مسرحية «طميمة»… عرض واقعي إنسانيّ يلامس الحقيقة بعيداً عن الاختباء

لورا محمود

تطرح أسئلة عميقة بإطار واقعي يشبه ما نعيشه في سورية حباً لوطن يعيش فينا بتفاصيله الجميلة وغربة في وطنٍ هو نفسه أصبحنا فيه نبحث عن أرواحنا التائهة بين الحاضر والماضي. غربة تثير الفوضى في الحواس والمشاعر وحيرة بين ما نريده وما هو متاح.

مسرحية «طميمة» على مسرح القباني تضعك أمام لحظة حقيقة لا مجال فيها للاختباء وراء الوهم ولا وراء الأقنعة ولا وراء الأصابع. فهي واضحة كالحياة بما فيها من خيانات وانكشافات تجعلنا أمام خيارات تختلط فيها المفاهيم والمبادئ ربما، هي مسرحية تطرح أسئلة ليس بالضرورة أن نجد الإجابة دائماً، فهكذا هو المسرح وهكذا هي مسرحية «طميمة» فيها ما فيها من رسائل مجتمعية عن الحبّ والغربة والخيانة والخوف ومخلّفات الحرب بكل ما أفرزته من وصوليين وأصحاب ثروات تكاثرت بين ليلة وضحاها وظلماً ويأساً وإحباطاً لشباب ضاعت أحلامه بين ساحات الحرب وفي بحار المستحيل.

وبعد العرض التقت «البناء» مع مخرج المسرحية عروة العربي الذي قال إن المسرح بالنسبة لي هو عشق وحبّ وأسعى وأطمح دائماً لإقامة العروض بشكل دائم. وفي هذا الوقت أقول إنه ليس من الضروري أن أقيم عرضاً بقدر ما هو ضروري ماذا سأقدّم من خلال هذا العرض وماذا سأخبر الجمهور الذي يأتي كي يشاهد العرض، والحمد لله بعد أربع سنوات وجدت نصّاً جيداً وجميلاً أعتقد ومن خلال مشاهدتي للجمهور بأنه حقّق معادلة حقيقية، وهي معادلة جماهيرية فنّية، لأنه و للأسف العروض المسرحية التي تعرض إما تكون عروضاً فنّية موجّهة لنخبة من المثقفين أو عرضاً جماهيرياً مبتذلاً موجهاً للجمهور الذي يرغب برؤية أي شيء في هذا الزمن.

وأضاف العربي: نحن نقدّم عرض حكاية فيه تشويق ومتعة وفيه كلام ثقيل نوعاً ما، ونكشف من خلاله بعضاً من الحقائق، والجمهور استطاع أن يقبل هذا الكلام، فهو ينتظر حدث في المسرحية ممسكاً بكل خيوط القصة. فالجمهور طوال العرض ينتظر خروج ليلى المختبئة في الخزانة ونحن استغلينا هذا الوضع واستطعنا أن نخبرهم بحقائق هي أهم بكثير من فكرة الخزانة. وبصراحة بعد هذا النصّ الممتع وبعد عرض مسرحية طميمة بدأت بالتفكير ماذا سأقدم جديداً للجمهور، وأتصوّر بأنني من الممكن أن أنتظر لسنوات عدة حتى أجد نصّاً قادراً أن أقدم من خلاله شيئاً للناس وأن ألامسهم وأن أبقيهم بالمسرح، بالرغم من الحرارة المرتفعة بسبب إطفائنا أجهزة التكييف التي تؤثر على صوت الممثلين، فالعرض جذب الحضور حتى الذي قرّر المشاهدة ولم يحصل على مقعد، لذا علينا أن نعود إلى عرض الحكاية لأن الجمهور بحاجة له، والحمد لله إحساسي كان صادقاً وفي محله. وهذا ما أستنتجته من خلال متابعتي للجمهور خلال أيام العرض المتتالية.

وبدورها مسؤولة المؤثرات الصوتية في المسرحية حنان سارة قالت لـ»البناء» إن مسرحية «طميمة» هي عمل واقعي، لذا لم يكن هناك حضور للموسيقى بقدر حضورها في الأعمال الدرامية، وبالتالي كان البديل عنها المؤثرات الصوتية التي كان عليّ تقديمها بطريقة تقرّب المشاهد إلى الواقع المطروح في العرض. والعناصر التي استخدمتها في هذا المجال حاولت أن أستغلها في المكان عبر استخدام تقنيات تجعل الجمهور يسمع الأجواء من قلب الغرفة وليس من الصالة، وحاولت أن أقدم الكثير من التفاصيل مثل فتح الباب ونقط الماء المتساقطة من سطح الغرفة، وصوت المطر المنهمر، وحتى رنات الهواتف النقالة للممثلين.

وأضافت سارة: صحيح أن أول ما يلتقطه المشاهد هو الصورة، ولكن الصوت مهم جداً لتثبيت الصورة والتأثير على المشاهد، فالمطر كان يمثل الصراع بين الشخصيات، بمعنى عندما كان يشتدّ انهمار المطر أكثر كان الصراع يشتدّ بين الشخصيات أكثر وهكذا.

والتقت «البناء» مع ممثلي مسرحية «طميمة» كفاح الخوص الذي تحدّث عن ضرورة أن نقول الحقيقة ونتمسّك بالصدق خاصة في هذه الفترة التي نمرّ بها والتي تشهد مرحلة تغييب للحقائق. وهنا علينا أن نقول الحقيقة للناس ولا نختبئ خلف إصبعنا. الحرب لم تصنع يوماً حضارة. الفنّ هو مَن يصنع الحضارة، اليوم أتمنى على كل الشباب من الممثلين بأن يقتربوا من خشبة المسرح ويفكروا في المشاركة به ويكونوا حقيقيين خاصة المسرح الواقعي لا يختلف عن حياتنا بحقيقتها.

وعن شخصية طارق في المسرحية أشار الخوص إلى أنّها المرة الأولى التي يلعب شخصية فيها بعداً نفسياً عالي المستوى، وفيها مجهود عالٍ حيث تتكشّف أمامها كل الحقائق إضافة الى ظروف المسرح الصعبة، لكن الحمد لله أنني وفقت بهذا العرض.

أما يزن الخليل قال: هناك عوامل عدة جذبته في النصّ أكثرها الظرف الذي وضعت فيه الشخصية. فهي من أصعب الظروف التي مررتُ بها في حياتي وشخصيتي في المسرحية. شخصية متعبة جداً إلا أنني احبّ هذا النوع، أحبّ الشخصية التي تحتاج مني الى البحث لأصل اليها لكن بقدر التعب الموجود في الدور بقدر ما هو ممتع وأتمنى أن يكون هذا الجهد قد أثمر بما هو مطلوب من الشخصية.

وعن التعامل مع المخرج عروة العربي لفت الخليل إلى أن هذا النوع من العروض يحتاج لمخرج ذكي وعلاقته مع الحياة قوية جداً وعروة كذلك فهو تصدى لهذا النوع من النصوص ببطولة.

أما عن الممثلين والتعامل في ما بينهم بشكل عام، قال الخليل وكانت هناك شراكة جميلة شكلنا فيها ورشة تمثيل لأن العرض بالأساس قائم على فكرة التمثيل، لذا كان العمل ممتعاً جداً مع الجميع.

بدورها مرح حجاز التي مثلت شخصية نايا في المسرحية، قالت: إن شخصية نايا تشكّل قلباً للأحداث بدخولها، لأنها دخلت بشكل مفاجئ فنايا تمثل فئة معينة من المجتمع فهي فتاة مظلومة وظالمة في آن واحد ظلمت نفسها وظلمت مَن معها، وهذا ما جذبني في الشخصية فهي تشبه الواقع.

وتحدثت الممثلة مرح حسن «ليلى» في المسرحية التي أدّت الشخصية الحاضرة الغائبة والتي تخلق صراعاً على الخشبة بالرغم من عدم وجودها واختبائها في خزانة الملابس ومن خلال شخصية ليلي تنكشف كل الأقنعة. فكلّ الشخصيات تصبح واضحة للجميع، فبالرغم من غيابها إلا أن تأثيرها قوي وتشكّل محور المسرحية.

وأضافت حس: العمل المسرحي الواقعي من أصعب المدارس، لأن المشاهد يشعر أننا لا نمثّل على الخشبة بل نحن ناس حقيقيون وهو موجود معنا في الغرفة التي تحصل فيها كل أحداث المسرحية والتجربة بالنسبة لي مهمة خاصة أنها الأولى بعد التخرّج فأنا أمثل أمام أساتذتي الذين درّسوني في المعهد العالي للفنون المسرحية.

يذكر أن المسرحية من كتابة شادي كيوان، إخراج عروة العربي، تمثيل كفاح الخوص، يزن الخليل، كرم شعراني، مرح حسن ومرح حجاز، إضاءة ادهم سفر وديكور محمد كامل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى