الخليج يكمل الجزء الأخير من «صفقة القرن»
د. وفيق إبراهيم
منظر عشرات المحللين السياسيين الخليجيين على شاشات كبريات محطات التلفزة الدولية والعربية، وهم يروّجون للصلح مع ما أسموه «دولة إسرائيل» لتطويق إيران، ليس أمراً عادياً.
الملاحظة أن هؤلاء المحللين لا يتجرأون ابداً على الإدلاء بآراء تناقض سياسات بلادهم، وإلا أصابهم ما اصاب الخاشقجي وربما أكثر، لأنهم مقيمون في بلدانهم ولم يغادروها مثله.
قد يعتقد البعض أن هذه الجرأة عادية لأن بلدانهم تقيم تطبيعاً سرياً مع الكيان الإسرائيلي منذ ثلاثة عقود على الأقل، لكن مضمون الترويج الإعلامي الخليجي معطوفاً على تصريحات مسؤولين بحرينيين وإماراتيين ومتقاطعاً مع مشروع الاتفاق الذي أعلن عنه وزير خارجية «إسرائيل» يسرائيل كاتس يكشف أن الجزء الأكثر أهمية من صفقة القرن الاميركية ـ الإسرائيلية دخل طور التنفيذ من بوابة خليج العربان.
وكان الرئيس الأميركي ترامب اعلن الجزء الأول منه منذ اشهر عدة بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ»إسرائيل» وإلغاء المؤسسات الدولية الحاضنة للاجئين مقدماً الجولان السوري المحتل هدية لها.
نحن إذاً في الجزء الأخطر الذي يضيف خمس دول خليجية هي السعودية وقطر وعمان والإمارات والبحرين الى دائرة المعترفين بـ»إسرائيل» والمطبعين معها. في إطار حلف أمني ـ اقتصادي إقليمي لحماية المنطقة من إيران، كما يزعمون.
لكن الكويت الخليجية بمفردها ترفض الانحدار الى هذا المستوى، وتؤكد على استمرارها في الخط العربي المؤيد لحل الدولتين.
ما هي مهام الاتفاق الإسرائيلي ـ الخليجي الجديد؟
يقول كاتس الإسرائيلي إنه مشروع اتفاق أمني ـ اقتصادي لوقف الاعتداء تمهيداً لإنضاج اتفاق سلام في المستقبل بعد إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
بيد أن التدقيق يُبين أنه اتفاق استسلام نهائي لأن لا اعتداءات بين الطرفين منذ تشكل «إسرائيل» في 1948. ما يدل على أنها وسيلة تحايلية للتخفيف من ردود الفعل، والزعم بأن الخليج لا يزال ينتظر الفلسطينيين.
وفي تحايل آخر يؤدي الى انسحاب الخليج نهائياً من فلسطين جاء في مشروع الاتفاق أن الطرفين الإسرائيلي والخليجي يمتنعان عن دعم أي جهة ثالثة تنفذ أعمالاً عدوانيّة ضد أي فرق من طرفي الاتفاق أو تتسبّب بضرر سياسي له.
بذلك يعترف الخليج بدولة «إسرائيل» على كامل التراب الفلسطيني المحتل فتصبح منظمات فتح وحماس والجهاد والجبهة الشعبية والديموقراطية وغيرها، أطرافاً ثالثة يجب التصدي لها من فريقي الاتفاق الخليج و»إسرائيل».
هناك بعد آخر لهذا البند، وهو أن الخليج يرى أن إيران دولة إرهابية تتسبب له بأضرار وتدعم الارهاب في المنطقة، فتؤذيه وتتسبب بأضرار لـ»إسرائيل»، لذلك فلا بد من حلف أمني يتصدى لها، وبما أن الخليج هو المجاور لإيران، فلماذا لا يجري إنشاء قواعد إسرائيلية اضافية فيها، باعتبار ان هناك معلومات تتحدث عن حضور عسكري إسرائيلي حالي في البحرين واستشاري تدريبي في السعودية والإمارات وقطر.
لذلك يبدو ما عرضه كاتس مشروع تحالف إسرائيلي ـ خليجي يشمل إنهاء القضية الفلسطينية بالتدابير العملية وليس بالعرض الإنشائي. فها هو محلل سعودي يتكلم بصراحة على «روسيا اليوم» واحدة من أهم المحطات العالمية، مؤكداً بأن دولة «إسرائيل» ديموقراطية ولم تؤذِ الخليج أبداً، ويجب أن تمسك بكامل أراضيها أما الفلسطيني الرافض فعليه أن يرحل الى وطن بديل هو الأردن وينال جنسيته، مطالباً العرب بعدم الخوف، لأن الولاية على المسجد الأقصى لن تكون إلا للسعودية مباشرة.
بذلك يُمسك آل سعود بالحرمين الشريفين في مكة والمدينة المنورة وموسم الحجّ والمسجد الأقصى، فتصبح «إسرائيل» المدعومة سعودياً، قوة اقليمية اولى في الشرق والسعودية أقوى دولة في العالم الإسلامي ويسقط حل الدولتين المتفق عليه منذ العام 2002 في مؤتمر القمة في العاصمة اللبنانية بيروت بضغط سعودي، وكان يمثل في ذلك الوقت تراجعاً عربياً عن المفهوم التاريخي بتحرير كامل فلسطين من البحر المتوسط الى نهر الأردن، بما يوضح أن مسلسل الانكسارات العربية لا يزال سعودياً ومتفاقماً.
هناك مَن يقول إن توقيع هذا الاتفاق مرجأ الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية، لكن الترويج له حالياً هو على المستوى العربي لامتصاص المعايير المتوقعة لرفضه.
إلا أن التراجع الأميركي والامتناع عن إعلان الحرب على إيران كما كانت تريد السعودية و»إسرائيل»، وتراجع المشروع الأميركي في المنطقة العربية ومعها آلياتها الخليجية والإسرائيلية، فرض على طرفي الاتفاق في الكيان المحتل والسعودية، الذهاب بسرعة الى إبرام الاتفاق فيتحالفان ويخدمان معركة نتانياهو في الداخل الإسرائيلي وانتخابات ترامب في الداخل الأميركي.
هل هناك ردود متوقعة من الأطراف العربية؟
لا شك في أن الفلسطينيين متجهون إلى رمي سياسات الحذر مع الموقف الخليجي، على قاعدة تشكيل موقف فلسطيني موحّد يلزم السلطة الفلسطينية بقطع كل علاقة لها من الكيان المحتل، والخليج على السواء.
أما عربياً، فالأمل معقود على سورية التي تواصل معركتها ضد «إسرائيل» وتلتزم بفلسطينية فلسطين وعروبتها، الى جانب العراق واليمن. أما حزب الله فلا يزال في الخنادق مؤمناً بتحرير كامل فلسطين المحتلة، وكذلك إيران الملتزمة بدورها بالجهاد من أجل فلسطين عرين المسجد الأقصى ومدن الأنبياء والقديسين.
إن هذا الائتلاف الفلسطيني العربي الإيراني من شأنه تجميد المواقف الأوروبية الصينية الروسية عند حل الدولتين، فيفعل مثلهم أكثر من نصف العالم وتنجو قضية فلسطين من التآمر السعودي الأميركي عليها وبالتالي على كامل العرب والشرق الأوسط.