الجولان مفتاح الحرب… والعلاقة المصريّة السوريّة بيضة القبان

ناصر قنديل

عندما نحيي ذكرى حرب تشرين 1973، فذلك ليس لمجرد كونها مناسبة وطنية وقومية كبرى، بل لأنها بالنسبة للذين يؤمنون أن مستقبل منطقتنا ودولنا ومشاريع الاستقلال والتنمية فيها، وكذلك مستقبل شعوبنا ومستوى حريتها وتقدّمها، تجري كلها على إيقاع مستوى التقدّم في الصراع مع المشروع الصهيوني، الذي يمثل رأس حربة مشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة. والمعادلة واضحة من مجرد قراءة حال مصر منذ نشأة الكيان الغاصب، فعندما تريد مصر بناء دولة الاستقلال والتنمية، كما كان حالها مع جمال عبد الناصر، تكون عرضة للحروب والعدوان، حتى تسقط، فتسقط في الحقيبة السعودية والحظيرة الأميركية، وتكتشف أنها استُرهنت بأوهام الرخاء والرفاه فغرقت في الجوع والفقر والديون، وصارت مياهها مسترهنة، وزراعتها وصناعتها تذبلان، والبطالة والهجرة تنهشان شبابها. بينما بالمقابل الخط البياني لحال سورية، يقول حتى تاريخ الحرب التي شنت عليها، أن الاستقلال والنمو توأمان، وأن الموقع من الصراع مع كيان الاحتلال بوصلة شاملة لقراءة مسار كل الأزمات.

حرب تشرين قالت عام 1973 إن بمستطاع العرب خوض حرب، وإن جيوشهم أشد كفاءة من جيش كيان الاحتلال الذي أصدر مرسوماً بتسمية نفسه عام 67 بالجيش الذي لا يُقهر، فقُهر عام 73 قهراً مبيناً. وقالت إن بيع نصف الحرب للأميركيين بوهم التنمية لا يجلب إلا الذل والهوان أمام الاحتلال باتفاقية عار، ويبيع القرار، ثم يأخذ البلد إلى حتمية الانهيار، بينما الصمود بنصف حرب، كما فعلت سورية، يحفظ الكرامة، ويستنهض القوة الكامنة ويلاقي التطورات المقبلة، فيكون زمن المقاومة، وعندما تشنّ عليها حرب كالتي لا زالت فصولها متتابعة، تتحقق الإنجازات رغم فوارق الإمكانات، وزخم المؤامرات، وحشد الدول والجماعات، والصحف والفضائيّات، والجيوش والمخابرات، والفتاوى والميزانيّات، ومحاولات العزل والحصار والعقوبات.

أهم الحقائق التي على العالم أن يفهمها هي أنه ما دامت سورية، حافظ الأسد وبشار الأسد، دولة حاضرة فستبقى سيّدة وموحّدة، وسيبقى الجولان مفتاح الحرب في المنطقة، وكل مشاريع التسويات المعروضة والمفروضة والمرفوضة، التي لا تتسع لتراجع أميركي صهيوني عن قرار ضمّ الجولان، وتفتح الباب لاستعادته، لا مكان لها على الخريطة السورية، وأن ما كسبته سورية خلال الحرب عليها أعظم مما كان بين يديها قبل الحرب، لحساب الجولان، فقد امتلك جيشها أفضل أنواع السلاح، وتمرّس بأقسى أنواع القتال، وكسب أفضل وأشد الحلفاء، ونسج مع روسيا تفاهماً يشكل الجولان قاعدته الرئيسية، في فهم كيفية بناء الاستقرار في المنطقة. وثانية ركائز الاستقرار في تفاهم سورية وروسيا، وفي خلاصات حرب تشرين، هو التعاون بين سورية ومصر، كبيضة قبان لتوازنات المنطقة، والعلاقة في عام 73 لم تكن مع نظام مقاوم في مصر بل مع نظام يقوده أنور السادات، لكنها علاقة شكلت بيضة قبان التوازنات، فيخشاها كيان الاحتلال، ويسعى لتفخيخها النظام التركي، ويحاول النظام السعودي عرقلتها، ويجهد الأميركي لكبحها، لكنها ستبقى حاجة سوريّة وحاجة مصريّة وحاجة عربيّة، ستفرض نفسها حاجة عالمية إقليمية كلما أصيب المشروع الأميركي بالمزيد من النكسات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى