أقساط الجامعات الخاصة في لبنان… تسليع أم تعليم؟
إعداد: نور بو صنايع
في دولة لا تتشابه مع سواها في أصول النظام والسياسات، وفي دولة لا تعرف القوانين والتشاريع إلا في ما يخدم مصالح أسيادها، هُمّش المواطن من جديد، لكن المفارقة اليوم تكمن في ان التهميش أخذ يطال الشباب الجامعي.
يواجه معظم الشباب اللبناني صعوبات في ضمان استمراريته التعليمية ضمن المؤسسات الجامعية الخاصة، فبين سندان تلك الجامعات ذات الكفاءات التعليمية العالية وسندان أقساطها التي تطال جيوب أهاليهم المقفرة كان الشباب اللبناني بين خيارين:
الأول يتمثل بالخروج الى كنف الجامعة اللبنانية، لكن المشكلة في هذا الإطار تكمن في محدودية المقاعد وعدم قدرة الجامعة على استقبال جميع الوافدين إليها، بالإضافة الى الصعوبات التي يواجهونها في اختبارات القبول التي تكون في بعض الأحيان ذات شروطٍ بسقف عالٍ، كما أنّ بدايات الأعوام الجامعية بالنسبة لطلاب «اللبنانية» لا تبدو ذات اتجاه إيجابي أبداً. فهي غالباً ما تشهد إضرابات واعتصامات منها ما يرتبط بالشؤون الطلابية، ومنها ما يتجاوزه إلى الأوضاع السياسية العامة.
الثاني يرتبط بالدخول في جولات من الاستدانة والقروض لتسديد تلك الأقساط التي تبلغ وسطياً 30 ألف دولار في سنوات الدراسة الثلاث، و15 الف دولار لمتابعة السلم الدراسي للاستحصال على درجة الدكتوراه، وقد تصل في بعض الجامعات الى 50 ألف دولار، وعندما يتخرج حاملاً تلك الشهادة الجامعية نحو سوق العمل، تصدمه تلك الفجوة في معدل الأجور، والذي لا يتعدى 1000 دولار شهرياً، ما يعني أنه يحتاج إلى 30 شهراً لتسديد ثمن حصوله على شهادته الجامعية.
واليوم ومع اتجاه الجامعات الخاصة كالجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية الأميركية وجامعة بيروت العربية الى فرض تسديد فواتير الأقساط والسكن وغيرها بالدولار «حصراً» زادت القيود التي تحكم الخناق على الطلبة في لبنان فأصبحت دراستهم وأقساطها مرتبطة أكثر فأكثر بتلك الموجات الاقتصادية التي تعصف بالليرة اللبنانية. فمن الممكن أن تتضاعف تلك الاقساط والأجور في حال تعرُّض سعر صرف الليرة اللبنانية لانهيار إضافي مقابل الدولار الأميركي.
فبين غلاء الأقساط وأزمات القرارات التي تتخذها ادارات الجامعات الخاصة دون رقيب من وزارة التربية والتعليم العالي وبين وضع اقتصادي لا يعرف الاستقرار كان الطلبة هم الفئة الاكثر تضرراً في تلك المعادلة التي لا أحد يدري إذا كان بالإمكان التعبير عنها بتسمية المعادلة «التربوية».
أقسام المحاسبة.. مكاتب أشباح
حاولت «البناء» التواصل مع الجامعة الأميركية في بيروت AUB، لكنها لم تتلق الجواب الشافي. فتفاصيل رد إدارة الجامعة الاميركية جاء كالآتي: طلبت الادارة مراسلتها بواسطة البريد الالكتروني ليعاودوا تحديد موعد لنا وذلك لأن رئيس الجامعة «الـ calendar تبعو كتير tightوعندو كتير سفر هالفترة!!». ويصادف بأن تكون «هالفترة» هي فترة بداية الموسم الدراسي الجامعي وذروة العمليات الادارية في الجامعة ورأس الهرم الإداري يقوم بجولات سفر.
وبالتوازي، قال مصدر طالبي في الجامعة الأميركية في بيروت لـ»البناء» إن رئيس الجامعة وبعد التحركات المطلبية للطلبة في الجامعة قدّم وعوداً بأن يتم التواصل مع البنوك التي يتم فيها تسديد الأقساط ليصار إلى اتفاقية تضمن إمكانية تسديد الأقساط بالليرة اللبنانية ليتم تحويلها الى الدولار على سعر صرف 1515 ليرة لبنانية وقد تمّ تطبيق العمل بهذا الاتفاق وفقاً لتلك المصادر الطلابية.
وليس بعيداً عن تعاطي ادارة الجامعة الاميركية مع اتصال «البناء»، فإن اسلوب تعاطي الجامعة اللبنانية الأميركية LAU لم يكن افضل حالاً، حيث قام السنترال بتحويل الاتصال الى إحدى الموظفات في مكتب شؤون الطلاب لتحوّلنا بدورها الى قسم المحاسبة الذي كان رنين هاتف مكاتبهم يتيماً لا يجيب، فقمنا بمعاودة الاتصال والإيضاح بأننا نرغب التواصل مع قسم الإدارة فيتم تحويلنا الى الموظفة عينها والتي تجيبنا بأن قسم المحاسبة «مسؤول عن كل شي خصّو بالمصاري» وتتابع «رح اعطيك مجموعة أرقام وانشالله.. يردو عليك».
ويبدو ان تلك الجامعات التي تغترف من جيوب الطلبة والأهالي أقساطاً تسجل بأنها الأكثر ارتفاعاً بين جامعات المنطقة كافة، بالمقارنة مع متوسط الرواتب والأجور، تسجل ايضاً رقماً قياسياً في تغيب إداراتها لسبب او لآخر في بداية المواسم «الرابحة».
د. محسن: ليست الجامعة اللبنانية الأميركية في جزيرة مقفلة
وبعد محاولة أخيرة لـ»البناء» بالتواصل مع إدارة الجامعة اللبنانية الأميركية كان لنا حديث مع عميد الطلاب في الجامعة اللبنانية الأميركية LAU الدكتور رائد محسن والذي كان على عكس تلك الإدارات التي أخذت بتحويلنا من قسم لآخر بيّناً لا يقبل حديثه التأويل، حيث أكد موضحاً «تلك الزيادات هي مبرّرة. فالجامعة كأي مؤسسة في هذه الدولة لديها مصارفاتها التي ترتفع بارتفاع سقف الأزمات الاقتصادية، كما أن للجامعة مصارفات من صيانة وتجهيزات بحاجة لتجديد وصيانة مستمرة. وفي النهاية الجامعة ليست على جزيرة بل هي جزء أساسي من المجتمع اللبناني والتي بدورها تتفاعل مع محيطها اجتماعياً وعلمياً واقتصادياً، ولدينا طموح دائم لجهة عدم زيادة الأقساط الجامعية ورسوم التسجيل، ولكن هذا يقع ضمن خانة شبه المستحيل في ظل التردي الاقتصادي في البلد».
ويتابع محسن قائلاً: «تملك الجامعة مجموعة تدابير للحفاظ على النسيج الاجتماعي ومراعاة الطلبة الذين ينتمون للطبقة الاقتصادية الوسطى لجهة تمكينهم من متابعة دراستهم، وذلك عبر برنامج مساعدات سنوية تصل قيمته الى 36 مليون دولار، ومن هو بحاجة فعلية الى المساعدة تقوم الجامعة بتأطيره ضمن هذا البرنامج لضمان حفاظها على حق الطلبة في التعليم. وفي بعض الحالات وصلت تلك المساعدات التي تشمل المساعدة المالية والمنحة الدراسية الى نسبة 100 ».
أما في ما يخص الشفافية المالية للجامعة وإمكانية الطلبة الاطلاع على التفاصيل التي تتوزع فيها مصارفات ميزانية الجامعة، أفادنا محسن بـ»أن رئيس المجلس الطالبي يحضر ونائب رئيس المجلس الطالبي اجتماعات سنوية مع نائب رئيس الجامعة للشؤون المالية ولجنة الموازنة ليتم الشرح لهم بالتفصيل أين تذهب الأموال السنوية، وأين تذهب تلك الزيادات التي تطرأ على الأقساط، ويستطيع أي طالب أن يتوجه للمجلس الطالبي لمعرفة تلك التفاصيل». يقول محسن متابعاً بخصوص التحركات المطلبية في الجامعات: «عميد الطلاب يدعم أي تحرك مطلبي في الجامعة اللبنانية الأميركية أو في أي جامعة خاصة أخرى على ألا ينحصر هذا التحرك في الحرم الجامعي بل يمتد لاستئصال المسبب الرئيسي لهذه الزيادة في الأقساط، وهو الوضع الاقتصادي المنوط بالحكومة ومجلس النواب حيث تقر الموازنات».
سلوم: اللبنانية الدولية لا تقوم على أساس ربحي فقط
وفي المقابل تتعامل بعض الجامعات الخاصة مع الطلبة الجامعيين كحالة تربوية بعيداً عن تسليع التعليم، ففي حديث لـ»البناء» مع مدير العلاقات العامة في الجامعة اللبنانية الدولية LIU الأستاذ وائل سلوم «لا نتعاطى كجامعة خاصة مع التعليم على أساس ربحي فقط، وذلك بسبب عقلية الإدارة ورئاسة الجامعة اللتين تملكان إيماناً مطلقاً بأن التعليم هو حق للجميع، وأن كل طالب مهما كانت الطبقة الاقتصادية أو الاجتماعية التي ينتمي إليها يجب أن يستحصل على شهادة جامعية في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، وعند رفع نسبة الشباب المتعلم في المجتمع تساهم بشكل أو بآخر في تخفيض مستوى البطالة الذي بدا تفشيها واضحاً بين الفئة الشبابية اللبنانية».
ويتابع سلوم قائلاً «إن ربط الجودة التعليمية بارتفاع الأقساط هو جزء من سياسة تسليع التعليم في بلادنا، ولكن في الحقيقة جودة التعليم ترتبط فقط بعقلية الإدارة الجامعية وتعاطيها الجدي لجهة تطوير التعليم أكان في مناهجها او الكوادر التعليمية التي تتابع الطلبة في سنين دراساتهم الجامعية».
ويضيف سلوم «في بعض الأحيان تكون الزيادة في الأقساط ضرورة لا بدّ منها في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، ولكننا نقوم بزيادة مدروسة نراعي فيها الوضع الاقتصادي للطلبة وترافق زيادة الأقساط تلك زيادة في نسبة الحسومات التي تضاف إلى المنح التعليمية في الجامعة، والتي تبدأ من 40 وصولاً إلى 100 في بعض الحالات».
خطر تجهيل الأجيال؟!
وسط ما تقدم، وبمعزل عن الجامعات الخاصة التي تنوّعت في سياساتها المالية تجاه الطلبة الذين هم نقطة الارتكاز في بناء المجتمعات، كان لهؤلاء الطلبة نصيب مما يطال فئات الشعب اللبناني كافة، من قهر وتصنيف وفقاً للمعايير المجتمعية الاقتصادية والطائفية.
ويبقى المسبب الرئيسي بعد الاستيضاح هو البناء المؤسسي لهذه الدولة والذي يقوم على اساس واحد لا شريك له وهو المصالح الفردية لزعماء هذا البلد الصغير الذي استطاع أن يكون كبيراً بأزماته وصراعاته.