خالد علوان… ثلاث رصاصات… وصار الإسم وحده يروي الحكاية

من عنوان ذاكرة وطن.. بيروت تحت الحصار بعد قصف متواصل استمرّ 11 ساعة

الزمان: 24 أيلول 1982

التوقيت الساعة الثالثة عصراً من يوم الثلاثاء كمثل هذا اليوم .

الحالة: ضابط وجنديان من جيش العدو في جلسة استراحة.. على رصيف مقهى الويمبي في شارع الحمراء..

الى هذا الحدّ… وكفى

فلم يحتجْ الرفيق خالد علوان الى الكثير من التفكير.. في تحليل الموقف لحظة مروره التاريخية تلك.. لا يتردّد.. لا يجفل.. لا يتهيّب.. تحرك بسرعة بديهية.. لحظة مباغته.. فقط رفع يده… و..

بام… بام… بام… وقُضيَ الأمر..

وليست هي إلا بضعة ساعات تمرّ لتستفيق بيروت على الخبر «المانشيت» الأشهَر لجريدة السفير.. الخبر «عملية هي الأولى من نوعها في الحمراء..

والتفاصيل.. الخبر… العملية الفدائية.. كما نشرت جريدة السفير في إصدارها 25 أيلول 1982 العدد 3015. ولا بدّ هنا ان نسجل لجريدة «السفير» الشكر على تلك المهنية العالية بتوثيق يوميات «العدوان الإسرائيلي» صورة صورة، وخبراً خبراً، عملية تليها عملية.. طوال تلك الفترة المشحونة بالمخاطر الجمّة..

«في هذا الوقت تعرّضت قوات الاحتلال الاسرائيلي لعملية جديدة. هي الأولى من نوعها في الحمرا.

فقد قتل بعد ظهر أمس، ضابط إسرائيلي وجرح جنديان آخران كانا برفقته عندما أطلق مواطن مسلح النار عليهم أثناء وجودهم في مقهى الويمبي في الحمراء.

وذكرت معلومات أمنية أنّ المسلح الذي أطلق النار كان يرتدي ثياباً مدنية ويحمل مسدساً حربياً مجهول العيار، وأنه خرج من بين المارة على الرصيف وأطلق النار من مسدسه في اتجاه العسكريين الثلاثة ثم انطلق إلى جهة مجهولة.

وقالت المعلومات انّ العسكريين الثلاثة كانوا يضعون بنادقهم الرشاشة في سيارتهم العسكرية المتوقفة على مقربة منهم الى جانب محلات الزهار . وأنهم لم يتمكنوا من فعل أيّ شيء تجاه المسلح.

وعلى الفور حضرت دوريات إسرائيلية عدة وضربت طوقاً أمنياً حول منطقة الحادث ومنعت الخروج منها او الدخول اليها. ثم بدأ عناصرها بحملة اعتقال عشوائية طالت عشرات المواطنين الذين صودف وجودهم في المنطقة أثناء إطلاق النار إضافة الى عمال ورواد المقاهي والمحلات المجاورة. كما حضرت عناصر من المخابرات الإسرائيلية وضابطان من قوة المراقبة الدولية في بيروت.

استمرت الإجراءات الإسرائيلية ضدّ المواطنين حتى الخامسة و45 دقيقة حيث انسحبت القوات المؤللة التي ضربت الطوق الأمني ثم أفرج عن بعض المعتقلين.

ونقل الجنود الإسرائيليون المصابون في سيارة إسعاف إسرائيلية الى أحد المستشفيات الميدانية التابعة لقوات الإحتلال وتمّ نقلهم في وقت لاحق الى داخل الأرض المحتلة بواسطة طائرة مروحية.

من جهتها قالت إذاعة «صوت لبنان» الكتائبية انّ مطلق النار أستخدم رشيشاً حربياً في العملية وأنه رمى سلاحه إثر الحادث، بعد ان قتل ضابطاً وجنديين. وأضافت انّ الإسرائيليين أقاموا حاجزين الأول في الحمراء للتفتيش والتدقيق، والآخر في بئر حسن لتسهيل عملية نقل العسكريين الثلاثة، وانّ طائرة هليكوبتر هبطت في الخامسة بعد الظهر ونقلت المصابين من الأوزاعي الى مستشفيات «إسرائيل.»

عملية الويمبي كما روتها صباح الخير – البناء

في سنة 1989 أعادت مجلة البناء – صباح الخير نشر تفاصيل العملية.. فجاء فيها:

«من الخوف الذي كان يحاصر كلّ شيء في بيروت الشهيدة، ومن الصمت الذي كان سائداً حتى النذالة والخضوع خرج وهج الحياة شرارة المقاومة ضدّ الإحتلال الذي دنّس بيروت الحضارة فأسقطت الرصاصات الأولى التي أطلقها الشهيد البطل الرفيق خالد علوان «ميشال» الاحتلال على رصيف الويمبي في 24 ايلول 1982، وشكلت هذه الرصاصات بادرة الأمل المكملة لصواريخ الكاتيوشا التي أسقطت عنجهية أرييل شارون وزير حرب العدو في سقوط شعار سلامة الجليل في 21 تموز 1982.

وفي العودة الى 24 أيلول 1282 ذلك التاريخ الذي كتب بوقفة عزّ على رصيف «الويمبي» في شارع الحمراء الرئيسي في بيروت والذي سجل البطل الرفيق خالد علوان بعفوية المناضل المؤمن بأصالة شبه بداية الهزيمة العسكرية الأولى لجيش العدو الذي لا يُقهر وبإطلاق صيحات الخوف والهلع في شوارع وأزقة بيروت المقاومة «لا تطلقوا النار علينا… إننا راحلون».

ولقد دفع الإطمئنان بجنود العدو الى الجلوس في المقاهي العامة وافتراش الطرقات والساحات العامة إلى أن كان يوم 24 أيلول حيث كان ضابطان وجندي من قوات الإحتلال يجلسون في مقهى الويمبي في شارع الحمراء في بيروت يحتسون البيرة إذ بشاب أسمر قوي البنية الواقع انه أشقر هو الرفيق خالد علوان يسحب مسدسه ويوجهه ببرودة أعصاب بيده «اليسرى» نحو الضابطين والجندي ويطلق رصاصاته الستّ بالتساوي عليهم فيقتل ضابطاً ويجرج الآخرين، لتكون الشرارة الأولى للمقاومة في بيروت ويتابع طريقه وسط ذهول رواد المقهى والمارة ورعب وهلع جنود العدو.

ولتكرّ السبحة وتتصاعد عمليات المقاومة في بيروت فيشترك علوان في العملية البطولية ضدّ قوات العدو أمام محطة أيوب في زقاق البلاط بعد يومين في 26 أيلول مما أدّى الى تدمير ملالتين وجيب عسكري وإصابة 17 جندي للعدو بين قتيل وجريح ومن ثم عملية «فردان» وعملية أمام مبنى منظمة التحرير الفلسطنية في كورنيش المزرعة، وخطف جندي للعدو من بين دوريته في عائشة بكار حيث سمع أهالي بيروت استغاثة جنود العدو بمكبّرات الصوت يصرخون «أعيدوا الجندي ولا تطلقوا النار علينا فنحن راحلون.. راحلون».

وتتابع مجلة صباح الخير البناء تقريرها وتنقل شهادة عامل المقهى الذي كان متواجداً لحظة تنفيذ العملية وشهد على المشهد بكامله.

ويقول عامل المقهى عباس قنبر: «في يوم 24 ايلول حضرت سيارة عسكرية للعدو وترجل منها ضابطان وجندي وجلسوا خارجاً وطلبوا همبرغر وبيرة وكأنهم في رحلة سياحية وكانوا يضعون أسلحتهم على أرجلهم، وفي حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر طلبوا الحساب فأحضرته لهم وحاولوا دفع نصف قيمته فرفضت وطلبت المسؤول فحضر وأثناء الجدال معهم والمقهى يعجّ بالرواد والشارع مكتظّ بالمارّة، تقدّم شاب من خلفي بنيته رياضية يحمل مسدس «بكر» بيده اليسرى وأطلق بكلّ هدوء ستّ رصاصات على جنود العدو، رصاصتان على كلّ منهم فأصيبوا جميعاً وسط ذهولنا فأنبطحنا أرضاً وتراكض رواد المقهى والمارة، في حين توجه مطلق النار مسرعاً بين الجموع باتجاه سينما بيكاديلي واختفى. وبعد لحظات بدأ أحد الجنود وهو مصاب بكتفه يطلق النار عشوائياً في الهواء ثم وضع الضابط القتيل والآخر الجريح في سيارتهم العسكرية واتجه نحو شارع عبد العزيز بسرعة للوصول الى مركز تجمع لقوات الإحتلال في عين المريسة… بعد نصف ساعة تقريباً وصلت دورية مؤللة كبيرة لقوات الاحتلال وعمدت الى تطويق المنطقة وقامت باعتقال العديد من المواطنين.

اقتحام مكاتب مجلة صباح الخير ـ البناء.

يورد الأمين محمود غزالي في كتابه «على رصيف الويمبي» عن اقتحام مجلة الحزب من قبل زمر من الجيش اللبناني في زمن أمين الجميّل الذي جيء به خلفاً لأخيه المصروع في 14 أيلول، يقول الأمين محمود: في مجلس روجيه شيخاني الذي كان وزير للإعلام اللبناني، تسرّبت معلومة تقول انّ خالد علوان وأترابه ينفذون عملياتهم ثم يعودون الى مقر صحيفتي «البناء» و «صباح الخير» في منطقة الظريف. وقالت المعلومة انّ خالداً هذا أقام جهاز اتصال لاسلكي في مكتب الصحيفتين وثبت قضيباً معدنياً فوق سطح إحدى الأبنية المجاورة لالتقاط الاتصالات.

فكان ان اقتحمت المكاتب من قبل الجنود الإسرائيلين وتفتيش الغرف ونبش الأرشيف، وانتزاع كلّ الملفات المتعلقة بدراسات عن التوراة والخداع اليهودي.»

في الأسبوع التالي كانت محاولة الثانية حين اقتحم جنود أمين الجميّل مكاتب الصحيفتين فحطموا الأبواب وكسروا الطاولات.. طبعاً من غير طائل.

خالد إنْ حكى…

سجل الشهيد البطل خالد علوان بعض التفاصيل عن دوره كرفيق مقاتل ومقاوم للإحتلال إبان فترة الاجتياح أمنياً وقتالياً، والمهام العسكرية والأمنية التي كلف بها آنذاك… وذلك قبيل استشهاده في كمين نصبه له عملاء إسرائيل في منطقة الجبل في الخامس من شهر أيلول 1984 واستشهد معه الرفيقان المقاومان كمال صالح كفاح أبو راشد ومحمود التقي، في خلال عودتهم من مهمة عسكرية كانوا مكلفين بها.. ولهذا الاستشهاد أيضاً حكاية أخرى…

انا خالد عثمان علوان والدتي خديجة المولود بتاريخ 1962 أكتب…

في سنة 1978 انتميت الى الحزب السوري القومي الاجتماعي منفذية بيروت – مديرية وطى المصيطبة.

تدرّجت بالعمل الحزبي مع منفذ عام بيروت داود باز، عُيّنت مدرّب مديرية وطى المصيطبة في سنة 1980.

في فترة الاجتياح عيّنت قائد موقع الاونيسكو.. ثم جائني أمر حزبي للالتحاق مع مجموعتي الى موقع الحزب في منطقة المتحف.. وقبل يومين من دخول القوات الاسرائيلية الى العاصمة بيروت تلقينا الأوامر للتمركز بعدد من المواقع في بيروت، فالتحقت بموقع الرملة البيضاء الكونتيننتال وبقينا هناك نقاومهم حتى آخر ما استطعنا..

بعد يومين من دخول قوات العدو الى بيروت.. وأثناء مروري بشارع الحمراء قرب مقهى الويمبي شاهدت ثلاثة جنود «اسرائيليين» يشربون القهوة على رصيف المقهى.. «نفذنا» العملية عليهم.. وكما ذكرت كانوا ثلاثة ولم أعرف من أين أتى الرابع ربما من حمام المقهى أو ماراً فأطلقت النار عليه وانطلقت في اتجاه «البيكاديلي».

ويقول في مكان آخر كنا في جولة تفتيش عن العميل وليد الجمل ويضيف إنّ أحد العسكريين كان برتبة نقيب. كان محقاً في تقديره انّ رتبة الظابط كان نقيباً لأنّ جيش العدو بعد حوالي ستة أشهر من العملية أعلن عن تعيين نقيب آخر مكان النقيب الذي قتل في عملية الويمبي وأيضاً يحضر دائماّ في مرويات خالد اسم منفذ عام الطلبة آنذاك الرفيق طوني روكز الذي خطف في 4 تشرين الأول من العام 1982 على يد القوات اللبنانية ولم يزل مصيره قيد المجهول، كونه هو من أحضر لنا مسدساً من عيار 14/9، كما أهدانا الرئيس الأسبق للحزب الدكتور عبدالله سعادة مسدس سميث من عيار 36.

خالد كما عرفته

لم يكن خالد شاباً أسمر الملامح والهيئة كما يصفه الكثيرون أوانه يحلو لهم ذلك. بل أشقر دقيق الملامح رقيقها. بشارب ولحية خفيفة يقترب بها من عمر المراهقة او أكثر بكم سنة. قليل الكلام موجزاً بإجابته إذا سألته. تطلّ عيناه من تحت نظاراته البيضاء الرقيقة فلا تخفى على الناظر إليه لمعة الفرح تلك التي يتميّز بها الشباب تطلّ من زاوية مدمع العين.

عرفته ونحن في مجلة الحزب صباح الخير البناء في منطقة الصنايع والزمان قبيل الاجتياج وبعده.. ولانّ مكتبي كان في الظابق الرابع من المبنى حيث الإدارة والأرشيف والتصوير، فمن الطبيعي ان يكون أكثر هدوءاً من مكاتب التحرير في الطابق الثالث من المبنى ذاته. ومن هنا اختار خالد ان يستعمل مكتبي في بعض «غاراته» الليلية عندما تشتدّ الأمور..

اذكر انه في إحدى المرات دخل إلى المكتب نظر إليّ ولم ينبس بحرف واحد بل التفّ إلى خلفي وفتح «ردياتور» التدفئة ذا الأنابيب الذي يبدو أنه كان قد أفرغه من مياهه سابقاً، وأخرج من قساطله عدداً من أكياس النايلون وبداخلها رصاصات عرفت من حجمها أنها رصاصات مسدس، وبهدوء تامّ عاد وأغلق الردياتور.. نظر إليّ وخرج مبستماً قائلاً: أراك لاحقاً رفيقة اعتدال من غير ان ينبس بكلمة واحدة كأنه يحذرني بأن لا أخبر أحداً مثلا.. وغادر حتى قبل ان أردّ عليه وأسأله متى أراك…

وفي إحدى المرات حيث كانت المجلة عرضة لمضايقات الجيش اللبناني يوم كان في عهدة أمين الجميّل في زمان اتفاق 17 أيار. داهمتنا قوة من الجيش وكنا قد تعوّدنا على تلك الإغارات في تلك المرحلة فلم يكن الأمر ليباغتنا..

وفي إحدى جولات التفتيش التي نبشوا فيها مفروشات المكاتب تكسيراً وتمزيقاً لا لشيء، بل فقط فشة خلق وتصرّف كيدي. وبعدما خرجوا من غير أن يجدوا «الكلاشينكوف» الذي نشره خالد على بلكون غرفة تحميض الصور.. في زمن الأبيض والأسود… على حبل الغسيل ورمى عليه منشفة الحمام خاصته..

ولم أره لاحقاً…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى