ذئاب الإرهاب وداعميهم في سورية… سقوط التحالفات والمراهنات
د. حسن مرهج
تحوّل جوهري في السياق السياسي والعسكري في الشرق الأوسط، هو تحوّل جاء متناغماً مع انتصارات الجيش السوري وحلفائه في الحرب التي شُنّت على سورية، وبهذا الانتصار فقد سقط المشروع الأميركي المُتمثل بالشرق الأوسط الكبير أو الجديد، خاصة أنّ الكثير من الدول الإقليمية كانت نقاط ارتكاز في تمرير هذا المشروع، لكن سورية الموقع والدور المؤثر قد أسقطت المشاريع الإقليمية من بوابة انتصاراتها، فجاءت النتائج مُخالفة لما خططت له الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الغربيون والعرب، وبصورة أوضح، يمكننا القول بأنّ الحرب على سورية لم تبدأ منذ عام 2011، بل بدأت الحرب عليها عقب الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، حينها تزايد الضغط الأميركي على سورية بُغية إنهاكها داخلياً، ومن ثم إقصاء الدور السوري الإقليمي المؤثر، والعمل على وضعه في خدمة السياسية الأميركية.
واشنطن ومن معها اعتقدوا بأنّ الرئيس السوري بشار الأسد سيُقدّم التنازلات لينال الرضى الأميركي، وكلنا يذكر زيارة وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول إلى سورية ولقاءه الرئيس الأسد وقائمة المطالب التي رفض الأسد حتى أن يقرأها، بل هو ازداد تمسكاً بالدور الإقليمي لسورية، وبالثوابت الوطنية والقومية للدولة السورية، والتي تقوم على اعتبار القضية الفلسطينية تمثّل جوهر الصراع العربي الإسرائيلي ، من هنا بات واضحاً أنّ الحرب على سورية وبأدوات إرهابية جسّدت الكثير من الوقائع الرامية لتقسيم سورية، وإخراجها من محورها الإقليمي المقاوم.
ضمن ما سبق من معطيات، فقد حاولت واشنطن توظيف الإرهاب بمختلف تسمياته من جماعات وحركات سلفية، من أجل طمس معالم المجتمع السوري، وصبغه بصبغة طائفية ستؤدّي حُكماً إلى دماء وتقسيم مناطقي ومجتمعي، وقد حظيت هذه الجماعات بدعم أميركي إقليمي مباشر، حتى أنّ واشنطن حاولت مراراً شرعنتها وتحت غطاء أممي، فكانت التحركات الأميركية والإقليمية مكشوفة للجميع، وبالتالي فقد اصطدمت الخطط الأميركي بفيتو عسكري سوري، وسياسي روسي وصيني، ومنع واشنطن وأدواتها من تحويل سورية إلى نُسخة ليبية أو يمنية او عراقية، وعليه ونتيجة الانتصارات السياسية والعسكرية للدولة السورية وحلفائها، فقد تبدّلت وفق ذلك منظومة الاصطفافات والتحالفات، فها هي السعودية تحاصر قطر، وتركيا تُعادي السعودية، وتتعاظم الخلافات بين تركيا وأميركا في قضايا إقليمية ودولية، وحتى واشنطن بدأت التخلي عن الكثير من الفصائل الإرهابية، وكذلك تركيا التي قدّمت كافة أشكال الدعم من سلاح وخدمات لوجستية للفصائل الإرهابية، بدأت ترفع الغطاء عن هذه الفصائل، كلّ هذه المعطيات جاءت ضمن منجزات الجيش السوري وحلفائه، خاصة أنّ هذه الانتصارات شكلت عامل ضغط على محور واشنطن، وبات من الضروري العمل وفق استراتيجيات جديدة، بُغية تحجيم الانتصارات السورية، والتقليل قدر الإمكان من مفاعيلها وتداعياتها.
في أحد أهمّ جوانب الحرب على سورية، فقد حاول الغرب استثمار ملف النازحين واللاجئين السوريين، وقد كشفت الكثير من التقارير عن محاولات أوروبية لتوظيف اللاجئين السوريين في إطار دعائي واقتصادي، في مقابل تهرّب أغلب الدول العربية من تحمّل مسؤولياتها الإنسانية تجاههم، وهي التي ادّعت، منذ بداية الحرب على سورية، أنها تقف إلى جانب الشعب السوري ومطالبه العادلة ، مع العلم بأنّ تدخلات تلك الدول هي من الأسباب الرئيسة التي أدّت إلى اندلاع الحرب في سورية، حتى أنّ الرئيس الأسد قد أدان مواقف الدول الغربية التي تتّسم بالازدواجية حيال قضية النازحين السوريين، والتي تعدّ خسارة كبرى في النتيجة للدولة الوطنية السورية.
وفي سياق التحالفات التي أفرزتها الحرب على سورية، برز تحالف قديم جديد، لكن بات تموضعه الجيوسياسي نافذاً ومؤثراً وفاعلاً ومؤطراً للسياسيات الأميركية في المنطقة، فالتحالف السوري الروسي الإيراني، قد أسهم في بلورة رؤية جديدة للشرق الأوسط، هي رؤية باتت روسيا من خلالها قطباً موازياً للقطب الأميركي، وكذلك إيران باتت قوة إقليمية مؤثرة، أما سورية فقد باتت نقطة التحوّلات وبيضة القبان في أيّ توازنات اقليمية ودولية، هذا الأمر أصاب السياسة الخارجية الأميركية بالصدمة والرعب، وهذا ما أجبرها عن التخلي عن ذئابها الإرهابية في سورية، كما أجبرها على تعديل سياستها تجاه الملف السوري كاملاً، لكن ورغم ذلك فلا تزال واشنطن وأدواتها الإقليمية يحاولون بشتى الوسائل الممكنة إفراغ الانتصار السوري من محتواه الكارثي على واشنطن وأدواتها.
في النتيجة، قد تطول أسس الحلّ السياسي في سورية، لكن الثابت أنّ الدولة السورية وجيشها قد حسموا الكثير من المعطيات والوقائع، وباتت كلّ المسارات المرتبطة بالحرب على سورية، وكذلك المسارات الاقليمية والدولية بيد سورية وجيشها، طال الزمن أم قصر، فالنتيجة بأنّ سورية انتصرت شاء من شاء وأبى من أبى.