لقاء القيصر ــ السلطان المريض… مظهره الطاقة وباطنه الأزمة السورية
نظام مارديني
في الوقت الذي يبارز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طواحين الهواء، حط القيصر الروسي في أنقرة، وهو يدرك أن بطولات نظيره الدونكيشوتية التي أوصلته إلى قمة التأزم مع محيطه الأقليمي والدولي، هي أشبه بطبول بلا نفير وجعجعة بلا طحين، وموسكو بطبيعة الحال ليست مضطرة للرد على مشاريعه بقدر ما هي معنية بتخفيف حدة التوتر في هذه المنطقة الغنية بمصادر الطاقة.
ليس من مبالغة القول إنّ طبيعة العلاقات التركية – الروسية يغلب عليها الطابع المميز لمسار العلاقات الدولية، ذلك المسار الذي يتراوح ما بين التقارب والتباعد على مدار التاريخ، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء ثلاثة عوامل: الأول يرتبط بتوجهات القيادة السياسية في الدولتين. والثاني يتعلق بحجم الارتباطات الدولية والإقليمية لكل طرف. والثالث يتحدد في ضوء طبيعة القضايا والمشكلات الخلافية بينهما.
يضاف إلى ذلك، إن هناك ميراثاً تاريخيّاً من الخلافات بين البلدين، منها: الخلافات حول المرور في مضيق البوسفور، والتّنافس على نقل بترول آسيا الوسطى، والموقف من قضية النزاع حول منطقة «ناغورنو كاراباخ»، بين أذربيجان وأرمينيا، والقضية القبرصية، والدعم الروسي لليونان، ومشكلة أوكرانيا، واخيراً الموقف التركي من الأزمة السورية.
وفي حين يتحدث الاستراتيجيون والمحللون الآن عن «فراغ» في «الشرق الأوسط»، الذي يسميه الآسيويون «غرب آسيا»، ناجم كما يقولون عن «انسحاب أميركي» من المنطقة يعزونه إلى التوجه الأميركي شرقاً، يدرك أردوغان انه لا بد له من إيجاد مقاربة جديدة للازمة السورية، وذلك بعدما خسر مصر وتونس وليبيا ودولاً خليجية، ويكاد يخسر حلفاءه الغربيين، وهو في حاجة الى بوتين:
1 – لإن روسيا اتخذت موقفاً واضحاً في شأن سورية في وقت مبكر، ولم تتوانَ عن خوض غمار خلاف حادٍ للغاية مع الولايات المتحدة وأوروبا.
2 – لمعرفته أنه لا يمكن تجاهل دور روسيا، ولا يمكن الدول الغربية التعامل مع موسكو وفقاً لشروطها.
في ضوء هذا الواقع، وصف مراقبون زيارة بوتين تركيا أمس، بأنها جاءت بمثابة تحريك روسيا اللاعب الأهم في الفترة الراهنة على الرقعة الجيوسياسية الأوراسية، ووضع نصب عينيه تحقيق أهداف اقتصادية وسياسية تخدم مصلحة روسيا والمصالح الروسية – التركية المشتركة في المجالين الاقتصادي والسياسي، مع تركيز على أهمية التعاون في المجال الأول ومتانته، بما يخدم تحقيق نتائج أفضل في المجال الثاني.
وكانت صحيفة «فوكس» الألمانية نشرت على صفحاتها تقريراً عن اللقاء تحت عنوان «السلطان يلتقي القيصر». وذكرت الصحيفة أن الغرب لا يتحدث جيداً عن الرئيسين في الآونة الأخيرة، فبوتين غاضب بسبب العقوبات التي فرضت على روسيا، أما أردوغان فيتكلم بلسان حادٍ ويرى في الغرب قوة مستعمرة.
وبيّنت «فوكس» أنّ هدف الزيارة هو البحث في تطوير العلاقات الاقتصادية وسبل محاربة «داعش»، متسائلة ما إذا كان الإثنان سيتحالفان ضد الغرب؟
تدرك الدولتان، أن الأزمة السورية تهدد – في حال لم يتم التوصل إلى حل سياسي لها – بزعزعة أمن الجغرافيا المسماة أوراسيا واستقرارها والتي سبق أن حدد بوتين في مقال له رغبته في بناء اتحاد ضمنها، اما تركيا فهي لاعب مهم في هذا الفضاء الأوراسي وفق الرؤية الروسية ووفق منطق الجغرافيا أيضاً، وسورية بما تتمتع به من موقع جيو- سياسي مؤثر على الوضع في عموم المنطقة ليست بعيدة من هذه الرؤية، لذلك يتوقع المراقبون أن تتمخض تحركات بوتين، الملك في الرقعة الأوراسية، عن نتائج مهمة تساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. وربما تكشف الأيام القليلة المقبلة عن الأفكار الجديدة التي كانت أشارت اليها موسكو والتي قد تساهم في حل الأزمة السورية ونزع فتيل التوتر في المنطقة عموماً، إذ إن موسكو وبعد استقبالها الحافل لوزير الخارجية السوري وليد المعلم تستعد بدبلوماسيتها لتحركات سريعة بين الأطراف الدولية والاقليمية المعنية بالأزمة السورية، خصوصاً أن موسكو تدرك أن أردوغان أصبح وحيداً مع قطر في مواجهة التحولات الدولية والاقليمية في شأن الملف النووي الإيراني والأزمة السورية، وهو سيكون مصيره شبيهاً بمصير رئيس الوزراء التركي في فترة الخمسينات عدنان مندريس الذي أطاحه العسكر. فهل ستطيح المصلحة الأميركية بأردوغان عبر الايعاز إلى الجيش للانتقام من الرئيس التركي بعدما مرغ شرفهم العسكري في التراب؟
في ضوء ذلك تكتسب العلاقات التركية – الروسية، «بعداً استراتيجياً» بحسب بوتين خلال استقباله السفير التركي الجديد «أوميت يارديم»، في الكرملين، في الأول من تشرين الثاني المنصرم. وذكر الرئيس الروسي، أن العلاقات التي تربط بين أنقرة وموسكو، دخلت مرحلة جديدة، مشيراً إلى أن تلك العلاقات وصلت الى أبعاد استيراتيجية في العديد من المجالات المختلفة أبرزها مجال الطاقة.
إجمالاً سقط منطق العثمانية، لأن المتغيرات الأخيرة ستدفع إلى البحث عن حلول ستفرض على أنقرة تغيير مقولاتها الموروثة عن السلطنة العثمانية.