في الجمعية العامة.. ترامب يتحدث عن أهدافه ويطالب بأولويّاته.. متناسياً وجود نظرائه!

سماهر الخطيب

تحتل الجمعية العامة، التي أنشئت في عام 1945 بموجب ميثاق الأمم المتحدة، موقع الصدارة بين الأجهزة الستة الرئيسية للأمم المتحدة. لأنها الجهاز الرئيسي للتداول وتقرير السياسات والتمثيل في الأمم المتحدة.

وتضمّ الجمعية العامة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة، حيث تتمتع كلها بتمثيل متساوٍ وفق قاعدة صوت واحد لكل دولة. وتناقش الدول الأعضاء في هذا المنتدى العالمي الفريد عملها المشترك في طائفة واسعة من القضايا الدولية التي يشملها الميثاق، مثل التنمية والسلام والأمن والقانون الدولي وغيرها.

الولايات المتحدة تنتهك مبادئ الجمعية العامة..

وفي هذا الصّدد لا يحق لأي دولة منع رديفتها من الحضور والتمثيل كون الجميع متساوياً في هذه الجمعية المصغّرة عن العالم أجمع.. وما قامت به الولايات المتحدة بداية من منع إصدار تأشيرات دخول للوفد الإيراني كان حلقة جديدة من حلقات انتهاكها للقانون الدولي والشرعة الدولية.. وليس الوفد الإيراني مَن ناله ذاك السخط الأميركي فالوفد الروسي أيضاً قد صبّت عليه غضبها بمنعها منح تأشيرات الدخول لأراضيها، مع العلم أن هذا الدخول هو لغاية حضور وتمثيل في اجتماع قانوني في ديباجته الأولى الجميع سواسية.. ما يجعل الإجراء الأميركي غير مقبول ويثير القلق.

كون واشنطن تنتهك التزاماتها الدولية. ولا يحق لها منع إصدار تأشيرات الدخول لوفد رسمي، يتجه للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، فالحديث هنا لا يدور عن العلاقات الثنائية، بل عن الالتزامات الأميركية.

انطلاق أعمال الدورة الـ74

وانطلقت أعمال الدورة الـ 74 للجمعية العامة الأممية، أمس، تزامناً مع توتر كبير في منطقة الخليج بين إيران من جهة والولايات المتحدة وحلفائها، خاصة السعودية و»إسرائيل»، من جهة أخرى.

فيما عدا ذلك ومع افتتاح الجلسة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة وفي جعبة كل رئيس الكثير من الملفات والقضايا الشائكة والحلول المطروحة بدأها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الذي حذّر في افتتاح أعمال الجمعية العامة الأممية، من احتمال اندلاع حرب في منطقة الخليج لن يستطيع العالم تحمل تداعياتها..

غوتيريس يحذّر من اندلاع حرب..

وقال غوتيريس، في كلمة ألقاها أمس، «نشاهد حالياً احتمالاً مقلقاً لاندلاع نزاع مسلح في منطقة الخليج لا يستطيع العالم تحمل تداعياته».

ووصف الأمين العام للأمم المتحدة الهجوم الذي استهدف منشأتين حيويتين لشركة «أرامكو»، في وقت سابق من أيلول، بغير المقبول على الإطلاق، فيما أعرب عن أمله في «الحفاظ على التقدم الذي تم إحرازه في مجال منع انتشار الأسلحة النووية بفضل خطة العمل الشاملة المشتركة الخاصة ببرنامج إيران النووي».

وأشار غوتيريس في كلمة إلى دائرة واسعة من النزاعات والخلافات في العالم، وقال: «في ظلّ احتمال تسبب أي إساءة صغيرة في التقدير إلى اندلاع مواجهة كبرى، يجب علينا أن نفعل كل شيء ممكن لتحقيق الالتزام بالعقلانية وضبط النفس».

تقرير الأمين العام..

من جهة أخرى، أكد الأمين العام في تقريره السنوي أن «العمل الجماعي هو الطريق الوحيد لمواجهة التحديات العالمية»، مضيفاً «أن التحديات العالمية في هذا العصر تستلزم حلولاً عالمية، وعلينا أن نظهر مزايا التعاون متعدد الأطراف بطريقة مستمرة».

ويوثق التقرير المكوّن من 120 صفحة التقدم الذي أحرزته المنظمة خلال العام الماضي، عندما يتعلق الأمر بالتنمية المستدامة والأمن والسلام بما في ذلك تنمية أفريقيا وحقوق الإنسان والمساعدة الإنسانية والقانون الدولي ونزع السلاح ومنع الجريمة، إلى جانب مكافحة الإرهاب.

وفي مقدمة تقريره قال غوتيريس إن «التحديات العالمية تتطلب حلولاً عالمية»، مضيفاً أنه «لا يكفي إعلان فضيلة تعددية الأطراف علينا أن نثبت قيمتها المضافة»، مشدداً على أن «التحديات الخطيرة التي تواجه العالم الآن، وقبل كل شيء المخاطر الناجمة عن تغير المناخ الجامح، تتطلب الاهتمام ولا يمكن لأي دولة عضو أو منظمة أن تحلّها بمفردها».

ويهدف تقرير عام 2019 عن أعمال المنظمة إلى «وضع معيار جديد للشفافية والمساءلة في الأمم المتحدة، لإعطاء القرّاء منظوراً جديداً لحالة العالم وكيفية تحقيق الأمم المتحدة لأهدافها من خلال نتائج ملموسة».

يقول الأمين العام إن «العام الماضي يوضح على حد سواء ما يمكن أن تنجزه منظومة الأمم المتحدة عندما نعمل معاً، وما يجب علينا أن نفعله لتحقيق المزيد من التقدم».

وبمساعدة الأمم المتحدة في العام الماضي، تمّ «حشد 15 مليار دولار للمساعدة الإنسانية لصالح 133 مليون شخص محتاج، كما عملت 40 بعثة ومكتباً سياسياً وبعثة حفظ السلام على تعزيز السلام ومنع الصراع».

بالإضافة إلى ذلك، قامت المنظمة بتجديد نظامها الإنمائي بأكمله بحيث يمكن تقديم 33 مليار دولار من المساعدات الإنمائية، عبر 165 دولة، بشكل أفضل. وأطلق أمين عام الأمم المتحدة خطة جديدة لنزع السلاح خلال العام الماضي، وتمّ الوصول إلى 600 مليون شخص على الأقل من خلال حملة الاحتفال بالذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ومع ذلك، قال الأمين العام إن «تزايد حالات عدم المساواة والأحداث المناخيّة القاسية وفقدان التنوّع البيولوجي وتزايد العنف ضد النساء والفتيات والفقر المتفشي، تواصل جعل المساعدة الإنسانية ضرورية».

ومع اقتراب المنظمة من الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسها العام المقبل، قال السيد غوتيريس إنه «رأى خيطاً مشتركاً عبر هذه الظروف المتنوّعة: وهو الاقتناع العميق من الناس في جميع أنحاء العالم، بأن الأمم المتحدة يجب أن ترقى إلى مستوى مثُلها العليا».

يقول غوتيريس إن العام الماضي قد عزز اقتناعه بأنه «لا توجد وسيلة أخرى للتصدي للتحديات العالمية إلا بالعمل الجماعي». وحثّ على «الالتزام بهذه الرؤية الآن أكثر من أي وقت مضى».

ترامب: نحن فى زمن التحدّيات الواضحة

وتماشياً مع بروتوكول الجمعية العامة، كانت الكلمة الثانية للدولة المضيفة، الولايات المتحدة الأميركية والتي افتتحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستعراض حول هذه الجمعية وكم مرّ عليها من رؤساء طوال سنوات وقال الرئيس الأميركي إن «سبعة عقود من التاريخ مرّت بقاعة الأمم المتحدة بغناها وما شهدته من مشاكل، رأينا قادة فى ذروة الحرب الباردة، رأينا دولاً تنهض، وثواراً ملهمين منحونا الشجاعة، حضروا لتشارك الرؤى والأفكار من شتى دول العالم، نحن فى زمن التحدّيات الواضحة».

ولم ينسَ التطرق لأهدافها إنما فضّل التطرّق لأهدافه متغنياً بإنجازاته متجاوزاً إنجازات هذه الهيئة ومتناسياً أهدافها.. ومتحدثاً عن ملفاته وأولوياته.. وأضاف ترامب خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن «الولايات المتحدة تملك أقوى جيش فى العالم، وآمل ألا نستخدم هذه القوة، وهي تستخدم هذه القوة لإرساء مبادئ الحرية والديمقراطية».

ولم ينس التطرق في كلمته إلى إيران، قائلاً: «النظام الإيراني قمعي ويرفض السلام ويبدد ثروات شعبه للحصول على سلاح نوويّ ولن نسمح بذلك». وتابع: «النظام الإيراني زاد من عدوانه غير المبرر بعد انسحابنا من الاتفاق النووي وآخر هجماته استهدفت منشآت النفط السعودية».

اتهم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، إيران بأنها «تمثل أحد أكبر التهديدات للعالم»، متعهداً بـ»تشديد العقوبات ضد البلاد حتى تغير تصرفاتها».

وقال ترامب، في كلمة ألقاها أمس، إن «إيران تمثل أحد أكبر التهديدات لدول العالم المحبة للسلام»، معتبراً أن «النظام الإيرانيّ يشكل أبرز داعم للإرهاب الدولي ويرفض السلام ويغذي الحروب، خاصة في اليمن، وينفق أموال البلاد للتسلّح بدل تحقيق مصالح الشعب» على حدّ قوله.

وأشار ترامب إلى «ضرورة منع إيران من الحصول على سلاح نووي»، موضحاً أن «الولايات المتحدة ولهذا السبب انسحبت من الاتفاق النووي وفرضت عقوبات اقتصادية على البلاد».

واتهم ترامب السلطات الإيرانية بـ»تصعيد أعمالها العدوانية في محاولة منها لتحقيق إلغاء العقوبات»، معتبراً أن «إيران هي مَن يقف وراء الهجوم على شركة أرامكو السعودية، بينما تحاول إلقاء اللوم على الآخرين عن أعمالها».

ودعا الرئيس الأميركي كل دول العالم إلى «اتخاذ إجراءات لردع الحكومة الإيرانية ومنع حصولها على أسلحة نووية»، مضيفاً: «من الضروري ألا تقوم أي دولة مسؤولة بتمويل تعطش إيران للدماء»، بحسب قوله.

وتعهد ترامب في كلمته باتخاذ نهج أقسى تجاه الجمهورية الإسلامية، قائلاً: «لن يتم إلغاء العقوبات طالما تواصل إيران تصرفاتها المهددة. بل سيتم تشديد العقوبات».

وأكد ترامب أن «العقوبات على إيران ستستمر وتعزز ما دامت مستمرة في سلوكها»، داعياً كل دول العالم لـ»التحرك لمواجهة الخطر الإيراني».

وعليه، يظهر ترامب عدم إصراره على سيناريو القوة، بسبب عدم القدرة على التنبؤ بعواقبه، مفضلاً الاستمرار في خنق طهران اقتصادياً من خلال مختلف العقوبات والسعي إلى عزلتها السياسية، بتشكيل تحالف دولي ضد إيران.

ومن اللافت للنظر أن موقف ترامب الحالي يتناقض بحدة مع سلوكه في العام 2017. فحينها، وبعد أقل من ثلاثة أشهر من توليه منصبه، لم ينتظر سوى يومين لإعطاء الأمر بغارات جوية ضدّ سورية بسبب هجوم كيميائي مزعوم.

وهكذا، فيبدو أن ترامب، المعروف باندفاعه، يتوخى الحذر على خلفية حملته الانتخابية. فهو بغنى عن قفزة في أسعار النفط تنجم عن اندلاع حرب مع إيران وتؤثر سلباً في الاقتصاد العالمي، بما فيه الأميركي، قبل عام من الانتخابات. وهو مقتنع أيضاً بأن على المملكة العربية السعودية «المشاركة الفعالة أيضاً في اللعبة»، في هذه الحالة.

وعن أزمة الحرب التجارية مع الصين، قال ترامب، «الولايات المتحدة خسرت نسبة كبيرة من مصانعها نتيجة المنافسة الصينية»، مطالباً «الصين باحترام الاتفاقيات المتعلقة بهونغ كونغ».

وطالب ترامب كوريا الشمالية بـ»نزع سلاحها النووي». وحول الشرق الأوسط، أكد ترامب على «ضرورة العمل على تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة».

ورأى ترامب أن هناك اعترافاً متزايداً في الشرق الأوسط بوجود نقاط مشتركة مع «إسرائيل» في مواجهة التهديد الإيراني، مشدداً على أنه حان الوقت لقادة إيران بالتقدم نحو الأمام والتوقف عن تهديد الدول الأخرى.

وعليه يظهر جلياً من ذاك الخطاب التعصّب نحو الحليف «الإسرائيلي» وكأنما أخذ ترامب توكيلاً من الغائب نتنياهو ليتحدث باسمه ويرصد حضوره الغائب..

ادفعوا مقابل الحماية

كما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن بلاده «لا تسعى لصراع مع دول أخرى، لكنها ستدافع عن مصالحها»، مؤكداً أن «أميركا مستعدة للصداقة مع كل الأطراف التي تسعى إلى السلام والاحترام».

كما اعتبر أن «القوة الأميركية لا نظير لها»، متوقعاً من الشركاء أن «يدفعوا العبء الاقتصادي».

وإذ أكد أن «أميركا أصبحت المنتج الأول للنفط والغاز في العالم»، شدّد ترامب قائلاً «نتوقع من شركائنا وحلفائنا أن يدفعوا مقابل حماية أمنهم»، في إشارة إلى السعودية ودول أخرى من دون أن يسميها.

كما طالب أوروبا بدفع المزيد من الأموال لمصلحة أوكرانيا كما أكد «نريد شركاء وليس خصوماً ولذلك بدأنا بعمل دبلوماسي جريء في شبه الجزيرة الكورية».

وإذ اعتبر أن «المستقبل لا ينتمي إلى من يؤيد العولمة»، أشار إلى «دول مستقلة تحترم جيرانها ولا تتدخل في شؤونهم».

وإذ شدد أن «هدف أميركا ليس الاستمرار في حروب لا تنتهي»، لفت إلى أن بلاده «تسعى لمستقبل مزدهر في أفغانستان».

ورأى أن «حركة طالبان اختارت الاستمرار في اعتداءاتها في أفغانستان».

كما أكد أن «أميركا مستعدة لتوقيع اتفاق تجاري مع بريطانيا يصبّ في مصلحة البلدين».

الرئيس الأميركي قال إن «الصين اعتمدت أسراراً تجارية واتبعت نموذجاً يقوم على الدعم والتلاعب بسعر الصرف ونهب حقوق الملكية الفكرية».

وبرر أنه لمواجهة ممارسات الصين غير العادلة «قررت واشنطن فرض رسوم جمركية عليها ما أدى إلى حصول خزانتنا على المليارات». إلا أنه أكد «استعداد بلاده للعمل مع الصين من أجل التوصل إلى اتفاق ولكن غير سيئ».

ترامب أكد أن بلاده «ملتزمة بدعم الشعوب التي تخضع لأنظمة قمعية مثل كوبا وفنزويلا».

واعتبر أن «الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو هو ديكتاتور وهو دمية بيد كوبا التي تسرق الثروة النفطية الفنزويلية».

ولفت إلى أن «أميركا تراقب الوضع في فنزويلا عن كثب، وتنتظر اليوم الذي تعود إليها الحرية»، معتبراً أن «الاشتراكية خطرة وهي تدمر الدول».

كما دعا إلى «اتخاذ إجراءات من أجل حماية الحرية والديمقراطية ورفض الأنظمة التي تريد السيطرة»، مشيراً إلى أن «هناك بيروقراطية تسعى إلى إضعاف الأنظمة الديمقراطية وأنه لا يمكن السماح لمواقع التواصل بإسكات صوت الشعب».

خطاب تحريضي مكتفئ على نفسه

ويتضح جلياً أنّ الرئيس الأميركي وعبر خطابه التحريضي المكتفئ على نفسه قد ضرب مسماراً في النعش الأميركي حينما تحدث عن القوميات والدول المستقلة وكأنّ الولايات المتحدة تتكئ على جدار من الحضارة والقومية الواحدة وكأنها لم تنشأ على أنقاض الإجرام والرقيق وغيرها..

وليست «أميركا أولاً» في العقلية الترامبية سوى عقار يسعى لرفع سعره في سوق العقارات العالمية إنما وبلا حذر وبسياسات متضاربة يتجه نحو الأفول نجمه كما تتجه أميركا نحو الهاوية وفق سياسات مدراءها المصلحية دونما أدنى حس بالمسؤولية الدولية.. ولربما أصاب مديرها الحالي الغرور وضربٌ من جنون العظمة حينما وجد نفسه يلقي خطاباً أمام ممثلي الدول ظناً منه أنه يرأسهم.. ويفنّد في ملفاته ويعرّب ما بين أعداءه وحلفاءه ويمضي في استراتيجيته المصلحية ملوّحاً بالعقوبات والمكافئات ما بين هنا وهناك عسى أن يجد مكاناً في إمبراطوريته الجديدة فلم يكن خطاباً في الأمم المتحدة بقدر ما كان خطاباً انتخابياً موجهاً لجمهوره الأميركي..

فتأمل يرعاك الله..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى