«رجل من الماضي.. مائة عام في الفضاء» كسر للروتين السرديّ في الرواية!

مهى عبدالكريم هسي

«رجل من الماضي.. مائة عام في الفضاء» عنوان رواية للكاتب الفلسطيني «رياض حلايقة» الصادرة عن دار دجلة. فكم نحتاج في عصرنا هذا إلى التخلي عن كل شيء، عن جزء من أرواحنا في عالمنا الواقعي ولو للحظة ونذهب في رحلة ممتدّة لحقبات زمنية أخرى تسبقنا، أو نحلق في عوالم موازية حيث يمكننا وضع قوانيننا الخاصة، وبناء عالمنا كما نريد. فكما يقول دستويفسكي: «إن رهافة البنيان النفسي تشجع في المرء أحياناً بعض الميل إلى أفكار عجيبة، فعلى قدر نمو النفس يكون الاستسلام إلى جموح الخيال».

لقد كسر «حلايقة» الروتين المعتمد في كتابة الرواية الشرقية ليوصلنا بخياله إلى أميركا، فنعيش أحداثاً بوليسيّة مع «جو مارتن ويلسون» الذي انتقل مع النازحين بسبب الحرب الأهلية إلى إحدى الغابات لإنشاء مدينة جديدة أطلقوا عليها اسم «نيوفلج» بعد أن ساهم «نورمان» صديق البطل بالتمويل والتجهيز والإدارة وسنّ القوانين. اختُطِف «جو» وأجرت مخلوقات فضائيّة تجارب علمية عليه وترك خلفه «ليزا» زوجته التي انتظرته وماتت دون أن تراه وابنه «جورج»، وابنته «سارة» التي اضطرت إلى تحمّل مسؤولية المزرعة التي كان يعمل فيها، فعاد بعد مئة عام إلى بلدته في رحلة بحث عن أهله، لكن الجميع كذبوا أقاويله باستثناء «سوزي» الصحافية التي تعاطفت معه، إلا أن المخلوقات الفضائية لم تنته تجاربها هنا، فقد حاولت نقل ذاكرة البطل «جو» «بعد موته وتحنيطه إلى شاب جامعي – هو حفيد البطل – يُدعى «سام»، الذي تُرك في مستشفى للأمراض النفسية حيث أجريت التجارب عليه من قبل الفضائيين، فامتلك ذاكرة «جو».

«رجل من الماضي…» رواية من الخيال العلمي اعتمد فيها الراوي السرد بضمير الغائب مما أتاح له رسم صورة للأحداث بشظاياها وجوانبها المختلفة حتى يكون المتلقي في حالة من الاشتباك والتصديق للنص المسرود. جاء السرد سلساً وعفويًّا وبسيط التركيب، يدور في مسارين زمانيين، أحدهما عام 1815 منذ ولادة «جو» حتى اختفائه، والآخر عام 1985 وقت ظهوره.

يقول الراوي: «…لكن الصورة تتلاشى لتعود البنايات الشاهقة من جديد أمام ناظريه، فتمتلئ عيناه بالدموع». يتداخل الزمانان في الرواية من خلال حبكة محكمة البناء يغلب عليها طابع الإثارة والتشويق إلى أن تنكشف الأحداث الغامضة في النهاية مع إفشاء الفضائيّين أسرار تجاربهم للبشر وإعادة ذاكرة «سام» الأولية. وانتهت الرواية بالزواج بين «سوزي» و«سام».

من المؤكد أن الكاتب لم يعش في تلك الحقبة التاريخية، ولكن يبقى السؤال هل عاش في أميركا؟

يقول مارك توين: «الواقع أغرب من الخيال، لأن الخيال يجب أن يحتوي على بعض الواقعية…»، إن الرواية مقنعة الأحداث وتعكس سعة اطلاع الكاتب، كما أنها تبين قوة التخيّل لدى «حلايقة» والقدرة في صناعة واقع مغاير، إذ إنها تصور المجتمع الأميركي بكل ما جرى فيه من أحداث بدءاً من الحرب الأهلية إلى التفكك الأسري وصولاً إلى التجارب العلمية والمعتقدات الخارجة عن المألوف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى