزبيدي أنه رفض منصب رئيس الحكومة أكثر من مرة وتقدّم باستقالته من منصبه أيضاً، ولم يكن يتوقع أحد دخوله السباق وبقي متردّداً في هذا الخصوص لفترة طويلة قبل أن يقرّر أخيراً دخول الانتخابات لأول مرة في حياته. وفسّر الزبيدي هذا القرار بأنّ الدافع الذي جعله يحسم أمره هو أنّ البلاد تمرّ بمرحلة حساسة من تاريخها، وهو لم يعتد الهرب من أرض المعركة لأنّ في ذلك خيانة لتونس، وهو صراحة متخوّف من أن تسقط تونس بين أيدي المهرّبين والمافيا، وأكد الزبيدي أنه دخل السباق مستقلاً وسيبقى كذلك وهو لم ينتم إلى الأحزاب، ولكنه طبعاً سيتعامل مع كلّ الأحزاب، معتبراً أنّ تونس تحتاج في هذه المرحلة إلى مؤسّسة رئاسية تكون على مسافة واحدة من الجميع وتجمع بين التونسيين وبإمكانها أن تشكل ملجأ للجميع من دون استثناء، خصوصاً وقت الأزمات.
عبد الكريم الزبيدي الذي أشرف على وزارة الدفاع في السنوات الأخيرة بما يجعله يطمئن عموم الناخبين لا سيما من يربط في لاوعيه بين وزارة الدفاع ويد صارمة في تطبيق القوانين والإنقاص من الفوضى التي شاعت في البلاد، والذي يحظى بالقبول لدى الأميركيين والفرنسيين فقد نسّق معهم في الملف الليبي منذ 2011، هل يستطيع الوصول لقصر قرطاج مع غياب حزب مباشر للزبيدي التي تعتبر نقطة ضعف في هذا النظام البرلماني، ومع عدم طرحه لبرنامج واضح ومقنع وعدم إبدائه مواقف صارمة في القضايا الكبيرة التي شغلت البلاد في السنوات الأخيرة، علاوة على ذلك فإنّ الزبيدي يعاني من مشاكل اتصالية كبيرة جعلت منه محلّ تندّر شبكات التواصل الاجتماعي فهو غير قادر على صياغة فكرة واضحة او تركيب جملة سلسة.
وعلى ذات الضفة، يترشح الرئيس السابق المنصف المرزوقي عن حزب «الحراك» رغم أنّ حظوظه تكاد تكون منعدمة للمرور للدورة الثانية، إذ هو من أبرز الخاسرين من تقديم النهضة لمرشح صريح منها، إذ كان يعوّل الرئيس السابق، وعلى غرار 2014، على ما يصفهم بـ «شعب النهضة». يتقدّم المرزوقي بذلك لسباق 2019 في غياب أيّ رافعة حزبية على اعتبار أنّ حزبه ضعيف الانتشار وقد شهد استقالات متتالية لقياداته على مدى السنوات الماضية. المرزوقي الذي غادر قصر قرطاج من الباب الكبير في 2014 مهدّد اليوم أن يغادره من الباب الصغير في 2019 بنسب تصويت ضعيفة، وهو الذي ظلّ طيلة السنوات الخمس الماضية على هامش العملية السياسية وفشل في بناء حزبي ديمقراطي اجتماعي جامع.
المحامية عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر التي تتبنّى الفكر البورقيبي كمرجعية لتصوّراتها السياسة، وتدافع عنه، وهو الفكر الداعي للتحرر والداعم للنظام الجمهوري والمراهن على المرأة التونسية والمعادي لكلّ قوى التطرف. تمتلك كاريزما ومعروفة بقوة شخصيتها ورباطة جأشها وصلابتها في التمسك بمبادئها والدفاع عن قناعاتها وقبولها للتحديات ومجابهتها والتمكّن من اللغة وتحليها بالفطنة والبديهة، وهي خصال تذكر التونسيون بالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، ولعلّ هذا ما ساعدها على كسب تعاطف الأجيال التي عاصرت بورقيبة.
موسي التي أصبحت رقماً أسياسياً في المعادلة التونسية، قالت إنها ستعمل بمجرد وصولها إلى قصر قرطاج على «فتح ملفات الأمن القومي التي زعزعت أمن تونس خلال فترة الترويكا وما بعدها، فضلاً عن ملف شبكات التسفير إلى بؤر التوتر، والتنظيمات السياسية السرية المرتبطة بالاغتيالات السياسية، إضافة إلى تفكيك منظومة الإرهاب التي تغلغلت في تونس، وتطهير الجبال التونسية من الإرهاب»، وأنها لن تتحالف مع الإسلام السياسي مهما حصل، هل تحقق طموحها في الوصول لقصر قرطاج بالرغم من تأكيدها على أنّ لقب محامية التجمع الذي ينعتها به البعض لا يزعجها بل هو فخر بالنسبة لها.
عبد الفتاح مورو هذا المحامي التونسي، والرئيس المؤقت لمجلس نواب الشعب هو من مؤسّسي حركة النهضة الإسلامية. وترشحه مفاجأة بكلّ المقاييس، فحركة النهضة لطالما أعطت إشارات بأنها لن تقدّم مرشحاً من أبنائها، كما أنّ مورو ليس أكثر قيادات الحركة شعبية، فالكثير من القواعد فيها يعتبرون أنه «متحرّر» أكثر من اللازم. يرى بعض المحللين أنّ ترشيح مجلس شورى حركة النهضة لعبد الفتاح مورو هو مناورة لجأت إليها القيادة لعدة أسباب، أولاً إرضاءً لبعض الكوادر والمناصرين الذين اعتبروا أنّ الوقت قد حان لتقديم مرشح من داخل صفوفها، وثانياً لعدم حرق كلّ أوراق الحركة التي بعثرها الموت المبكر للرئيس السابق قائد السبسي. حركة النهضة اختيار المرشح الأكثر قابلية للتطويع. والذي يملك أفضل ما في الجهتين دعم النهضة لأنه ينتمي لها، ودعم من خارج النهضة ممّـن يرون أنه يُشبه التونسيين، بطرافته، ولسانه العربي الأنيق، وجبّته الأصيلة التي لا تفارقه.
مورو المعروف عنه أنه زيتونيّ لكنه قاضٍ، شعبيّ لكنه من النخبة. خطيب جدّي لكنه جليس مازح ومرح. متعصب للعربية لكنه يتحدث الألمانية بطلاقة. كان ينظّم اجتماعات سريّة للطلبة الإسلاميين، لكنه في نفس الوقت درس التمثيل والموسيقى. الرجل جمع من المتضادات، هو الرافد التونسي بين أوجه تسعى للأسلمة بأيّ ثمن. هو تونسيّ لكنه نهضوي أيضاً استقبل في ماض غير بعيد، الداعية المتطرف، وجدي غنيم، هل ينتخبه التونسيون زعيماً لهم ويصل لقصر قرطاج؟
تبقى الاستحقاقات الحالية في تونس استثنائية بكلّ المقاييس، لأنها تضع الشعب أمام تجربة فريدة في المنطقة العربية، يتقدّم فيها الناخبون إلى صناديق الاقتراع من دون أن يكون لهم علم مسبق بما قد تفرزه من نتائج، وهذا في حدّ ذاته إنجاز مهمّ على طريق تأصيل انتقال ديمقراطي حقيقي، يتمّ فيه التداول السلمي على السلطة حتماً عبر صناديق الاقتراع. كما أنها تشكل لحظة اختبارٍ حقيقيٍّ لمدى انتقال تونس من مرحلة «التوافق» و»الإجماع» و»الحلول الوسط»، التي فرضت تقاسماً غير متوازن، وأحياناً غير منطقي للسلطة، أثر سلباً على الأداء الاقتصادي للبلاد، إلى مرحلة وضع الخيارات السياسية الممكنة على المحكّ، لاختبار مدى قدرتها على رفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها تونس اليوم…