لبنان… الحرب المفتوحة بين السياسة والاقتصاد
ثائر الدنف
مما لا شك فيه أنّ لبنان يعاني من انكماش اقتصادي وعجز كبير في ميزانه التجاري. الأمر الذي ينعكس سلباً على الأوضاع المعيشيّة للشعب وعلى انخفاض كبير في مستوى تقديم الخدمات في قطاعات عدة لا سيما الكهرباء والمياه ليأتي التهويل في انخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية والخطابات المربكة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول وضع الليرة، خصوصاً بعدما أقدم سوق الصيرفة على بيع وشراء الدولار بأسعار تتجاوز السعر الرسمي، كما قامت جمعية المصارف بالغمز إلى المصارف بعدم القبض بالليرة وصولاً إلى رفض بعض المصارف بعدم دفع الدولار للمودعين.
هذا الأمر دفع برئيس الجمهورية الى عقد اجتماع عاجل فور عودته من نيويورك مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للبحث في ما جرى على المستوى النقدي، مشكّكاً بتوقيت افتعال الأزمة المالية، معتبراً أنّ ذلك كان مُخطَّطاً له مسبقاً لاستهدافه في هذه المرحلة الدقيقة، وللإيحاء بعدم استقرار البلاد تزامناً مع لقاءاته في نيويورك والتشويش عليها. لينتهي بعدها الاجتماع في بعبدا بالاتفاق على عدد من الخطوات لإعادة الاستقرار النقدي ولو إلى حين.
عطفاً على ما سبق، يحقّ للشعب اللبناني التظاهر والمطالبة بحقوقة المسلوبة من قبل الدولة، ولكن مرّة جديدة وفي لحظة مصيريّة أثبت الشعب اللبناني الوعي والإدراك في قراءة الرسائل المرسلة من دول عربية وغربية، فترفّع عن وجعه المعيشي والمطلبي لصالح الوحدة الداخلية وحماية لبنان من «الفوضى الخلاقة» والحرب النفسية التي تبرّع بعض السياسيين وجهات إعلامية مرتهنة للتسويق لها.
لقد استطاعت الأحزاب ضبط جمهورها من الانزلاق في لعبة الشارع، وفي الوقت عينه من توجيه رسالة معاكسة للذين يريدون إسقاط الحكومة ورئيسها وعزل رئيس الجمهورية مفادها: «نحن ما زلنا نمسك بزمام الأمور في الساحة الداخلية، ونحن الذين نختار الزمان والمكان للسير في التظاهرات الحقوقية الشفافة بعيدة عن الأجندات الخارجية».
بات من المؤكد امتعاض الولايات المتحدة الأميركية من أداء رئيس الجمهورية ميشال عون، خصوصاً بعد مواقفه الثابتة من أحقية المقاومة في الدفاع عن لبنان عقب إسقاط حزب الله للمسيرة الإسرائيلية، وأيضاً في موقفه الصريح من ضرورة إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، والتلميح إلى التنسيق مع الحكومة السورية، أما النقطة الأهمّ فهي رفض عون لما يُسمّى بصفقة القرن وتوطين الفلسطينيين في لبنان.
كلّ هذا دفع بالإدارة الأميركية إلى شنّ حرب «العقوبات الاقتصادية» على لبنان عبر استهداف أشخاص وشركات ومقرّبين من حزب الله والتهويل أحياناً بإصدار أسماء مقرّبة من تيار رئيس الجمهورية، وكخطوة جدية في هذه الحرب أصدرت الخزانة الأميركية عقوبات بحق «جمّال ترست بنك»، والمستغرب هنا أنّ حاكم مصرف لبنان لم يعترض على القرار بالعقوبة، بل اكتفى بقبول طلب «جمّال ترست بنك» بالتصفية.
وليس بعيداً، فقد شهد لبنان خلال الأسبوع المنصرم شحّاً في الدولار بعد أن حجب المصرف المركزي الدولار عن السوق مما سبّب ارتفاعاً في سعره، وأعطيت التعليمات للمصارف بتقييد الدولار مما أرعب الناس وبدأوا بالسحب.
وسط ما تقدّم، فإنّ كلّ المحاولات لعرقلة عهد الرئيس عون وخلق هوّة بينه وبين حكومته وخصوصاً رئيس الحكومة سعد الحريري باءت بالفشل حتى الآن، وسوف تزيد من التمسك بالتسوية الرئاسية التي أتت بعون الى سدّة رئاسة الجمهورية والحريري الى رئاسة الحكومة.
في المحصّلة، يصارع لبنان اليوم للتصدّي في وجه الهجمة الإقليمية والدولية، فهل سينتصر على حرب المال والاقتصاد، كما فعلها سابقاً وانتصر عسكرياً؟