أوساط بعبدا لـ«البناء»: افتعال الأزمات مقصود كردّ على مواقف عون في الأمم المتحدة

لم تنتهِ أزمة الدولار لتعود مجدداً. هكذا يعلق أكثر من خبير مالي واقتصادي على تعميم مصرف لبنان الاخير الذي نظم عملية استيراد بعض المواد الأولية الاساسية بالدولار كالمحروقات والدواء والقمح. وهذا ما أظهرته حركة السوق وشركات ومحطات توزيع وبيع المحروقات وهذا ما كشفه مستوردو عدد من المواد الاولية الاخرى التي يتم استيرادها بالعملة الاميركية كشركات السيارات والإلكترونيات والمواد الغذائية. فانخفاض سعر الدولار لدى الصرافين لا يعني انتهاء الأزمة، بل يجب ترقب ثبات سعر الصرف في السوق على مدى شهر مؤشر على الأقل.

فأصحاب شركات مستوردي النفط أبلغوا رئيس الحكومة سعد الحريري خلال لقائهم به أمس، تحفظهم على تعميم مصرف لبنان. ولفت ممثّل شركات التوزيع فادي أبو شقرا ، الى أن «الشركات المستوردة للنفط تريد منا أن ندفع بالدولار والموزعون امتنعوا عن شراء البضاعة من الشركات المستوردة»، مؤكداً «أننا لا نريد الإضراب، لكن الجماعة على حق ونحن على حق، ويحق لنا أن نشتري بالليرة»، ورأى أبو شقرا في حديث تلفزيوني أن «آلية البدء بتطبيق التعميم الصادر عن مصرف لبنان بحاجة لبعض الوقت، خصوصاً أن هناك اعتمادات و بضائع في السوق «مش مغطاية».

بدوره، لفت نقيب أصحاب محطات الوقود سامي براكس أن «النقابة تداعت إلى عقد جمعية عمومية يوم الجمعة عند الساعة 12 ظهراً، وهذا تبليغ لكل أصحاب المحطات للمشاركة»، مشيراً الى أنه «إذا لم يكن الوضع جدّياً يوم غد فسنضطر الى أخذ قرارات حاسمة».

وبينما تصر مصادر وزارية على أن تعميم المركزي كفيل في إعادة الأمور الى ما كانت عليه وتوفير السيولة في الدولار في السوق وضبط سعر الصرف وتطمينها بألا انهيار وإفلاس كما يُشاع. قال خبير مالي واقتصادي لـ»البناء» إن تعميم المركزي لن يحل الأزمة، مشيراً الى أن «المشكلة تكمن في آليات الرقابة والتنفيذ والنفوذ السياسي على الاقتصاد والمصارف، فأطراف عدة داخل مجلس الوزراء هم ممثلون لمصارف، وبالتالي هناك تغليب للمصالح السياسية على مصلحة المواطنين»، ويرى الخبير أن تعميم البنك المركزي يغطي جزءاً من المواد المستوردة المدولرة، إذ إن 90 في المئة من استهلاك لبنان مستورد والتعميم يُغطي جزءاً من الاستيراد، فماذا عن المواد الأخرى من صناعات الألبسة والاحذية والسيارات والالكترونيات وعدد كبير من المواد الغذائية»، وبرأي الخبير أن الأزمة لم تنته في ظل السوق اللبناني المدولر والسوق هو يحدّد ثبات سعر الصرف. وهذا ما لا يظهر خلال يوم أو يومين».

وفي موازاة ذلك، كانت لافتة كثافة التقارير واعلانات وكالات التصنيف المالية العالمية للوضع الاقتصادي والمالي في لبنان، فضلاً عن مقالات وتقارير لصحف ومواقع الكترونية أميركية. والبارز هو أن التصنيف تعدّى الوضع الاقتصادي والمالي للبنان عموماً ليشمل تصنيف مصارف لبنان الى درجات، الأمر الذي يشكل تمادياً في عمل الوكالات وخطورة على القطاع المصرفي نفسه ويضع مصارف لبنان تحت رحمة الوكالات، بحسب خبراء ماليين.

وبرز أمس إعلان وكالة رويترز بأن «لبنان يختار بلوم وستاندرد تشارترد وسيتي بنك وSGBL لإدارة إصدار سندات دولية جديدة في حدود ملياري دولار، رغم أن التفويض ما زال قيد النقاش«.

ورأى أحد خبراء المال والاقتصاد لـ«البناء« أن عملية إصدار السندات بسعر فائدة مرتفع سيترك تداعيات سلبية في الأسواق من انكماش وركود، ما يستوجب من الدولة إعادة النظر بسياسة الفوائد، فلماذا على الدولة أن تدفع ثمناً كبيراً من أجل الحصول على العملة الأجنبية؟ ويحذر الخبير من أن تصنيف مصارف معينة لبيع سندات الدولة يثير الشبهات لا سيما أن المصارف التي اختيرت معروفة بعلاقاتها مع وزارة الخزانة الأميركية في الوقت الذي يجب ان يكون السوق هو من يتحكم بتصنيف المصارف، مذكرة بأن الوديعة الاميركية الاخيرة المقدرة بمليار ونصف دولار جاءت عبر أحد البنوك التي ستنال حق شراء السندات بفوائد مرتفعة. وكما حذّر الخبير من ان تصنيف البنوك يضعها تحت رحمة شركات التصنيف العالمية وسيف مسلط على الدولة بقطاعيها العام والخاص الممثل بالمصارف، فالعمل المصرفي يصنّف نفسه بنفسه وليس شركات التصنيف لا سيما أن جميع مصارف لبنان تعمل تحت قوانين المصرف المركزي وجمعية المصارف وملتزمون قوانين مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال ولا يشاركون في اي مشروع بل رقابة المركزي وجمعية المصارف. فلماذا تصنيف مصارف على حساب أخرى؟».

وفي موازاة ذلك تربط مصادر مطلعة لـ«البناء« بين هذه التصنيفات الجديدة مع معلومات عن تصنيفات جديدة لبنوك لبنانية ما يرفع كلفة التأمين لديها وحصول قلق لدى المودعين على ودائعهم لا سيما أن الوكالات نفسها صنفت أحد البنوك اللبنانية في العام 2008 بدرجة أولى وما لبث أن أعلن إفلاسه لاحقاً!».

وبالتوازي، كانت شركة موديز للتصنيف الائتماني تجري مراجعة للتصنيف الائتماني للدولة اللبنانية وقررت الإبقاء على التصنيف الحالي Caa1. وفي بالمقابل وضعت تصنيف لبنان قيد المراقبة وباتجاه التخفيض خلال ثلاثة أشهر إذا لم يتبلور مسار الأمور باتجاه إيجابي وستقوم موديز خلال هذه الفترة بتقييم أداء الحكومة ومدى التزامها بإقرار موازنة العام 2020.

وعلّق خبراء اقتصاديون على تقرير موديز بأن «احتياطي مصرف لبنان هو 38.6 مليار دولار من العملات الأجنبية بالإضافة الى 15 مليار دولار من الذهب». فيما قالت مصادر أخرى بأنه لا يمكن فصل هذه التصنيفات المتتالية عن السياق الأميركي للضغط على لبنان عبر سلسلة من العقوبات المالية.

وتربط أوساط بعبدا بين مسلسل الأحداث الذي شهده لبنان من اسابيع وبين المواقف التي يطلقها رئيس الجمهورية ميشال عون في المنابر الدولية وفي لقاءاته مع المسؤولين الاميركيين والامميين لا سيما ازاء أزمة النازحين والعلاقات مع سورية وترسيم الحدود وسلاح حزب الله، وتضيف لـ«البناء»: «كيف ظهرت وتضخمت هذه الازمات مع حملة الاشاعات خلال وجود عون في نيويورك وتهديده المباشر للدول المعرقلة لعودة النازحين، بأن لبنان سيتجه مباشرة الى سورية لحل هذه المعضلة؟ لافتة الى أن «كلام عون أثار غضب الاميركيين والاسرائيليين»، وأكدت أن «عون سيصمد رغم ضراوة المعركة والهجوم ضده».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى