أكذوبة قرار الحرب والسلم
ناصر قنديل
– يتداول كثير من السياسيين اللبنانيين في مواقع رسمية وغير رسمية مصطلح قرار السلم والحرب في إشارتهم لمعارضتهم لسلاح المقاومة ودورها العسكري باعتباره مصادرة لقرار الحرب والسلم من يد الدولة، وقد بات المصطلح شبه لازمة مقبولة لتوصيف الخلاف بين معسكري مساندة المقاومة ومعارضتها، دون أي تدقيق منهجي أو علمي بالمصطلح ومدى صلاحيته للتعبير عن خلاف موجود بالتأكيد لكن تحت عنوان آخر، لم يجر بعد بذل جهد جدي لتوصيفه تصويباً للنقاش بين المعسكرين المختلفين، وتحديداً للبعد القانوني لهذا الخلاف، لتنظيمه على الأقل إن استعصى التوصل لحل نهائي لمفرداته، أو للإنصاف العلمي ورسم سقف متفق عليه للخلاف تدور تحته السجالات والمواجهات ويحكمها بضوابط منهجية لا غوغائية أو عشوائية، كما هو الحال اليوم مع هذا المصطلح الهجين.
– بصورة محوريّة يجري الحديث عن دور المقاومة في مواجهة كيان الاحتلال، الذي يفترض أن توصيفه كعدوّ موضوع إجماع لبنانيّ، وكذلك توصيف مشروعه بالعدواني والقائم على أطماع بثروات لبنان المائية والنفطية، والاعتراض هو على كون دور المقاومة من خارج مؤسسات الدولة حصراً، وكذلك دورها في سورية، الذي بات مسلماً أنه مشاركة في الحرب على الإرهاب الذي شكّل ولا يزال تهديداً للبنان، والاعتراض على أن هذه المشاركة تمّت وتتم من دون معرفة الدولة وإذنها أو تغطيتها. والمقصود بالمباشر هو أن المقاومة في تأدية المهمتين تصرفت خارج إجماع سياسي داخلي. وأطلق على هذا التصرف توصيف انتقائي هو مصادرة قرار الحرب والسلم من يد الدولة .
– لبنان من الزواية القانونية محكوم بتوصيف علاقته بكيان الاحتلال بأحكام القرار 1701 الذي جاء يضيف لاتفاقية الهدنة بعد انتهاكها بالاجتياحات المتكررة للبنان من جانب كيان الاحتلال، أحكاماً وتوصيفات للحال القانونية على الحدود. وفي هذا السياق ثمة حقيقتان ثابتتان، الأولى أن لبنان ليس في حال سلم مع الكيان كي توصف أعمال المقاومة بإعلان حرب، أو بمصادرة لقرار الحرب، والحال التي كانت تصنّف ضمن مرحلة اللاحرب واللاسلم في فترة الهدنة، صارت حال وقف أعمال عدائيّة تحتاج للكثير حتى تبلغ مرحلة الهدنة أو الوقف الدائم لإطلاق النار كما ينصّ القرار 1701، ووقف الأعمال العدائية قبل الهدنة هو تنظيم مؤقت لحال حرب، كما تقول اتفاقيات جنيف، تُعتبر قائمة بين لبنان والكيان، والقرار الأممي محاولة لا تزال عاجزة عن ضبط وقف الأعمال العدائية التي نص عليها، بسبب تواصل الأعمال العدائيّة للكيان بالتجاوزات المتكرّرة للسيادة اللبنانية. والموضوع هو كيف يردّ لبنان على الأعمال العدائيّة في قلب حال الحرب؟ وكيف يكون دور الجيش ودور المقاومة؟ وطالما النقاش على خلفية قانونية هي اتفاقية الهدنة والقرار 1701، يبدو مفيداً العودة لما نصت عليه اتفاقية الهدنة المادة الثالثة الفقرة 2 لجهة الاعتراف بأن المعني هو القوات النظامية أي الجيش اللبناني و القوات غير النظامية أي جماعة الفدائيين آنذاك والمقاومة اليوم، وهي إشارة تلزم القوات غير النظامية بالمشاركة في وقف الأعمال العدائية، لكنها تمنحها شرعية الردّ ضمناً على أي أعمال عدائية مقابلة، كما يفعل القرار 1701 بدعوته لوقف الأعمال العدائية قاصداً من الجانب اللبناني المقاومة لا الجيش طبعاً.
– في المسألة السورية التي ليست مشاركة المقاومة فيها قضية قرار حرب وسلم، فلبنان يقيم علاقات دبلوماسية ويتبادل السفراء مع سورية، ولا تزال تربطه بها قانوناً معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق، والقضية هي ببساطة شكل قيام لبنان بخوض حربه ضد الإرهاب، ومساهمة المقاومة الاستباقية فيها بالمشاركة داخل الحدود السورية. وهذا نقاش سياسي مشروع، لكن إذا أخذ بالاعتبار أن المقاومة بعد التحرير عام 2000 باتت كياناً قائماً وشريكاً في صناعة مفهوم الأمن القومي وصياغة تفاصيله، ومعنية بتبعات سوء إدارته، وليست مجموعة محازبين مليشياويين أو مرتزقة يجري الزجّ بهم في معارك مسلحة خارج الحدود، كما فعلت أحزاب من اليمين واليسار في مراحل عديدة من تاريخ الحرب اللبنانية، ومجرد تغيّر منسوب التوافق والاختلاف حول شكل مساهمة المقاومة في صناعة الأمن القومي، كما ظهر من بيان المجلس الأعلى للدفاع مؤخراً، يعني أن الخلاف والاتفاق أمر سياسي متحرك ويعني بالتالي سقوط نظرية اعتبار الخلاف سيادياً حول دور المقاومة، أو وجودياً. فكيف بكونه مصادرة لقرار السلم والحرب؟
– الأكذوبة تريد نقل النقاش حول قضية سياسية لجعلها سيادية، وجعل الانقسام حولها وهمياً بين معسكرين غير قائمين، مَن مع الدولة، ومَن ضد الدولة، والمقصود ضمناً، مَن مع المقاومة، وهو ليس قائماً ببساطة لأن الدولة وقفت مع المقاومة وفق ما قاله قرار المجلس الأعلى للدفاع، ومَن لديه مشكلة لكونه أقلية غير فاعلة في قرار الدولة لا يستطيع تغطية السموات بالقبوات، لأن الأمر أمر قرار سياسي في مؤسسات الدولة، والقرار السياسي يتغير بتغيير توازنات تكوين مؤسسات الدولة، فليحاول المنزعجون من التوازن القائم تغييره في صندوق الاقتراع وعندما يملكون القدرة على تكوين توازن يناسبهم يغيرون القرار. أليست هذه هي الديمقراطية؟
– الإطار القانوني لدور المقاومة في المواجهة مع الاحتلال والمشاركة في الحرب على الإرهاب، هو شكل مساهمة القوات غير النظامية في ردّ الأعمال العدائية ضمن حال الحرب، وشكل مساهمتها في الأعمال الاستباقية لمواجهة خطر الإرهاب، وحدود جدوى وضرر ظهور هذه المشاركة تحت سقف الدولة وبمشاركة أو بموافقة الجيش. وهو نقاش مفيد شرط أن يجري داخل غرف مغلقة، وبين الجيش والمقاومة، ومَن قال إنه لم يجر أصلاً؟