تآكلت قدرات الكيان… ومحور المقاومة يتفوّق… وفلسطين لن تعوِّم الكيان بالمشاركة

البناء فلسطين المحتلة صابرين دياب

يأخذ الحدث طريقه، كما أثبت التاريخ، ويكون للإنسان دوره في التقاط الحدث وتوظيفه. وفي هذا المستوى، تتفاوت القدرات، طبقاً لحدود التمكُّن من قراءة الواقع، بعكس القدرة على إسقاط الرغبات.

هذا سؤال اللحظة، في ما يخص انتخابات الكيان الصهيوني يوم غد الثلاثاء، حيث استعصاء الفوز الكبير، لأيّ من الكتلتين الاختين، «الليكود»، و«أزرق أبيض» بغضّ النظر عن التفاصيل من حيث عدد القوى، وتفاوت المواقف بين الكتلتين، وداخل الكتلة الواحدة، وحيث الموقف الفلسطيني من انتخابات المستعمر الصهيوني.

الاستعصاء الأول المتعلق بالفوز، ناتج عن سببين مركزيين، لكنهما رغم تناقضهما، متداخلان ومتشابكان.. السبب الأول، ناجم عن طبيعة الكيان والتغيّرات التي حاقت به في السنوات الأخيرة، بحيث يرى بعض المحللين، أنّ أحد المتغيّرات النسبية في واقع الكيان، هو غياب الشخصيات القيادية الكاريزمية، ولكنهم يتجاهلون، بأنّ الشخصيات القوية، هي نتاج واقع اجتماعي اقتصادي سياسي مادي، وليس أساساً، كون هذا أو ذاك، فذّاً! فالعقدان الماضيان، أثبتا تراجع بنية الكيان وقدراته، الأمر الذي لا يمكن تعويضه بقيادي قوي أبداً!

لذا، كان بوسع قائد فهلوي وليس كاريزمياً، مثل نتنياهو، أن يكون في المقدّمة، وهو قائد يوظّف الكيان نفسه كي يُنقذ نفسه، من مصير يطارده وقد يوصله السجن. لذا، يحاول تجنيد الأشدّ كراهية للعرب، أيّ المستوطنين الجدد في الضفة الغربية وهم قرابة 800 ألف مستوطن، ويعدهم بتقديم الأغوار هدية لهم، وبأنه سيضمّهم إلى الكيان! وكأنّ هناك، شبراً واحداً في الضفة الغربية، ليس تحت سلطة الكيان منذ عام 1967 حيث تحكم فلسطين، سلطة «دولة لكلّ مستوطنيها»، ومع ذلك كان ماهراً في محاولة كسب المستوطنين، لأنّ تجمعاتهم تحتوي أكبر نسبة من الناخبين، ذلك انّ نسبة الأطفال والشيوخ فيها قليلة… وقد رأى البعض، أنّ هروب نتنياهو، عند سقوط صواريخ المقاومة، تعبير عن الجُبن، بينما لم يُنعَت رابين عام 1991 بالجبن، حينما اختبأ هو الآخر، إثر سقوط الصواريخ العراقية في تل أبيب، في فترة حكم صدام حسين للعراق.

والفارق هنا ليس في الشخصين، بل في الظرف، ففي فترة رابين، كان للجيش الصهيوني تألّقه المزعوم، مما غطى و«ستر» على اختباء رابين «الجنرالـ«، وهذا يعني أنّ التغيّر في المستوى العسكري للكيان، هو تغيّر واضح في الجانب السلبي، حيث لم يعُد للجيش كلّ ذلك الوهج الذي يقود إلى الفوز البرلماني، لذا، ذهب نتنياهو إلى المستوطنين ليقول لهم: أنا الذي بوسعه أن يكون بديلاً عن الجيش! وأنا الأقدر على حماية بقاء «إسرائيلـ«!

من جهة ثانية، فإنّ البنية المجتمعية للكيان تتآكل، ربما بنسبة تآكل القدرة العسكرية نفسها، العدوانية بالطبع. ولا نقصد هنا ضعف تراكم الأسلحة الأحدث والأقدر على الفتك. فالكيان يعاني من تزايد الهجرات إلى الخارج، وتزايد الجاهزية للهجرة، لا سيما بعد حرب 2006، ومن هنا يظهر اهتمام نتنياهو بصوت المستوطنين الجدد، لكونهم الأكثر تمسكاً أيديويلوجياً.

كان حظ نتنياهو عاثراً، لأنه جاء في الفترة التي توقفت فيها، قدرة الكيان على التوسّع الجغرافي، وهذا بعكس الأهداف الأساسية للصهيونية، لذا مال إلى المبالغة والاستعراض بتهافت بعض الحكام العرب، على التطبيع والاعتراف، وحتى الاصطفاف العدواني، إلى جانب الكيان، ضدّ الشعب الفلسطيني، لكنه يعرف يقيناً في قرارة نفسه، أنّ الحكام لا يعبّرون قط عن موقف الشعب العربي، الذي يرفض التطبيع مع الاحتلال.

وحتى في المستوى الاقتصادي، فنتنياهو لا يتوقع الكثير من الدعم أو التغطية الأميركية للاقتصاد الصهيوني، لا سيما أنّ أميركا قبل غيرها، على أبواب أزمة اقتصادية، أشدّ قسوة من أزمة 2007-2008، وهي أزمة في جانب العرض على مستوى دولي، مما يفرض على كلّ دولة النجاة بنفسها قبل غيرها، حيث يتضاءل الطلب على السلع بينما يزداد العرض، وكان الكيان يراهن على تحسّن وضعه الاقتصادي في مواجهة ازمة 2020 على تبادل موسّع مع النفطيات في مزارع الخليج، وهذا لن ينجح، لثلاثة أسباب:

الأول: قيام ترامب بـ «تقشيطها وشفطها» أول بأول، والثاني: لأنها لم تجرؤ بعد، على علاقة تجارية مفتوحة على اتساعها مع الكيان، أما السبب الثالث: فيتعلق بالتغيّر في العالم العربي.

صحيح أنّ ما يسمّى «الربيع العربي»، ضرب الحواضر العربية الرئيسية الثلاث، وجنّد أنظمة وقوى الدين السياسي، ضدّ العالم العربي بمجموعه، وإنْ بتفاوتات، بيد أنّ المقاومة اللبنانية والفلسطينية، بل محور المقاومة، فرض واقعاً جديداً في العالم العربي والمنطقة، فبعد أن كانت صورة وواقع الوطن العربي، هي الأنظمة التابعة، أصبح هناك في مواجهتها محور المقاومة، الأمر الذي أفرغ جيش العدو، من الميزة النسبية التي اكتسبها، ليس لأنه «اسطورة»، بل لأنّ القيادات العربية، كانت بحالة من الضعف وعدم التماسك والاختراق، أدّى الى انهزام جيوشها سريعاً، مما أسطر الجيش الصهيوني!

وفي السياق نفسه، ورغم استنزاف الجبهة الفلسطينية، بين المقاومة والمساومة، إلا أنّ وقوف الجميع رفضاً لصفقة القرن، أوقع نتيناهو، في مأزق العجز عن استثمار الدعم الأميركي الهائل له.

ربما بوسعنا، سحب مختلف هذه الأمور، على الكتلة الانتخابية الأخرى «أزرق أبيض» التي تشير إلى راية الاحتلال، والحلم بالامتداد من الفرات إلى النيل، ذلك أنّ الكتلتين هما سباق اليمين مع اليمين، في الواقع، وليس اليمين مع اليسار كما يدّعي بعض المطبّعين العرب، من فلسطينيين وغير فلسطينيين، وهو – طبقاً للواقع المَعيش في الوطن المحتلّ – سباق الصهيوني مع الصهيوني، وإذا كان نتنياهو، يعتمد على فهلوياته السياسية واختراقه لحكام النفط، من آل خليفة إلى آل سعود الى آل سعيد في عُمان، فإنّ غانيتس يتفاخر برصيده في القتل، في قطاع غزة على وجه التحديد، ولكن في فترة، لم يعُد جيش القتل بكلّ ذلك البريق.

وبينما يقوم نتنياهو بإغراء مستوطني الضفة الغربية بضمّ الأغوار وضمّهم، يقوم غانيتس، بمواجهة مستوطني أراضي الـ 48 بـإخفاقات نتنياهو وفساده، ووعود بظروف اقتصادية أفضل، بمن فيهم، جمهور كتل «الحريديم» الأقرب الى نتنياهو، الذين أعلنوا عن تقاربهم مع نتنياهو، ومن المتوقع ان يحصدوا 13 – 15 مقعداً، ولم يوقف غانيتس التفاوض مع الكتل الأربع الكبيرة، بعد «الليكود» و«ازرق ابيض»، وهم، حزب «اسرائيل بيتنا» و«القائمة المشتركة»، وحزب «يمينا»، و«ميريتس» التي انضمّ اليها مؤخرّا، ايهود باراك، ليبقى التقارب بين الكتلتين الكبيرتين «الاختين»، سيد الموقف.

ولعلّ، ما يجب ان نتوقف عنده، هو تفاوض حزب «ازرق ابيض» مع «القائمة المشتركة»، وهي مكوّنة من أربعة أحزاب عربية، وعربية يهودية، يترأسها أيمن عودة، وهو رئيس كتلة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة «حداش» المنبثقة عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي «راكاح»، وهي جبهة عربية يهودية، تعمل وفق مبدأ حلّ الدولتين، والسلام العادل والتعايش المشترك، والمساواة بين «المواطنين العرب واليهود». ويليه، مطانس شحادة، رئيس كتلة «حزب التجمع الديمقراطي» لمؤسّسه عزمي بشارة، وأحمد الطيبي رئيس كتلة «العربية للتغيير»، ثم منصور عباس رئيس كتلة «الحركة الإسلامية الجناح الجنوبي». هذه الأحزاب توحّدت في هذه القائمة بعد ان تنازعت على المقاعد وتقسيمها، ثم اضطروا للوحدة، حفاظاً على مصالح أحزابهم إذا ما بقيت «مفرفطة» وحفاظاً على بقائهم في الكنيست. وهذه الأحزاب، تعترف بـ «اسرائيلـ« كدولة مستقلة وعاصمتها القدس الغربية كأمر واقع، وتموّل حملتها الانتخابية، من قبل حكومة الاحتلال نفسه، ومن بعض علاقات تلك الأحزاب، ببعض الدول، مثل قطر، وسلطة أوسلو، لكن رسمياً، تتموّل حملتهم التي تقدّر بملايين الشواقل من الاحتلال نفسه، الذي يموّل كلّ الأحزاب الاسرائيلية، التي تشارك بالانتخابات.

وتضمّ القائمة المشتركة، عضواً يهودياً عن «راكاح وحداش» في المقعد السابع، وهو مقعد متقدّم الى حدّ ما، وقد أعرب رئيس «المشتركة»، عن استعداده للدخول في ائتلاف مع «ازرق ابيض» إذا فاز، ثم تراجع بعد الحرج الذي وقع فيه، وترك الأمر للمستجدات بعد الانتخابات! وتعتمد الأحزاب العربية وناشطوها، في دعايتها الانتخابية، كما كلّ دورة انتخابية، على الخطاب العاطفي الذي يستقطب قطاعاً من الناس، وإقناعهم، بأنّ وجود العرب في الكنيست يحمي «وجود العرب الفلسطينيين» ويخدم مصالحهم، ويحقق لهم إنجازات في الحقوق المدنية! كما انهم يمرّرون على الناس، خرافة اليمين واليسار الإسرائيلي، وأنّ عليهم إسقاط اليمين المتطرف! ويتجاهلون، الحقيقة الساطعة، انّ دولة الاحتلال، تحركها عقلية المستعمر الصهيوني وليس اليمين او اليسار، ويتناسون أحداثاً كثيرة، منها على سبيل المثال وليس الحصر، سقوط نتنياهو عام 1999 امام إيهود باراك، وكان عزمي بشارة قد تنازل عن ترشحه لرئاسة حكومة الكيان لصالح باراك! وقد دعمت الأحزاب العربية هذا الأخير، ومن أسقط نتنياهو، المستوطنون أنفسهم وقتذاك، وكانت باكورة إنجازات «اليساري» باراك، ارتكاب مجزرة تشرين الأول/ أكتوبر عام 2000، التي استشهد فيها 13 شاباً عربياً فلسطينياً في الداخل المحتل!

مما لا شك فيه، انّ معركة الإنسان الفلسطيني في الوطن المحتلّ عموماً، في الـ 48 والـ 67، هي معركة وجود، وليست معركة على حقوق مدنية وتمثيل في برلمان مغتصب للأرض والحقوق، كما أنّ بقاء وتجذّر أصحاب الأرض الأصليين في الداخل المحتلّ، ليس منوطاً بصراخ أعضاء البرلمان العرب، وجلوسهم بين زملائهم اليهود في الكنيست، وخطابهم المثير، عن الوطنية الفلسطينية، وهم يقسمون الولاء للاحتلال! وإنما منوط، بالوعي الجمعي للناس، الذين انْ عاد بهم الزمن، واحداً وسبعين عاماً الى الوراء، ما تركوا قراهم ومدنهم، ولو فجّروا رؤوسهم بقنابل نووية. وهذا الوعي الذي يجب ان يتطوّر، نحو رفض الاعتراف بالإسرائيلي ورفض برلمانه، بشكل مطلق، ورفض الانخراط بمؤسساته السياسية، وليس فقط العسكرية، وإذا ما أراد الفلسطيني التحرّر من الاحتلال، لا يجوز أن يمارس التناقض الخطير، ومن غير المنطقي والمعقول ان يعترف بمحتله بذرائع واهية! ويقدّم له خدمات مجانية باعترافه به، ومنحه «شرعية» لاغتصاب أرض فلسطين، وتجميل وجهه الديمقراطي «الفالصو« أمام العالم، وعدم التذرّع بعدم وجود بديل عن الكنيست، الذي لم يقدّم إنجازاً واحداً حقيقياً للناس، سوى إنجازات شكلانية مارقة، لا تمّت بصلة للمشروع الوطني التحرري، وقد عجز أعضاء الكنيست العرب، حتى عن منع هدم بيت عربي واحد فقط! على خلاف الشارع، الذي انتزعت فيه معظم الحقوق والإنجازات الجادة، بالمظاهرات والاعتصامات المتعاقبة والعنيدة، حيث إغلاق الشوارع واستنزاف قوى امن الاحتلال، أحدثها مثلاً، تجميد مشروع برافر الاقتلاعي، إزالة البوابات الإلكترونية عن مداخل المسجد الأقصى، نصرة الأسرى في السجون، وغيرها الكثير تشهد لها ميادين الوطن المحتلّ.

والشارع الذي يهزّ استقرار المحتلّ، هو البديل المؤقت عن الزعيق والاعتراف!! ريثما يتبلور بديل ينسجم مع السقف والمشروع الوطني الفلسطيني!

إنّ المعني الأول بالوجود العربي المعترف بالكيان، هو المحتلّ عينه، ليضمن استسلام «المواطنين العربـ« للأمر الواقع، فيضمن استقراره من الداخل! فهو يدرك انّ «الترانسفير» لن يمرّ ويتحقق، فعليه العمل على احتواء «العربـ« لضمان أمنه الداخلي! ولأنه لا يستطيع ان يقدّم برلمانه للعالم بدون تمثيل «للأقلية العربية» التي تقدّر بـ 1.800.000 مواطن، وإلا فإنه يثبت عنصريته وفاشيته! ومن يتابع انتخابات المستعمر، في كلّ دورة، يلاحظ، انّ نسبة التصويت لدى العرب، تكون منخفضة حتى الساعة السابعة أو الثامنة مساء، وترتفع بشكل لافت، حين تُزوّر 10 من أصوات غير المصوّتين، بتعليمات عليا، وأحياناً تُمنح بعض الأحزاب اليهودية نسبة من الأصوات المُقسّمة، هذه الحقيقة يدركها الجميع في فلسطين، ومئات المصوّتين، رووا كيف ذهبوا الى الصناديق في الساعتين الأخيرتين قبيل إغلاق الصناديق، ووجدوا أسماءهم صارت مدموغة بالشمعدان، والأحزاب العربية لا تستطيع ان تنكر هذه الحقيقة، التي يدركها الناس في الداخل المحتلّ.

إنّ الحكاية في الوطن المحتلّ، ليست يميناً ويساراً، وليست إسقاط هذا الطرف وانجاح ذاك!

الحكاية ليست في تحصيل حفنة شواقل من هذه الوزارة او تلك!

الحكاية ليست زعيقاً وتكبيراً في قاعة الكنيست، وخلف بابها، ابتسامات وعناق مصافحة نكراء!

الحكاية ليست، تحصيل 12 أو 15 مقعداً، تحت راية زرقاء بيضاء، ونجمة تغتصب أرضاً وتاريخاً وهوية!

الحكاية في فلسطين، حكاية حق مشرّع في التحرر من الاستعمار، حكاية شعب وقضية، شعب يريد حريته، ورفعَ علمه، وإسقاط علم الاحتلال وليس إسقاط هذا الحزب او ذاك، شعب يريد هويته، ويحقق شعوره بالانتماء ككلّ الشعوب المنتمية بالولاء لمؤسسات اوطانهم!

الحكاية في فلسطين:

عاشت فلسطين حرّة أبيّة، من المَيْ للمَيْ…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى