العمري: واشنطن لن تتخلى عن مشروعها في المنطقة وستتمسك بالركبان وقد تطلق يد داعش من جديد سنجر: سورية والعراق ليسا ببعيدين عن النظام الاقتصادي الجديد الآخذ بالتشكل والذي تقوده الصين
سعد الله الخليل
بعد التأجيل أكثر من مرة افتتحت السلطات السورية والعراقية معبر البوكمال القائم وبعد استكمال الترتيبات اللوجستية والأمنية على طرفي الحدود بين سورية والعراق لتأمين انسيابية حركة البضائع والأشخاص بينهما، خاصة أن المعبر شريان اقتصادي تجاري مشترك، لكونه يبعد عن مدينة البوكمال على الضفة اليمنى لنهر الفرات حوالي خمسة كيلو مترات فقط وعن مدينة دير الزور 135 كيلومتراً. وكان افتتاح المعبر من الأولويات السورية منذ تحرير المدينة من تنظيم داعش الإرهابي في تشرين الثاني 2017 ويحمل افتتاح المعبر رسائل سياسية واقتصادية على مستوى المنطقة تتجاوز سورية والعراق.
رسائل سياسية
يرى محمد العمري الكاتب والباحث السياسي المختص بالعلاقات الدولية أن افتتاح المعبر يحمل رسائل سياسية اقتصادية وأمنية عسكرية في ظل الصراع الجيوسياسي في المنطقة. وأضاف في حديثه لـ»البناء» «يمكن القول بأن الإرادة السياسية للدولتين السورية والعراقية انتصرت بوجه المشاريع الأميركية في عزل الدولتين وإغلاق طريق التواصل البري بينهما عبر نشر تنظيم داعش أو المشاريع الانفصالية التي غذتها واشنطن بالدرجة الأولى، وبالدرجة الثانية تحدّ للمشروع والإرادة الأميركية في هذه المنطقة التي تسعى للسيطرة عليها لضرب محور المقاومة وتقسيم المنطقة بالدرجة الثالثة». وتابع « تأتي أهمية القرار السياسي بالافتتاح لكونه أتى بشكل منفرد دون أي تدخل من الولايات الأميركية ولكونه يتوسط معبر التنف الذي تقيم فيه الولايات المتحدة قاعدة عسكرية لاستهداف التواصل السوري العراقي، والمعبر الثالث في الشمال السوري في الشدادي الذي تسيطر عليه ميليشات قسد». وحول ردة الفعل الأميركية قال العمري «واشنطن لن تتخلى عن مشروعها بسهولة وستحاول استهداف معبر البوكمال القائم عبر إعادة نشر فلول تنظيم داعش في البادية السورية كما حصل خلال الأيام الماضية. وبالتالي الأيام المقبلة تتطلب العمل بمسارين تنظيف البادية السورية من جيوب داعش وتفعيل المسار السوري الروسي بالعمل على تفكيك مخيم الركبان وعزل قاعدة التنف عن الجغرافية السورية لافتقار الولايات المتحدة لأساليب الضغط في الداخل السوري ما يدفع بواشنطن للتمسك بمخيم الركبان بهدف توظيف الملف الإنساني والكيمائي كل حسب أولوياتها وطبيعة المعركة».
وتابع العمري «بالنظر للهدف الاستراتيجي من الغزو الاميركي للعراق الذي كان الذهاب نحو تحويل الفوضى على مستوى الخريطة الإقليمية واستهداف سورية وإيران بشكل اساسي ومحور عبر نشر الفوضى وخلق كينونة من النظام الطائفي عبر دستور بريمر 2006 ونقل رقعة الشطرنج إلى كل من سورية والعراق، فإن فشل ذلك المشروع حول الخطة الأميركية إلى نشر الإرهاب حيث هيّأت واشنطن الظروف المناسبة لهذه المناخات الإرهابية عبر تدريب المجاميع الإرهابية واتخاذ سجن أبو غريب منطلقاً لإدارة عملها وصولاً لتشكيل التنظيمات الإرهابية كتنظيم داعش والتحضير لإدارة الحرب الإرهابية على سورية منذ بدايتها والسعي لإمساك تلك الجماعات بالحدود السورية سواء مع العراق أو تركيا أو الأردن ولبنان بالمقوّمات الاقتصادية وإطباق الحصار على الدولة السورية واستهداف الاقتصاد السوري».
ضغوط أميركيّة على العراق
يعتقد العمري أن الفترة السابقة وخاصة بعد التنسيق بين الجيشين السوري والعراقي وفصائل المقاومة ستشهد ضغوطاً كبيرة أميركية على القيادة العراقية لكبح نتائج هذا التعاون العسكري الذي يُعدّ الأول بين جيشين عربيين منذ حرب تشرين التحريرية للقضاء على التنظيمات الإرهابية. وأضاف «الولايات المتحدة ستمارس ضغوطاً على العراق كما حصل في السابق مع الأردن عبر تهديد السفارة الأميركية للعراق ورجال الأعمال العراقيين بفرض العقوبات الاقتصادية في حال تزويد سورية بمقوّمات الصمود ومقوّمات الحياة من نفط ونقل المواد الأساسية أو شراء التجار العراقيين المستوردات السورية بهدف إحكام قبضتها على الاقتصاد السوري أما المنحى الثاني فعبر الجانب العسكري قد تسعى الولايات المتحدة بإطلاق يد تنظيم داعش مجدداً على جانبي الحدود السورية العراقية لفرض أمر واقع لإغلاق المعبر وتهديد سلامة أمن المعبر وقد نشهد استهداف الكيان الإسرائيلي وبدعم من سلاح الجو الأميركي باستهداف المناطق القريبة من معبر القائم تحت ذريعة استهداف ما يُسمّى عمليات نقل الأسلحة عبر المعبر». وتابع «السيناريو الثالث قد نشهد ضغطاً دبلوماسياً لمنع توطيد العلاقات السورية العراقية لكونها لا تتناسب مع المصالح الأميركية. وبالتالي فإن العنوان العريض سياسة العقوبات والمنحى الأمني والعسكري لردع الحكومة العراقية من التعاون الاقتصادي والتجاري مع سورية أو التهديد الأمني بإعادة إحياء تنظيم داعش».
مفاعيل اقتصادية كبرى
الدكتور ماهر سنجر المختصّ في الإدارة الاستراتيجية الدولية يرى أنه لا يمكن فصل افتتاح المعبر بين سورية والعراق عن الأحداث والتغيرات الاقتصادية الحاصلة فمن يتابع ما يحصل في العراق من تغيرات اقتصادية يمكن له أن يتلمّس أولويات العراق من ناحية استعادة التوازن الاقتصادي من خلال تفعيل كافة الموارد بما فيها المعابر الحدودية فمنذ فترة لا بأس بها أعاد العراق تفعيل اسطوله البحري لنقل النفط بعد توقف دام سنوات. أما على الجانب الآخر من الحدود فكان للدولة السورية كلمتها في حرب المعابر الحدوديّة رغم كل المعوّقات الاقتصادية وغير الاقتصادية الكثيرة التي لسنا بصدد ذكرها.
وأضاف في حديث لـ»البناء» «إن تفعيل المعبر بالشكل الاقتصادي الأمثل من قبل كلتا الدولتين هو مصلحة مشتركة أبعادها كثيرة من أهمها الاستفادة من العمق الجغرافي والاقتصادي لسورية والعراق فالدولتان مدركتان تماماً أهمية افتتاح المعبر استراتيجياً. وهو كان حصيلة جملة من الاجتماعات والحملات العسكرية خلال السنوات السابقة على طرفي المعبر».
ويضيف «على قدر استراتيجية وأهمية المعبر كان توقيت الإعلان عن إعادة افتتاحه استراتيجياً بالقدر ذاته من الأهمية فلا يمكن لأي مهتم بالشأن الاقتصادي إلا أن يدرك أهمية هذا التوقيت وأبعاده الاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية منها. فزمنياً نحن على أبواب الشتاء مما سيسمح للدول المستوردة للنفط كسورية ولبنان من الاستفادة من ثاني أكبر منتج في منظمة أوبك. وبالتالي إحداث نوع من الخلل وإضعاف أثر الإجراءات الاقتصادية العقوبات أحادية الجانب المفروضة على الدولة السورية. فالنظر للمعبر كممر أو مجرد جسر يربط بين الدولتين هي رؤية قاصرة وعلى العكس تماماً يتوجّب النظر إلى هذا الموضوع من ناحية إقليميّة ودوليّة. فالتغيّرات الاقتصادية للأسف شديدة الوقع على الجميع، ومنهم لبنان الذي سيتمكّن من خلال هذا المعبر من الربط بين المرافئ البحرية أو الجافة لديه مع العراق من خلال معبر القائم».
ويعتبر سنجر افتتاح المعبر استكمالاً لعقدة الربط بين القارات التي بدأ العمل عليها منذ افتتاح معبر نصيب الحدودي مع الأردن، وما هو إلا مرحلة في طريق إعادة الوضع الاقتصادي لما كان عليه قبل الأزمة في سورية من جهة تعظيم المنافع الاقتصادية من الموارد المتاحة والاعتماد الذاتي، ومن جهة تعظيم القيم الاقتصادية والاستفادة القصوى من موقع سورية الجغرافي وديموغرافية المنطقة ككل. فإعادة الربط الجغرافي ستنعكس إيجاباً على كلف الشحن والبضائع للجميع بما فيها دول الجوار، وعلى حجم التبادل الجغرافي والذي بلغ حوالي 5 مليارات ليرة سورية فقط بين العراق وسورية في العام /2011/ من جهة نتيجة لجملة من الجهود والتحضيرات الاقتصادية والعسكرية السابقة، من جهة أخرى ويقول «مَن يراجع الاتفاقيات الموقعة وحجم الاجتماعات بين الجانبين السوري والعراقي له أن يدرك كم التحضير الذي أخذ منحى الاتفاقيات والإجراءات والتعاون الثنائي ونذكر من هذه الاتفاقيات: تأسيس شركة للنقل المشترك مع اسطول ضخم من السيارات الحديثة، وإنشاء التجمعات التجارية على شكل مولات لعرض منتجات الطرفين واتفاقية التعاون الجمركي منذ العام 2011 واتفاقيات غرفة التجارة السورية العراقية المشتركة، اتفاقية اللجنة السورية العراقية لتطوير التعاون في مجالات عدة بينها التبادل التجاري بين سورية والعراق».
ويتابع «الكثير من القطاعات الاقتصادية انتظرت افتتاح المعبر لمساهمته في تفعيل دوران عجلة الإنتاج ورفع كفاءة الاتفاقيات العربية أيضاً كاتفاقية تنمية التبادل التجاري بين الدول العربية ومنطقة التجارة الحرة العربية بالإضافة إلى المئات من الاتفاقيات الفردية بين الشركات السورية والعراقية كاتفاقيات شركات الشحن والقطاع السياحي واتحاد التأمين اتفاقية سير المركبات/ التأمين الموحّد والجامعات وغيرها».
وعن رسالة الافتتاح يقول «لا يمكن لنا قراءتها على أساس بعد واحد فقط ألا وهو تفعيل لنقل البضائع والمسافرين بل تتوجب قراءتها بأكثر من بعد انطلاقاً من استعادة زخم العلاقات بين سورية والعراق والردّ بإجراءات عملية على المضاربات من خلال رفع إنتاجية المصانع السورية وفتح أسواق تصريف خارجية جديدة ورفع حجم التبادل التجاري وفقاً للموارد الاقتصادية المتاحة وليس انتهاء بإضعاف اقتصاد الظل. فالعنوان الحقيقي لهذه الرسالة أن سورية والعراق ليسا ببعيدين عن مشروع «الحزام والطريق» أو ما يطلق عليه طريق الحرير الجديد. وليسا ببعيدين عن النظام الاقتصادي الجديد الآخذ بالتشكل والذي تقوده الصين. وفي الحقيقة التحضيرات التي اتخذت خلال السنوات السابقة من سورية والعراق ترفع لها القبعة».
ويتابع من المتوقع محاولة بعض الدول التأثير على نتائج افتتاح المعبر من الناحية الأمنية، أما اقتصادياً فالمعبر بدأ العمل وسيبدأ معه الكثير من الأثر الاقتصادي الجيد لدى سورية والعراق، بخاصة في ظل جو من الإرادة الحقيقية والمشتركة بين الطرفين للوصول إلى تبادل تجاري حقيقي وفي ظل آمال مستقبلية بحرية أكبر لتنقلات البضائع والمسافرين لكل دول المنطقة.