الحريريّ وباسيل يجدّدان التسوية… وشقير والجراح يتحدّيان القضاء… بانتظار موقف الحريري نقيبا المحطات وشركات التوزيع لـ«البناء : الأزمة مستمرة وتعميم مصرف لبنان لم يحلّها
كتب المحرّر السياسيّ
سال الجرح العراقي دماً وبلغ الشهداء أربعين، ولم تعد التحليلات والمواقف تكفي، فخطر الانزلاق إلى مذبحة مفتوحة قائم. ومن جهة شباب غاضب من الجوع والفقر والتهميش ويزيده غضباً حجم تفشي الفساد والثراء الفاحش ومظاهر البذخ، ومواطنون لا يعرفون الكهرباء ولا الماء في بيوتهم أيام وأسابيع. وما قاله رئيس الحكومة عادل عبد المهدي عن غياب الحلول السحرية وحجم الموروث صحيح، لكنه لا يطعم جائعاً ولا يضيء بيتاً مظلماً. ومن جهة مقابلة قوى سياسية وأجهزة استخبارية خبيثة تستعمل موجات الغضب وتدفع بها نحو الفوضى والشغب والتخريب، وتطلق النار على الطرفين، وترسل مجموعاتها داخل الجموع لترفع هتافات معادية لإيران لتوظيف المشهد العام في مشاريع الضغط على العراق كحكومة أولاً وكحشد شعبي ثانياً، لأجندات لا علاقة لها بالمواطنين ومطالبهم، بل بفتح معبر البوكمال، والموقع الذي يمثله العراق في الامتداد الاستراتيجي بين إيران وسورية وقوى المقاومة.
التطور البارز أمس، كان دخول المرجعيّة على خط الأزمة، بقوة دخولها ذاته يوم بلغت جماعات داعش جدار بغداد. وكان الجيش العراقي يتداعى أمامها. فأطلقت دعوتها لتشكيل فصائل الحشد الشعبي الذي غيّر مجرى الحرب وقادها نحو استنهاض الجيش مرة أخرى وصولاً إلى النصر، خلافاً لرغبة واشنطن التي كانت تريد حرباً لا تنته، واستنزافاً مفتوحاً تبرّر ببقائه بقاءها. وهذه المرة خرجت المرجعية بمبادرة عنوانها تشكيل لجنة حكماء مشهود لهم بالنزاهة والخبرة من خارج السلطة، تتولى لقاء المحتجين وسماع مطالبهم، وصياغتها بطريقة تجعلها خطوات تشريعية وتنفيذية وقضائية، مقابل التزام السلطات كل في مجالها بتنفيذ هذه الآلية ضمن جدول زمني مرفق بها. وكان لمبادرة المرجعية صداها المباشر بالتهدئة على طرفي الأزمة، الحكومة والشارع.
لبنانياً، شهدت التسوية الرئاسية شحنة تزخيم مثلها لقاء رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، بعدما أدى إلغاء لقاء باسيل بكوادر تيار المستقبل إلى إشاعة مناخات فاقمت حال التوتر بين فريقي التيار الوطني الحر وتيار المستقبل القائمة أصلاً، والتي لم ينجح لقاء الحريري – باسيل بتبديدها، بقدر ما وفر الأرضية لمواصلة التعاون الرئاسي والحكومي بمعزل عن علاقة التيارين ومشاكلها. وهو ما أكدته مصادر التيارين، التي لم تستبعد تحول قضية رفض وزيري الاتصالات والإعلام محمد شقير وجمال الجراح المثول أمام المدعي العام المالي علي إبراهيم، إلى مصدر جديد لتأزم علاقة التيارين، والقضية بدأت تأخذ أبعاداً تتخطى علاقة التيارين، في رسم تساؤل كبير حول التبرير الذي يمكن أن يقدّمه رئيس الحكومة الذي يدعو لوضع عودة الثقة بين المواطنين والدولة كأولوية، في تغطية وزيرين من فريقه يتصرّفان بطريقة خشنة وفظة مع استدعاء قضائي روتيني، في ظل كلام يومي عن الحاجة للمساءلة والمحاسبة والتدقيق، واعتبار المال العام أمانة على كل مسؤول تبرير كيفية تعامله معها للبنانيين ودولتهم ومؤسساتها وفي طليعتها القضاء، بينما يجري رسم أسوار الصين حول وزارة الاتصالات ـ ومؤسسة أوجيرو، وكأنها مغارة علي بابا، حيث أسرار المال العام، ما يزيد الشبهات والتساؤلات فيما كان اللافت اللغة التي أعلن فيها الوزير محمد شقير رفض المثول، وما فيها من استهزاء واستعلاء، وهو ما ينتظر تردداته اليوم وما بعده، خصوصاً كيفية تلقي الرؤساء له وتعليقهم عليه وتصرّفهم تجاهه، بينما العيون أولاً تتّجه صوب الرئيس سعد الحريري وما سيقول، وما سيرتّبه موقفه من تأثيرات وتداعيات على صورته وعلاقته برئيسي الجمهورية ومجلس النواب.
بالتوازي بقي الوضع المرتبك مسيطراً على الأسواق، وبقيت التهديدات بالإضراب قائمة وتتوسّع، لتطال الأفران وربما قطاعات أخرى. فأصحاب محطات البنزين وفقاً لكلام النقيب سامي البراكس، المهلة حتى يوم الإثنين قبل العودة للإضراب، مضيفاً لـ البناء أن الاتصالات جارية على قدم وساق مع رئاسة الجمهورية ورئيس الحكومة، ومع الشركات لإيجاد حلّ للأزمة في الساعات المقبلة، مشيراً إلى أن الرئيس الحريري وعدنا عبر مستشاره الاقتصادي نبيل يموت بأن الأمور سوف تجد طريق الحل اليوم، مستطرداً إذا لم نلقَ الجواب المطلوب فسيبدأ الإضراب المفتوح يوم الاثنين. وقال إن المشكلة تكمن في التعميم الصادر عن مصرف لبنان والذي يحمل بنوداً تعجيزية تمسّ الشركات التي لن تستطيع تنفيذها وتتصل بالآلية التي فرضها تعميم مصرف لبنان، للاستيراد بالنسبة إلى المستوردين، لجهة تقديم ضمانات مالية لفتح الاعتمادات، ووضع في كل حساب خاص وكل اعتماد على حدة، 15 من قيمته بالدولار عند فتحه، فضلاً عن الهامش النقدي الذي يجب تجميده عند كل عملية لمدة شهر حداً أدنى، بقيمة 30 مليون دولار أميركي لشحنتين من البنزين والمازوت، و0.5 بالمئة عمولة لمصرف، ما يعني أن الحل يجب أن يقترب من تعديل بعض البنود ومعالجة الثغرات الموجودة في التعميم. بالمقابل قال نقيب شركات توزيع المحروقات فادي أبو شقرا لـ»البناء» إن حقهم حصلوا عليه بعد صدور التعميم كمحطات وموزعين، لكنه أشار الى ان «المشكلة تكمن في الخلاف بين الشركات المستوردة والمصارف التي فرضت شروطاً تعجيزية على الشركات مطالبةً بفتح اعتمادات لمدة طويلة، فيما الاستيراد يتم خلال بضعة أيام من فتح الاعتمادات» الأمر الذي ينعكس سلباً على المحطات والموزّعين والمواطن، ليخلص ابو شقرا الى القول إن التعميم لا يزال حبراً على ورق ولم يطبق .
وصف الرئيس سعد الحريري لقاءه مع وزير الخارجية جبران باسيل بالـ»الجيد جداً». وقال خلال دردشة مع الصحافيين إن «هناك بالفعل هجمة غير طبيعية على البلد. صحيح أن لدينا مشاكل، لكن الحكومة تعمل كي تجد حلولاً لهذه المشاكل، وأتمنى على من يتحدث في الاقتصاد أن ينطلق من الواقع الذي نعيشه. هناك جهد كبير تقوم به الحكومة، وسنخرج من هذه الأزمة»، مشيراً إلى أنه «لم يحصل شيء للعلاقة مع باسيل كي يتم ترميمها».
ونفى الحريري «أن يكون قد تم تعليق العمل في مشروع قانون الموازنة للعام 2020، بانتظار الاتفاق على الإصلاحات اللازمة»، مؤكداً «أننا نعمل على كل الملفات في وقت واحد، ولذلك ترون في هذه الأيام تركيزاً على الإصلاحات، لمعرفة ما يمكن إدخاله ضمن الموازنة المقبلة».
ولفتت مصادر مطلعة على اللقاء إلى أنه «تمّ التطرق خلاله إلى مختلف الملفات خاصة على موازنة العام 2020»، مشيرةً إلى أنه «تمّ التوافق على ضرورة التعاون في المرحلة المقبلة».
واشارت أوساط سياسية في تيار المستقبل لــ»البناء» الى أن «اللقاء تمكّن من تثبيت التسوية الرئاسية وتحصين الحكومة لتتمكّن من مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية»، لافتة الى أن «إقرار الموازنة في المهلة الدستورية وإنجاز الإصلاحات قبيل مهلة الستة أشهر التي حددتها المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف يحتاج الى تضامن الحكومة بجميع أركانها ولم يعُد هناك متّسع من الوقت للخلافات والسجالات السياسية أمام تردي الواقع الاقتصادي»، مشيرة الى أن «الموازنة والإصلاحات تسيران بالتوازي وما يجري الاتفاق عليه من بين الأوراق الاقتصادية التي تناقش يمكن تضمينه في الموازنة، والأخرى يمكن إحالتها الى المجلس النيابي كمشاريع قوانين وبالتالي لا خلاف حول هذا الامر».
في غضون ذلك، لم يتمكن التعميم الصادر عن مصرف لبنان بعد أربعة أيام على صدوره، من إنهاء أزمة الدولار والمحروقات، وسط تدحرج الأزمة الى إعلان قطاعات أخرى اعتراضها على عدم شمولها في التعميم، لا سيما أصحاب الافران، ما يؤشر الى تجدد الأزمة وتفاقمها باتجاه الإضرابات بالجملة بدءاً من يوم الاثنين المقبل.
وأعلنت نقابة أصحاب المحطات وأصحاب الصهاريج وموزعي المحروقات الإضراب يوم الاثنين، ما لم تسفر الاتصالات الجارية عن حلول ترضي العاملين في القطاع. وإثر اجتماع الجمعية العمومية لأصحاب المحطات اليوم بحضور رئيس النقابة سامي البراكس ورئيس نقابة الصهاريج إبراهيم سرعيني وممثل موزعي المحروقات فادي ابو شقرا وحشد من أصحاب المحطات والصهاريج، قال البراكس القرار بالاكثرية هو إعطاء مهلة 48 ساعة افساحاً في المجال امام الاتصالات الجارية على أكثر من صعيد . وأكد سرعيني، الاضراب ما لم تحل المشكلة، والصهاريج ستكون أمام الشركات من الساعة السادسة صباحاً . وشدد ابو شقرا باسم موزعي المحروقات على التزام الإضراب وضرورة التسعير بالليرة من الشركات ومنشآت النفط التابعة للدولة .
وبحسب مصادر البناء ، فإن شركات استيراد المحروقات لم تلتزم بتعميم المركزي وتصرّ على تسلم كامل ثمن المحروقات بالدولار، فيما قالت أوساط اصحاب المحطات أن المشكلة باتت بين شركات الاستيراد والمصارف، كما علمت البناء ان سعر صرف الدولار لم يتغير لا في المصارف ولا في محال الصيرفة والسوق السوداء ما زالت هي الحاكمة والسائدة في الاسواق. كما نفت المصادر المصرفية لـ البناء رفض المصارف طلب المودعين سحب ودائعهم بالدولار، مؤكدة أن السحوبات ممكنة للحسابات الجارية أما الحسابات المجمّدة فيمكن سحبها بعد نهاية استحقاقتها .
كما حذّر رئيس اتحاد نقابات المخابز والأفران كاظم ابراهيم جميع المسؤولين بأن أصحاب الأفران قد يتوقفون عن العمل قسرياً وليس بإرادتهم، بل بفعل الأزمة الاقتصادية .
كما حذّرت نقابة الصرافين في بيان من أنها ستعلن توقف كامل قطاع الصرافة عن العمل وصولاً إلى إقفال محالها إذا استمر تجاهل حقيقة نشاطها القانوني واتهامها المجحف، الأمر الذي ينعكس سلباً على أعمال المواطنين ومصالحهم، وبالتالي على الحركة الاقتصادية في البلد عموماً .
كما كشفت الهيئات الاقتصادية أنها تدرس خيارات تصعيدية متدرّجة ستكشف عنها قريباً لمواجهة أي توجّه لزيادة الضرائب .
على وقع الإضرابات والاعتراضات، تابعت اللجنة الوزارية المكلفة دراسة الإصلاحات المالية والاقتصادية اجتماعاتها أمس، في السراي الحكومي، برئاسة الحريري، إلا أن ملف الاتصالات فرض نفسه على مداولات الجلسة، بعد تمنع الوزيرين المستقبليين جمال الجراح ومحمد شقير المثول أمام المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم لوجود مخالفات قانونية وهدر في المال العام في قطاع الاتصالات.
ومثل الوزير السابق بطرس حرب أمام القاضي إبراهيم وحمّل حرب في إفادته المسؤولية الى وزير الاتصالات الاًسبق نيكولا الصحناوي، رفضت مصادر في المستقبل لــ البناء مثول الوزيرين الجراح وشقير أمام القاضي ابراهيم، إلا وفقاً للأصول القانونية ألا وهي محكمة الوزراء والرؤساء، لأن الحصانة النيابية وكما الوزارية لا تعطي القضاء الحق باستدعائهم. ولفت الجراح الى أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري طلب منه في وقت سابق عدم المثول.
وأكّد رئيس لجنة الاتصالات والإعلام النيابية النائب حسين الحاج حسن أن «استدعاء الوزراء هو نتيجة إخبار قدّمه النائب جهاد الصمد في ملف أوجيرو وليس في ملف الخلوي»، مشيرًا الى أنه «ليس هناك إدانة مسبقة لأحد ولا براءة مسبقة لأحد». ولفت الى أنه «حين يقول شقير إنه يريد أن يخفض الإيجارات وعقود الصيانة والإعلانات ويرفع حصة الدولة من الفاسد، السبب أنه اكتشف أمرًا ما، على القضاء أن يقرّر».