روحاني نجم ساطع.. ومبادرة سلام تربك أميركا
إعداد سماهر الخطيب
تُعَدّ إيران قوةً إقليمية، وتحتلّ مركزاً هاماً في أمن الطاقة الدولية والاقتصاد العالمي بسبب احتياطاتها الكبيرة من النفط والغاز الطبيعي. حيث تحوي ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم ورابع أكبر احتياطي مؤكد من النفط.
وتتميز بموقع جيوسياسي يجعلها نقطة التقاء لثلاث مجالات آسيوية «غرب آسيا ووسطها وجنوبها»، وتعدُّ ثاني أكبر بلدان المنطقة مساحة بعد السعودية بمساحة تبلغ 1,648,195 كم2 ما يجعلها تحتلّ المرتبة الثامنة عشرة بين بلدان في العالم من حيث المساحة، أما من حيث عدد السكان فتأتي بعد مصر لتكون ثاني أكبر دول المنطقة سكاناً..
كما تطل إيران على بحر قزوين، ويحدّها من الشمال أرمينيا وأذربيجان وتركمانستان، ومن الشرق أفغانستان وباكستان، ومن الجنوب الخليج العربي وخليج عمان، ومن الغرب العراق ومن الشمال الغربي تركيا.
والأهم أنها موطن لواحدة من أقدم الحضارات في العالم. وأحد الأعضاء المؤسسين لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وحركة عدم الانحياز وأوبك.
قيمة مضافة..
كل ذلك يجعل من إيران قوة إقليميّة لن ترضى أقل من معاملتها على كونها تمتلك تلك القوة وذاك التأثير في إقليمها.. تمتلك من أوراق القوة الجيوسياسية والجيواقتصادية والجيوبوليتكية ما يجعلها تتكلّم من منطلق القوة الداخلية، وهذا كله أضفى عليها قيمة مضافة تستثمرها مع استثمار العقول فحجم السكان الذي اعتمدت عليه كنعمة وليس نقمة وبشكل خاص عقب الثورة وتاريخها الجديد قد استثمرت فيه جميع ما تملك من ثروات بشرية وطبيعية لتغدو في أقل من أربعين عاماً من الدول الكبرى في المنطقة ليس بالمساحة وعدد السكان فحسب، بل من حيث التكنولوجيا ومراكز الدراسات والسياسات التنموية رغم ما تعرّضت له من عقوبات ورغم الحرب الاقتصادية التي تمارس ضدّها بقيت ترفع سقف طموحاتها اعتماداً على ما تملكه من قدرات وثروات.. توجتها بالملف النووي الإيراني الذي أثبت فشل السياسة الأميركية وأزاح الستار عن الأطماع الأميركية العالمية وسياساتها الانتهازية المصلحية..
ومع كل هذه الأوراق من القوة ذهب الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الأمم المتحدة حاملاً معه مبادرة للسلام في المنطقة يعلم مسبقاً أنه الإمبراطور فيها إن كان بالاستناد إلى كون الجمهورية الإيرانية تنحدر من امبراطوريات ساهمت في ترسيخ الحضارات الإنسانية، وكان لها أثرها البارز وإن كان استناداً إلى ما تملكه من قوة اقتصادية وعسكرية وعلمية واستراتيجيات تنموية..
ولأنّ إيران تقود تحالف مقاوم ضخم يضم حركات مقاومة تستطيع تغيير المعادلات السياسية والعسكرية في مناطقها، في سورية واليمن ولبنان والعراق وفلسطين، فإنّّ هذا التحالف بما يملكه من القوة، بالإضافة إلى ما يستند إليه من مؤسسة عسكرية تملك ترسانة من الأسلحة المتطورة، يتحول بموجبه روحاني إلى نجم يستجدي الرئيس الأميركي لقاءه، وتسعى القيادات الأوروبية إليه..
مبادرة للسلام.. ونجم ساطع
وتبدأ اليوم اجتماعات الدورة الـ74 للجمعيّة العامّة للأمم المتحدة لمناقشة الكثير من الملفات والقضايا، بدءًاً من التوتّر الراهن في منطقة الخليج، وحرب اليمن، والأزمة المناخية، والخلاف الهندي الباكستاني، وفنزويلا، وبريكست وصولاً إلى القضية الفلسطينية.
فيما يبقى النجم الساطع في هذه الدورة هو الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي سيحرص العديد من القادة الأوروبيين، على اللقاء به في محاولة لتخفيف حدة التوتر في منطقة الخليج. وعلى رأسهم بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا، الذي صرّح بالأمس أنه «مهما كانت الاعتراضات للاتفاق النووي القديم مع إيران، حان الوقت لإبرام صفقة جديدة»، مشيراً لإلى أنّ «ما تقوم به بريطانيا هو محاولة توحيد الناس وحلحلة التصعيد».
وعلى ضوء هذا التصريح سنجده «لاهثاً» لإحراز لقاء قد يسعى عبره لتغيير صورته «المهزوزة» منذ ترأسه الحكومة البريطانية، واللقاءات الأُخرى المماثلة، كالتي مع ماكرون ستقرر مصير القمة المنتظرة بين الرئيسين الأميركي والإيراني.
حيث يعرض الرئيس الإيراني حسن روحاني خطة لـ»تحقيق الامن والاستقرار في منطقة الخليج». تعهد بطرحها أثناء إلقائه كلمته أمام الجمعية العامة، مبادرة ستعكس الموقف الإيراني الذي يشترط عودة الإدارة الأميركية إلى الالتزام بالاتفاق النووي، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على الدولة الإيرانية وشعبها، ولن يرحّب الرئيس روحاني بأي لقاء مع نظيره الأميركي، ما لم تتم تلبية هذه الشروط، فقرار هذا اللقاء من عدمه هو من مسؤولية المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي.
زيف أميركي يتكشف!
وفي الكواليس الأميركية رهبة وذعر من مبادرة إيرانية قد تلقى أصداؤها فهي كانت امتنعت عن إصدار تأشيرات سفر لمساعدي الرئيس الإيراني حسن روحاني، والمسؤولين عن تنظيم برامجه ولقاءاته في نيويورك، حيث يشارك في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكشف الرئيس الإيراني عن أهداف يسعى إلى تحقيقها الأميركيون لا علاقة لها بضمان امن المنطقة، وقال: «من الواضح أن الاميركيين يريدون وضع كل النفط في الجزء الشرقي من السعودية بالكامل في قبضتهم، وهذا النزاع لا يتعلق بنا، بالطبع، إنه يتعلق بنزاع أميركا مع الصين والآخرين الذين ينتهزون هذه الفرصة».
وقال إن «عقد صفقة مع السعودية بمليارات الدولارات لبيعهم أنظمة دفاع لهذه المنطقة، يوضح أن الأميركيين يسعون لتحقيق أهداف أخرى وكل هذا ذريعة ليتواجدوا بشكل أكبر في المنطقة».
إذاً لقد كشفت إيران بسياستها الثابتة وبالتزامها بالمواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وعدم انجرارها وراء الاستفزازات الاميركية، عن حقيقة تلك الديمقراطية المزيفة، التي تخشى من «كلام» يمكن أن يقوله الرئيس روحاني عما يجري في منطقة الخليج، بعيداً عن الرواية الأميركية المزيفة.
فما الذي يمكن أن يأخذ معه روحاني إلى الأمم المتحدة، سوى «الكلمة»، حتى يتم التضييق عليه بهذا الشكل المخزي والمعيب، من قبل دولة تتبجح بأنها تدافع حتى عن حرية التعبير وتتغنى بالديمقراطية؟!
ومن المؤكد أن أميركا كذبت وما زالت تكذب على العالم، برفعها لواء الديمقراطية وحرية التعبير، فهذه المبادئ الانسانية تُداس بالأقدام لو اقتربت من مصالح «اسرائيل» او مصالح تجار الموت من أصحاب مصانع السلاح والنفوذ في اميركا.
ومن بين «الكلام» الذي تخشاه أميركا والذي يحمله معه روحاني إلى الامم المتحدة، هو مبادرته للسلام مع دول الجوار، لمنع أميركا من استغلال دولها وابتزازهم، عبر ترويج «إيران فوبيا»، وهو ما يتعارض البتة مع مصالح تجار الموت ومجرمي تل أبيب.
وخاصة أنّ المبادرة هي لتشكيل تحالف دولي لضمان الأمن في منطقة الخليج، يضم كلاً من إيران والسعودية والعراق والبحرين والإمارات وقطر وعمان والكويت برعاية الأمم المتحدة. تلقى صدىً في ظل تصريحات عدّة منها الصين وفرنسا في وقت نأت بنفسها معظم الدول الغربية أمام الإعلان الأميركي عن تحالف لضمان أمن الملاحة في الهرمز.. وما تلاها من تفجيرات توجت في أرامكو رداً على اعتداءات السعودية ضد اليمن ولطالما أكد أنصار الله مسؤوليتهم. فيما تصرّ السعودية وأميركا على توجيه أصابع الاتهام نحو إيران وزعزعة الوضع بمسمى أمن الطاقة وتهديده عالمياً..
حلٌ عبر المحادثات.. وشروط للحوار
وقد قال الرئيس الصيني شي جين بينغ، أمس، إنه «يجب حل النزاعات في الخليج سلمياً عبر المحادثات، ويجب على جميع الأطراف التزام الهدوء وممارسة ضبط النفس».
وقد كشف الرئيس الإيراني عن هذا الأمر، أمس، قبيل مغادرته إلى نيويورك لحضور الاجتماع السنوي للأمم المتحدة مؤكداً أن مبادرة «هرمز للسلام» تدور حول «شراكة جماعية داخل منطقة الخليج، ونريد أن تشارك جميع بلدان المنطقة فيها».
وذكر أنّ «إيران ستقدم مشروعاً إلى الأمم المتحدة لضمان أمن المنطقة»، مضيفاً «نحمل معنا إلى الأمم المتحدة مشروعاً يهدف إلى تثبيت الأمن في المنطقة تحت عنوان هرمز للسلام وتأمين تعاون دول المنطقة وقدراتها لحفظ الأمن».
كما أعلن روحاني ان «اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة يعتبر فرصة جيدة لكشف الممارسات غير العادلة والقاسية ضد الشعب الإيراني، وكذلك القضايا الشاقة والمعقدة التي تواجه منطقتنا اليوم، لتبيينها لشعوب العالم وبلدانه».
الرئيس روحاني اشار في خطابه الى نوع من المراوغة تمارسها الإدارة الاميركية بخصوص تحقيق الأمن في الخليج. وقال: «ان وزير الخارجية الاميركي يطلق تصريحات غير منطقية على الدوام، لم أر قط هذا الوزير يتحدث كلاماً منطقياً، هو يتحدث دائماً بشكل خاطئ وغير لائق».
إعادة النظر في الحسابات..
مبادرة سلام إيرانية في المنطقة سبقتها دعوة يمنية للحوار مع جميع الأطراف في مواجهة التعنت السعودي والأميركي.. فيما أكد عضو المجلس السياسي اليمني الأعلى سلطان السامعي أن «الضربات المقبلة قد تُعيد الإمارات إلى العقود الماضية»، مشيراً إلى «الجهوزية التامة والاستعداد لأي تصعيد». وطالب السامعي من العقلاء في السعودية والإمارات بـ»إعادة النظر في الحسابات». وقال: «لقد اصبحنا اقوياء ولسنا مع الحرب واننا مع السلام، فإن جنحو للسلام فنحن مع السلام وان استمروا بعدوانهم وحصارهم لليمن، فالقادم أعظم وأمرّ».
ولفت السامعي في الوقت ذاته إلى «تشكيل لجنة الحوار الوطني ومد يد السلام لجميع القوى السياسية».
وبرغم المليارات التي بذلتها السعودية من أجل شراء الأسلحة المتطورة غير أنها كانت عاجزة عن حماية حدودها مقابل الطائرات المسيّرة الآخذة بالتطور يوماً بعد يوم في اليمن، والتي تمكنت من تدمير منشآت نفطية تابعة لشركة ارامكو السعودية.
الدمار الذي لحق بالمنشآت النفطية السعودية وحتى المطار والقواعد العسكرية التي استهدفها الجيش اليمني واللجان الشعبية كله يكشف عن مستقبل الصراع في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
فاليمنيون عاكفون على تطوير ما لديهم من أسلحة صاروخية وطائرات مسيرة ولا أحد يستطيع ان يوقف عجلة تقدمهم في مجال تطوير تلك الأسلحة، ولا شك في أن الجهة ذات المبادرة هي القادرة على حسم الصراع في المنطقة وليس القوى المنفعلة المستهلكة لأسلحة الآخرين. وربما يظن الأمراء الذين يحكمون السعودية أن الأسلحة التي يحصلون عليها من البلدان الغربية ستحميهم من أيدي الشعوب المتحررة والطامحة للاستقلال والحرية.
سلوك أميركي يعكس الخوف..
إن من يعرف حقيقة اميركا لن يتفاجأ من هذا السلوك الاميركي، ولكن من خُدع بالديمقراطية الاميركية، ورفعها زوراً لواء الحرية والكرامة الانسانية، بالتأكيد سيصاب بخيبة أمل بل وبصدمة، وهو يقرأ الاخبار التي تتناول كيفية تعامل السلطات الاميركية مع الوفد الإيراني وتضييقها عليه بدءاً من تأشيرات الدخول ومروراً بحصر تحركاته وانتهاء بتقليص فرص عقد اي لقاءات مع مسؤولي الدول الأخرى ووسائل الإعلام الاميركية.
وهل يمكن فهم رفض منح تأشيرات دخول للفريق الإيراني المكلف تنظيم برامج ولقاءات الرئيس روحاني، وتقليص وجوده في نيويورك، وحصر تحركاته بين مكان إقامته ومبنى الأمم المتحدة والبعثة الإيرانية فقط، إلا بخوف اميركا من الخطاب الإيراني، الذي فضح وما زال يفضح الدور الهدام لسياسة ادارة ترامب منذ انسحابها من الاتفاق النووي وحتى اليوم.
وبات واضحاً ليس للسياسيين في المنطقة فقط بل حتى للبسطاء من الناس ان الولايات المتحدة تمارس دور الابتزاز تجاه السعودية وانها باتت «تحلبها» بشكل علني، وأصبح الرئيس الاميركي يتحدث عن موضوع الأموال السعودية وضرورة الحصول عليها بمناسبة ومن دون مناسبة.
فرصة أخيرة..
إن الخطة التي سيقدمها الرئيس الإيراني حسن روحاني يجب أن ينظر اليها السعوديون بشكل إيجابي، لأنها ربما ستكون الفرصة الأخيرة التي سيحصلون عليها.
خاصة أنهم اكتشفوا أنّ الإدارة الأميركية هي غير مستعدة للتضحية بجنودها للدفاع عن حدود السعودية بل كل ما تقوم به الإدارة الاميركية هو سحب المزيد من اموال الخزينة السعودية.
وإن السياسات التي تصوغها الأدارة الأميركية بالنسبة الى السعودية أو إيران أو حتى منطقة الخليج هي سياسات بحسب مقاس المصالح الأميركية لا المصالح السعودية.
ولو فكرت السعودية بشكل منطقي ستجد أنه لديها مع إيران وليس واشنطن مصالح مشتركة وعلى رأسها تأمين منطقة الخليج الفارسي وتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة الملتهبة من العالم، بينما لا تكترث واشنطن لهذه القضية الحساسة ولا تعطيها أدنى أهمية، بل بالعكس هي تعمل على اشعال المنطقة من خلال بيع المزيد من الاسلحة اليها.