الجميع دون استثناء…

خالد الداعوق

الأكيد أنّ بلدنا لبنان يمرّ بظروف قاسية وصعبة جداً لم يشهدها في أيّ مرحلة من تاريخه، على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية…

صحيح أنّ لبنان بلد صغير المساحة وعدد سكانه محدود قياساً إلى أحجام الدول القريبة والبعيدة، لكن الصحيح أيضاً أنّ موقعه الجغرافي المميّز جعله قبلة أنظار الدول الاستعمارية الكبرى في كلّ الأزمان، حتى قبل تكوّنه بالشكل الذي نعرفه اليوم، أيّ قبل إعلان دولة لبنان الكبير من قبل الانتداب الفرنسي عام 1920.

وبما أنّ بلدنا مكوّن من طوائف ومذاهب عدة، تمكّنت الدول المتدخلة في شؤوننا من شرذمتنا، بحيث صار كلّ مذهب تحت جناح دولة معيّنة ينفذ سياساتها ويحقق مصالحها حتى لو أتت على حساب مصلحتنا الوطنية.

وعلى مرّ الزمن والحقبات تغيّر المتدخلون الخارجيون بينما بقيت عقلية التبعية هي السائدة في كلّ المراحل، ليشكل ذلك دليلاً قاطعاً على أنّ العلة هي من الداخل وفيه وليست من الخارج الذي من الطبيعي أن يستغلّ أوضاعنا السيّئة ويجعلنا نقطة انطلاق لتدخله في المنطقة بأسرها لتمرير مصالحه وتحقيق أهدافه، ومن دون اهتمام بمدى قدرة هذا البلد الصغير ومواطنيه على تحمّل نتائج السياسات الكبرى التي تمرّ على حسابه… لا سيما لجهة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي استمرّت بالانتقال من سيّئ إلى أسوأ حتى وصلنا إلى القعر الذي نحن فيه اليوم.

وحتى لا نغوص كثيراً في المراحل التاريخية، حسبنا قراءة واقعنا الحالي وما وصلنا إليه من أوضاع بات كلّ شيء فيها مهدّداً، وهو تهديد يطال الجميع ولا يميّز بين الناس على أساس مذهبي أو طائفي، ولا يميّز حتى بين غني وفقير حيث نرى أغنياء وأصحاب مؤسسات كبرى مهدّدين بأعمالهم وأرزاقهم ومعهم موظفوهم الذين لا ذنب لهم سوى أنهم يدفعون ضريبة الارتهان للخارج…!

هل من علاج لأوضاعنا هذه؟ بالتأكيد العلاج موجود، إنما حتماً يحتاج إلى بعض الوقت ليعطي النتيجة المطلوبة، ولكن هذه النتيجة لن تأتي إلا إذا بدأنا بالعلاج، أما إذا بقيت الأمور في دائرة الخطط والدراسات والنوايا الحسنة، فإنّ المشاكل والأزمات سوف تتفاقم وتزداد ليصبح بعدها العلاج مستحيلاً.

لنأخذ مثلاً مشكلة الكهرباء، هل يُعقل أنّ فترات التغذية بالتيار كانت أفضل بكثير في زمن الحرب الأهلية، وها نحن بعد نحو ثلاثين سنة على انتهاء تلك الحرب المشؤومة لم نستطع حلّ هذه المعضلة العويصة فيما أضيئت الأدغال في دول العالم.

ومثل الكهرباء هناك سياستنا النقدية التي صار عمرها أيضاً نحو ثلاثين سنة، ولا تزال هي نفسها رغم أنّ الاقتصاد يتغيّر ويتطلب سياسات مختلفة. طبعاً ليست السياسة النقدية وحدها المسؤولة عمّا وصلنا إليه، ويمكن القول إنّ هذه السياسة كانت جيدة في بدايتها وأدّت إلى نوع من الاستقرار الاجتماعي بعد سنوات من عدم الاستقرار نتيجة تدنّي سعر العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية وتحديداً أمام الدولار الأميركي، لكن المشكلة كانت في غياب الرؤية الاقتصادية الصحيحة، وعدم مواكبة السياسة النقدية بخطط وإجراءات من شأنها تنمية دورة الاقتصاد الوطني بقطاعاته الإنتاجية كافة، بما يحقق نسبة نمو ممتازة ومستدامة، لتكون هي ركيزة الاستقرار الاجتماعي بدلاً من سياسة تثبيت العملة.

هناك بالتأكيد مشاكل وأزمات اقتصادية عديدة في البلد ويمكن الاستغراق في تعدادها والحديث عنها، ولكن حتى لا نطيل نقول إنّ العلاجات اليوم قد تكون أصعب من السابق، لكنها لا تزال ممكنة، والأمر يتطلّب قراراً سياسياً موحداً واستعداداً مشتركاً لتحمّل أوجاع العلاج الذي لا بدّ منه كما قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مع التنبيه الضروري إلى أنّ هذا العلاج لن يكون مفيداً إذا جرى استثناء فئة أو قطاع من تحمّل نصيبه من الوجع.

أمين عام منبر الوحدة الوطنية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى