الوضع المالي الهشّ في لبنان بين غضب الشارع وقلق العارفين والمعالجات السطحيّة محاولات لابتزاز عون بخياراته… وحردان لحال طوارئ اقتصادية و الورقة القوميّة
كتب المحرّر السياسيّ
في خطوة تحدٍّ نوعيّ للخط الأحمر الأميركي الإسرائيلي المعلن منذ سنوات، أعلنت حكومتا بغداد ودمشق في سياق احتفالي فتح معبر البوكمال الحدودي بين العراق وسورية، ليكون الطريق بينهما مفتوحاً أمام تدفق حر وآمن للبضائع والأفراد تحت سلطة ورقابة وإشراف الجيشين الوطنيين السوري والعراقي، خالياً من أي وصاية أو رقابة أو تدخل لأي قوة أجنبية، وهو ما يعتبره الخبراء في الشأن الإقليمي سواء من الغرب أو من الشرق، نهاية مرحلة وبداية مرحلة وتحولاً نوعياً في التوازنات السائدة على ساحة المساحة الممتدة من البحر المتوسط حتى إيران، ولم تخفِ واشنطن وتل أبيب خلال سنوات تحذيراتهما العلنية من تواصل الجغرافيا السورية العراقية، واعتباره خطاً أحمر بذل الأميركيون و الإسرائيليون الكثير لمنعه، وشكل تخطّي التهديد والفوز بالتكامل الاستراتيجي الذي يؤسس له الإعلان، توفير فرص اقتصادية ونفطية وتعاون أمني، يتواصل مع الانفتاح الموازي بين العراق وإيران، ومشروع سكة الحديد التي تربط البلدان الثلاثة، ما يوجّه صفعة قاسية للغة العقوبات والحصار، بمثل ما يؤمن التواصل الاستراتيجي بين أطراف محور المقاومة الأمر الذي يؤرق تل أبيب ويربك واشنطن. وقالت مصادر اقتصادية لبنانية، إن لبنان الرسمي يجب أن يسارع للتواصل مع الحكومة السورية بعد اكتمال عقدتي معبر نصيب ومعبر البوكمال، لتوفير أعلى درجات التعاون اللبناني السوري بما يفتح بوابات التصدير والترانزيت أمام الاقتصاد اللبناني الذي يعيش أسوأ أيامه، وتقوم الحكومة بإخضاع مصالحه الحيوية وحاجاته الوجودية لحسابات سياسية ضيقة، تتصل بأحقاد السياسيين والتزاماتهم الخارجية، عكس المصلحة اللبنانية العليا التي يفترض أن تكون هي المحرّك الوحيد لمواقف كل من يتولّى المسؤولية الحكومية.
على الطريقة ذاتها بإدارة الظهر للفرص المتاحة، إدارة ظهر للمشاكل القائمة، والمعالجات الحكومية سطحية كما قالت مصادر مالية، فتعميم مصرف لبنان ينظم السحوبات، لكنه لا يحل المشكلة، والتفاعل الحكومي بارد وباهت مع الأزمة الناتجة عن نقص عرض الدولار الذي شحت مصادره، سواء بسبب تراجع المال السياسي ومال الاغتراب او ضعف السياحة، خصوصاً ضعف التصدير. وقالت المصادر إنه من الصعب الرهان على خطط تنجح في المدى القريب بضخ موارد من العملات الصعبة في الأسواق، باستثناء أموال مؤتمر سيدر، التي ستبدأ بالربيع بالتدفق إلى الأسواق إذا سار كل شيء كما يجب، علماً أن اموال سيدر ديون جديدة سيرتفع معها الدين ويتراجع الاقتصاد، ويزداد حجم الدين بالنسبة للاقتصاد، ورغم ذلك تبقى سنداً مفيداً في البعد المتصل بميزان المدفوعات وما يتصل بالضغط على العملات الصعبة. وأضافت المصادر أن ما يجب فعله حتى ذلك التاريخ هو تخفيض الطلب على الدولار طالما العرض سيبقى شحيحاً، وطالما ليس مطلوباً ضخ ما لدى مصرف لبنان وإضعاف الليرة وتعريضها لضغوط المضاربين، فإن تشجيع التصدير وتخفيض فاتورة الاستيراد يجب أن يشكلا الأولوية. وهذا يستدعي الإسراع للاستثمار على فرصة التصدير إلى سورية والعراق وعبرهما من جهة، وإلى دراسة جداول المستوردات ومواكبتها بجداول ضرائبية تهدف للحدّ من تضخم هذه الفاتورة عبر تشجيع البدائل المنتجة محلياً. وتساءلت المصادر طالما أن مصرف لبنان سيتولّى تأمين العملات الصعبة بطريقة مدروسة وغير عشوائية لحاجات الدولة واستيراد المحروقات، وطالما أن حاجات تشغيل الهاتف الخليويّ وتشغيل المولدات الخاصة التي تبيع الكهرباء للبنانيين، تدخل ضمن هذا السياق، فلماذا لم تبادر الحكومة إلى حسم أمر فرض تسعير خدمات الخليوي وتسعير بيع المشتقات النفطية وتسعير فواتير المولدات بالليرة اللبنانية تحت طائلة العقوبات الجزائية. وهذه الفواتير التي يبلغ حجمها الشهري نصف مليار دولار أي خمسة مليارات دولار سنوياً، ومَن يقوم بتسديدها مباشرة هم لبنانيون دخلهم بالليرة اللبنانية، ويضطرون لشراء الدولارات من أسواق الصرافين لتسديد فواتيرهم، فلماذا لا يتمّ تسعيرها بالليرة اللبنانية. وهو أمر يكفي لسحب هذا الفتيل المالي المتفجّر، ولا يحتاج إلا إلى قرار حكومي حاسم يبدو أن مصالح غير مرئية لا تزال تحول دون صدوره.
وفي الملف المالي أيضاً توقفت مصادر متابعة أمام محاولات التصويب على رئيس الجمهورية، الذي يتشارك مع التيار الوطني الحر الممثل بقوة نيابياً وحكومياً، وقالت إن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة مسؤولون بالتأكيد عن معالجة الأزمة بقدر مسؤوليتهم عن تفاقهمها، كل ضمن حدود سلطاته وصلاحياته، وكذلك فإن التيار الوطني الحر الموجود في الحكم بأشكال متعددة منذ أكثر من عشر سنوات، مثله مثل حزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي مسؤولون جميعاً عن معالجات بحجم الأزمة، ويتوزعون مسؤولية الأزمة كل بقياس يتناسب مع حجم حضوره وتاريخ هذا الحضور، لكن التصويب على رئيس الجمهورية وتعميم نظريات العهد الفاشل جاءت برأي المصادر منفصلة عن هذا السياق، وهي مرتبطة برسائل داخلية وخارجية أعقبت كلام رئيس الجمهورية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن نياته تجاه المبادرة للتعاون مع الحكومة السورية مباشرة في ملف عودة النازحين، وعلى خلفية موقفه الداعم للمقاومة الذي تضمنه بيان المجلس الأعلى للدفاع وكرره رئيس الجمهورية من نيويورك، والحملة التي استهدفت الرئيس وتسعى لابتزازه تحت شعار تحميله مسؤولية التردي المالي، عبر عنها الذي ينقلون تعليمات السفارات إلى وسائل الإعلام، بقولهم إن مواقف رئيس الجمهورية ستنعكس سلباً على لبنان مالياً، وهذا هو بيت القصيد.
وفي الملف المالي تحدث رئيس المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان أمام وفود شعبية في الجنوب، رافضاً كل المعالجات التي تقوم بتحميل الطبقات الفقيرة المزيد من الأعباء، داعياً لمعالجة جدية محورها إعلان حال الطوارئ الاقتصادية وفقاً لمضمون يعالج جوهر المشكلة، كما نصت الورقة القومية التي قدمت للمشاركين في لقاء بعبدا الاقتصادي والمالي.
أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في بعبدا أن «المصرف سيُصدر اليوم تعميماً ينظم توفير الدولار للمصارف بالسعر الرسمي المعلن عنه من المصرف المركزي لتأمين استيراد البنزين والأدوية والطحين ضمن آلية سيرد شرحها في التعميم، مع التشديد على أن علاقة مصرف لبنان هي مع المصارف فقط، وهو لا يتعاطى مع المستوردين مباشرة». ورداً على سؤال قال: لا يتعاطى مصرف لبنان تاريخياً بالعملة الورقية، ولن يتعاطى بها حالياً أو مستقبلياً لاعتبارات عدة. إلا أن التعميم الذي سيصدر غداً سيخفّف حكماً الضغط على طلب الدولار لدى الصيارفة».
وتوقّعت مصادر مطلعة لقناة «المنار» أن «تبدأ اليوم انفراجات في سوق الصيرفة بعد لقاء عون سلامة »، مؤكدةً ان «العمل يجري على ملاحقة مطلقي الشائعات التي ضخّمت الأزمة ورمتها بوجه الرئيس عون». ولفتت القناة الى أن «الآلية المتوقع أن يطرحها سلامة عبارة عن تفاهم بين مصرف لبنان والمصارف يتمّ من خلاله تحديد عدد الشركات المستوردة للسلع الثلاث بالاستناد إلى لوائح أعدّتها وزارة الاقتصاد كما القيمة المالية للاستيراد لكل شركة منها»، مشيرةً إلى أن «أهميّة هذا التعميم تكمن بربطه استخدام الدولار فعلياً بالمستوردات الخارجية والتي يتمّ تسديد ثمنها بالعملة الصعبة وكل حلقات البيع والتوزيع الداخلية فتتمّ بالعملة اللبنانية على أساس السعر المحدّد بمصرف لبنان».
وعمّم مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية نص المادة 209 من قانون العقوبات التي تحدّد ماهية النشر، والمادتين 319 و320 من القانون نفسه والتي تحدد العقوبات التي تنزل بمرتكبي جرائم النيل من مكانة الدولة المالية.
وفي سياق ذلك، أكد رئيس المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الإجتماعي النائب أسعد حردان خلال استقباله في دارته في راشيا الفخار، وفوداً شعبية وحزبية وفاعليات من مختلف قرى وبلدات منطقة حاصبيا والعرقوب، أنّ الوضع دقيق جداً، والمعالجات يجب أن تكون سريعة وجذرية، وأن لا تُحمّل الناس أعباء إضافية وضرائب جديدة، لا المباشر ولا بغير المباشر، والمسؤولية الوطنية تقتضي تبديد هواجس اللبنانيين الذين يشعرون أنهم مستهدَفون بلقمة عيشهم. ولفت حردان إلى أنّ العقوبات الأميركية التي تستهدف المؤسسات والأفراد في لبنان، تستهدف الاقتصاد اللبناني بشكل عام، ما يعني أنّ البلد كله مستهدَف باستقراره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وشدّد على ضرورة وضع خطة طوارئ اقتصادية، تعتمد العناوين التي تقدّمنا بها إلى لقاء بعبدا الاقتصادي، ليتمكّن لبنان من مواجهة العقوبات وإفشال أهدافها. وشدّد على أنّ الدولة هي المسؤولة عن حماية مواطنيها والدفاع عن مصالحهم، وهي مُطالَبة باتخاذ كلّ الإجراءات لمواجهة مفاعيل العقوبات التي تستهدف المواطنين واقتصاد البلد.
ودعا حردان إلى اعتماد مقاربات واضحة وعملية حول الوضع الاقتصادي وسبل المعالجة، وأن يترجم هذا الاتجاه في مواقف الحكومة والمسؤولين والقوى السياسية، للحدّ من الهلع الاقتصادي الذي تتسبّب به حملات التهويل المترافقة مع العقوبات الأميركية.
ورأى حردان أنّ تحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي أولوية وطنية، والكلّ مطالب بحماية الاستقرار وتحصين الوحدة والحفاظ على السلم الأهلي، والالتفاف حول معادلة الجيش والشعب والمقاومة، في مواجهة كلّ الأخطار والتحديات.
في غضون ذلك لم يسجّل الشارع أمس، أي احتجاجات أو تحرّكات بعد توتر ساد مختلف المناطق اللبنانيّة يوم الأحد الماضي، باستثناء بعض التحركات في صيدا والجنوب، حيث أقدم عدد من الشبان الى إقفال طريق صيدا – الزهراني في منطقة الغازية ، قرب حلويات «السلطان» بالإطارات المشتعلة بعد فتحها لبعض الوقت وذلك احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصاديّة والمعيشية».
وانشغلت الأوساط السياسيّة والأمنيّة بتحليل خلفيات التحركات ومَن يقف خلفها والشعارات التي رفعتها وأعمال الشغب التي رافقتها لكشف أهدافها، إذ يجري وبحسب معلومات «البناء» التحقيق مع عدد من الموقوفين من المتظاهرين لمعرفة مَن حرّكهم ودفعهم للنزول الى الشارع وافتعال الشغب. ولاحظت مصادر في التيار الوطني الحر وجود هجمة ممنهجة على العهد لاستهداف رئيس الجمهورية وتحميله مسؤولية تردي الأوضاع بسبب مواقفه السياسية والوطنية إضافة الى إثارة الخلافات السياسية بين أطراف الحكومة، وأشارت المصادر لـ»البناء» الى أن الحملة مكشوفة ولن تنجح والرئيس عون مستمر في تحمّل مسؤوليته والحكومة لتطبيق ورقة بعبدا لإنقاذ واصلاح الوضع ولو تدريجياً». وأشارت مصادر عونية إلى أن «هناك جهات استخدمت التحركات الشعبية لتحقيق أهدافها السياسية».
وضجت الأوساط الشعبية والسياسية في مدينة طرابلس بما وصفته مصادر بالانتفاضة الشعبية على زعماء المدينة، لا سيما على رئيس الحكومة سعد الحريري وحرق صور له وإزالة صور المستقبل وأيضاً الرئيس نجيب ميقاتي، إلا أن مصادر ميقاتي قللت من أهمية الاحتجاجات على ميقاتي، مشيرة الى أنها «عرضية ولا تضاهي الحملة على الرئيس الحريري ورئيس الجمهورية»، وأكدت لـ»البناء» أن «الاحتجاجات انتهت ولم تحصل اي تفاعلات أمس»، واوضحت أنها «ليست اننفاضة على زعماء المدينة بل فشة خلق علماً أن تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المدينة وكل المناطق اللبنانية تستأهل انتفاضة ضاغطة على السلطة لإصلاح الوضع، لكن حتى الآن لا يمكن اعتبارها مظاهرة شعبية إذ لم تُعرف هوية وقيادة هذه الحراك الذي لم يتجاوز عشرات الأشخاص».
الى ذلك يعقد مجلس الوزراء عصر اليوم جلسة في السرايا الحكومية لمتابعة درس مشروع موازنة 2020.
واشارت قناة «أن بي أن» الى أن « وزارة المالية انكبت على درس الاقتراحات المقدمة من التيارات السياسية وخصوصاً التيار الوطني الحر و القوات وعملت على تلخيصها لطرحها ونقاشها بموازاة الموازنة حتى إذا ما حصل توافق حول بعضها يصار إلى تقديمها بصيغة قوانين أو مراسيم».