تحية إلى أبطال تشرين في ذكرى الحرب المجيدة: كم نحن بحاجة لتشرين آخر

الأسير السوري صدقي المقت

رسالةُ وفاءٍ في ذكرى حربِ تشرينَ المجيدةَ.

تجوّلتُ خلال فترةِ تحرّري القصيرةَ التي عشتُها خارجَ الأسرِ في كلِ مناطقِ الجولانِ السوريِ المحتل، لم أترك أيَّ بقعة دون أن أٌعانِقها وأٌقبّل ترابها، كلُ ذرةَ ترابٍ، كلُ صخرةٍ، كلُ شجرةٍ تَروي ألفَ حكايةٍ عن بطولاتِ جيشنا. من هنا عبروا، وهنا قاتلوا واستبسلوا، وهنا أُصيبوا، وهنا سالَ الدمُ واسُتشهِدَ الابطالُ.

في الجولانِ الصخرُ يتكلم، تقولُ لي الصخرةُ «خلفي تَمتْرسَ أحمد وهو يقاتل، وقد تلقيتُ الرصاصَ عنه»، فأُعانقُ تلكَ الصخرةَ.

في الجولانِ الترابُ يتكلم، أُصغي له، أَسمعه يقول «هنا سال دمُ الشهيدِ فراس».. كم أنتَ مقدسٌ أَيها الترابُ.

أَركع هناك، أَضمُ حَفْنَةَ ترابٍ إلى صدري، أَشتمُ رائحتَها، وأُصغي إلى كلِ حكاياها.

أَمرُّ تحتَ شجرةٍ في كفر نفاخ، تهمسُ الشجرةُ في أُذني «هنا بالضبطِ جلسَ ماجد يستريحُ، وقد أَسندَ رأسهُ على جذعي، وغفا قليلاً من شدةِ التعبِ وقلةِ النومِ، كانَ جُرحهُ ينزفُ، انتصبتُ واقفةً أَحرسهُ وأُراقبُ الأعداءَ كي لا يفاجئوهُ. كانَ نائماً عندما اقتربَ العدو منا، انحنيتُ وخبأتُهُ تحتَ أغصاني، مضوا من دونِ أن يشاهدوه».

أَنظرُ إلى الشجرةِ وقد سالَ الدمعُ على خدّي، أُقبلُ أَوراقَها وأَغصانَها، وقد أدركتْ ما أنا بهِ من ثورةِ مشاعري وعواطفي، كانت مثلي تحترقُ شوقاً لمعرفةِ ماذا حلَّ بماجد، قلتُ لها «ليتني أَعرفُ كي أُخبرَكِ يا حبيبتي».

أَدخلُ مواقعَ الجيشِ السوري في الجولانِ المحتلِ، أَسمعُ قصصاً وحكايا مَنْ كانوا هناكَ، حكاياهمْ معلقةٌ على الجدرانِ، أَسمعُ ضَحِكاتَهم وأَشواقَهم لأمهاتِهم ولزوجاتِهم ولأطفالِهم، أَضعُ خدّي على الجدارِ كي أَقتربَ مِنهم أكثر، كي أَشتمَّ رائِحتهم، فأَراهم من حولي، هم يتكلمونَ بلغةٍ لا يفهمها إلا مَنْ أَحبَهم، أَسمعُ أَصواتاً لا يسمعُها إِلا مَنْ عَشِقَهُم. هكذا هم يتركون وراءهم علاماتٍ ورموزاً لا يفهمها إلا مَنْ سارَ على خُطاهم.

أَيّها الشرفاءُ، يا أَبطالَ تشرينَ، لكمُ المجدُ يركعُ، أُعانقكم مِن داخلِ سجني في سجونِ الاحتلالِ، أُقبلُ جِباهَكم العالية، وأُقبلُ الترابَ الذي امتزجَ بدمائِكم، أُعانقُ وأُقبلُ الصخرَ والشجرَ الذي حماكم. الجولانُ يناديكم، يحترقُ شوقاً لعناقِكم، الشجرُ في بانياس يتلفتُ من حولهِ كلَّ صباحٍ في انتظارِ عودتِكم، وخنادقُ تلِ الفخارِ تنتظرُ مَنْ يتمترسُ بداخلها، وجبلُ الشيخِ أَعيتهُ كثرة الغزاةِ ينتظرُ مَنْ يرفع العلم على أعلى قممه. ووجوهٌ صامتةٌ وعيونٌ محدقةٌ نحو الشرقِ تترقبُ أي حركةٍ قادمةٍ من هناكَ، طالَ انتظاركم وأَنتم لم تخلِفوا أيَّ ميعادٍ.

من داخل سجني في صحراء النقب بجوار سيناء، أُحيي جيشَ مصر، أَبطالَ العبور في حربِ تشرين، صانعي المعجزات والمستحيل. من هنا من على أرض فلسطين عقلي وقلبي موزَّعين ما بين الجولان وسيناء، أَصرخُ بأعلى صوتي… كم نحن بحاجة إلى تشرين آخر، وأتمنى لو كلَّ أيامنا هي أيام تشرين المجيدة.

مع تحيات الأسير العربي السوري في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

ابن الجولان العربي السوري المحتل

سجن النقب

فلسطين المحتلة

6/10/2019.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى