عبد اللطيف: أمام «قسد» فرصة لتحكيم صوت العقل بالتنسيق مع دمشق كريدي: «قسد» ترسم لما يشبه كردستان العراق وهذا أمر غير مسموح به محلياً ودولياً قصارجيان: إجماع تركي على دعم العملية لحساسيّة التعاطي مع القضايا المتعلقة بالجيش
سعد الله الخليل
في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الدفاع التركية اكتمال الاستعدادات للبدء بالعملية العسكرية في شمال وشمال شرق سورية وافق البرلمان التركي على تمديد تفويض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإطلاق عمليات عسكرية في سورية والعراق حتى نهاية تشرين الأول من العام المقبل 2020 فيما تواصل القوات الأميركية الانسحاب من نقاطها شمال سورية بناء على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب والذي فاجأ المسؤولين في البنتاغون ووزارة الخارجية وحلفاء واشنطن، فيما اعتبرته قوات سورية الديموقراطية «قسد» حليفة واشنطن على الأرض «طعنة في الظهر».
انسحاب محدود
يؤكد الصحافي محمود عبد اللطيف أن الانسحاب الأميركي لن يكون بشكل كامل، إنما تراجع نحو الجنوب، بمعنى البقاء في المناطق النفطية للحفاظ على الاستراتيجية الأميركية في سورية والتي انحصرت بالحفاظ على منابع النفط والإبقاء على قطع الطرق بين سورية والعراق. ويشير عبد اللطيف إلى ما تعتبره «قسد» ورقة الضغط الأخيرة على المجتمع الدولي وهي عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي، خاصة أن الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» اعتبر أن ملف عناصر داعش بات مسؤولية تركية. ويضيف في حديثه لـ»البناء» إن أطلقت «قسد»، المعتقلين من عناصر داعش، وسمحت لعائلاتهم بمغادرة «مخيم الهول» بريف الحسكة الشرقي، فستكون النتيجة حتماً إعادة هيكلة التنظيم لنفسه، خاصة أن قياداته مازالت مجهولة الإقامة، بعد التخلّي الأميركي عن ملاحقة زعيم التنظيم المدعو «ابو بكر البغدادي»، الذي غاب ذكره عن وسائل الإعلام الأميركية منذ ظهوره الأخير. بالتالي قد يذهب «البغدادي»، فعلاً نحو تشكيل تنظيمه مجدداً بالاعتماد على العناصر الأصغر سناً، حيث تشير التقديرات لوجود نحو 20 الف طفل تحت سن 16 عاماً في «مخيم الهول» من حملة إيديولوجيا تنظيم «داعش».
ويستبعد عبد اللطيف أن تكون الموافقة الأميركية لأردوغان ببدء العملية العسكرية مقرونة بقرار الحظر الجوي التركي لكون الطيران تحرّك ويتحرك على الشريط الحدودي واستطلاع وضرب مواقع «قسد» بعد الضوء الأخضر الأميركي والناتو قبل بدء العملية. وهو ما يضعف إمكانية المواجهة المنفردة لـ»قسد» أمام الجيش التركي فإن خيارات «قسد» ضيقة جداً الذي يمتلك طيراناً فاعلاً بينما لا تمتلك «قسد» أي مضادات طيران بعد الرفض الأميركي أكثر من ثمانية طلبات لتزويدها بأسلحة مضادة للطيران كصواريخ محمولة على الكتف. وبالتالي لا يمكن لها المواجهة حتى وإن تدخلت العناصر الانتحارية لحزب العمال الكردستاني في المعركة. فالكفّة تبقى تميل نحو تركيا.
ترى ميس كريدي أمين سر مؤتمر سوتشي أنه من المبكر الحديث عن عملية عسكرية تركية كبيرة، باعتبار ما يحصل عبارة عن مناوشات ومقدمات وجس نبض دولي عن الحدث. وتقول في حديثها لـ «البناء» «ربما ترغب تركيا بالاستفادة من التقدم بمسار العملية السياسية بالإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية، فأرادت هجمات استباقية بمحصلة سياسية. فكل تقدم بالمنطق العسكري له نواتج على الأرض سياسية واقتصادية مستقبلاً، وبالتالي يجب الانتظار لقراءة مخرجات التفاهم الثلاثي الروسي الإيراني التركي».
وتستبعد كريدي أن يؤثر الانسحاب الاميركي والتدخل التركي على المسار السياسي بسورية بعد تشكيل اللجنة الدستورية نظراً للتوافق الدولي الثلاثي في أستانا على استبعاد كل ما له علاقة بـ»مسد»، وبالتالي التصعيد لن يعطل عمل اللجنة وقد يكون عاملاً من عوامل الضغط وبالدرجة الأولى موقف الولايات المتحدة الفيصل بمدى التحرك التركي الذي نعتبره مرفوضاً في سورية، ولكن للأسف هناك أجندات مرتبطة تنتظر الإشارات الأميركية. وهذا أمر مقلق للسوريين، بحسب كريدي.
حراك تفاوضي
وحول حراك «قسد» السياسي بطَرْق أبواب دمشق يرى عبد اللطيف أن دمشق لا تمانع بالقيام بواجباتها الوطنية شرط أن يكون الشريك قسد – عاملاً تحت المظلة الوطنية، وبحسب المعلومات المتوافرة فإن وفداً يمثل «مجلس سورية الديمقراطية» قد وصل دمشق لبحث آلية التصالح والعمل المشترك ضد العدوان التركي بالتزامن مع اجتماع الجانبين الروسي والأميركي قرب «منبج» لمناقشة تفاصيل ما بعد الانسحاب الأميركي من المنطقة، بدخول الجيش السوري للمدينة التي تهددها تركيا أيضاً، حيث تبحث دمشق عن تأمين موارد مياه الشرب والطاقة لمحافظة حلب من خلال تأمين منبج و»سدّ تشرين». ويؤكد عبد اللطيف أن تقاطع المعلومات يفضي إلى أن «قسد»، باتت أمام إلزامية القبول بشروط دمشق المتمثلة بتسليم الحدود ومدينتي القامشلي والحسكة بشكل كامل للدولة السورية، وتسليم العتاد الثقيل الذي أخذته «الوحدات الكردية»، في بداية حربها ضد التنظيمات المسلحة وقبل أن تنتقل للحضن الأميركي، إضافة لتسليم مدينتي الرقة والطبقة، وهو أمر تعارضه «واشنطن»، بشدة، وكانت قد هدّدت «قسد»، برفع الحماية عنها إن نسقت مع دمشق. والآن ومع غياب الحماية الأميركية فإن أمام «قسد»، فرصة لأن تحكّم صوت العقل بالتنسيق مع دمشق. وأضاف عبد اللطيف يقرأ تصريح مظلوم عبدة عن الحوار مع دمشق من ضرورة البقاء دون الفاعلية السياسية لكون شروط دمشق غير مقبولة لدى «قسد» وأهمها تسليم الشريط الحدودي للجيش السوري والمدن الكبرى، فيما العمل لاحقاً على بحث الملفات النفطية التي ترفض «قسد» مناقشتها لكونها بالأساس ملفاً أميركياً».
وعن موقف المكونات الكردية من العدوان يؤكد عبد اللطيف أن «قسد» تحاول لملمة ما يمكن لملمته من الشرخ مع التيارات السياسية الأخرى في الداخل في محاولة لدعم موقفها شعبياً في ظل الهوة الشاسعة مع باقي المكونات خاصة مع المجلس الوطني الكردي الموالي لأنقرة.
عقلية تفاوضية مؤسفة
تصف كريدي جهود التفاوض مع «قسد» بالمؤسفة في سورية. وتضيف «حتى الآن لم تنجح مسارات تفاوضية باتجاه مسد الجناح السياسي لقوات «قسد» نتيجة العقلية التي تصرّ على مطالبات تفضي نتائجها بما يشبه كردستان العراق. وهذا غير مسموح به لا على المستوى المحلي السوري ولا دولياً أو إقليمياً، وبالتالي كانت تفشل المفاوضات. فليس المهم المعلن بل المخرجات على الأرض هي المهمة. فحين نتحدث عن استقلالية في العلاقات الخارجية أو التعاطي مع الثروات أو الاستقلالية في الجيش أو الشرطة، فهذا يفشل التفاوض فلا أعتقد أن الدولة السورية ستفرّط في السياسة ما لم تخسره في الحرب ولا يمكن لأي توافق سوري أن يقبل هذا المنطق». وتابعت بالقول «القوات المقاتلة للأسف بالنهاية تتحرك من جبال قنديل باتجاه شمال سورية ومرتبطة بمنطق القتال والحرب وليست مرتبطة لا بعقيدة سياسية مرتبطة بالأرض ولا مفهوم الوطن والعلاقة مع الناس. فالكثير من الموجودين شمال سورية مواطنون سوريون غير مرتبطين بمشروع «قسد»». وعن مصير الإدارة الذاتية ترى كريدي أن «كل ما يرتبط مصيره بالعمل العسكري مصيره خاسر، لأنه مرتبط بتوافقات دولية وإقليمية وليس جديداً ما حصل على الأراضي السورية أن الكثير من القوى العسكرية تم تصنيفها وفق قواعد الإرهاب وغيرها. وبالتالي الحل هو بالتوافق السوري السوري».
الأكراد فاتتهم قراءة الرسائل الأميركية
يرى سركيس قصارجيان الصحافي المتخصص بالشأن التركي أن الدوريات المشتركة التركية الأميركية إشارة أميركية للأكراد بأنها من الممكن أن تمارس المساومة على هذه المنطقة، ويضيف في حديثه لـ»البناء» أنه كان يجب على الأكراد تلقف هذه الإشارة خاصة وأنهم أجبروا على الرضوخ للشروط الأميركية بالانسحاب نحو خط 14 كيلومتراً وسحب الأسلحة الثقيلة، وأن امتعاض أردوغان من الدوريات المشتركة التركية الأميركية مردّه إلى أنها لم تفِ بالغرض المأمول منه بإخراج الميليشيات الكردية من المنطقة والبدء بعملية إحكام السيطرة عليها عبر الفصائل المقاتلة التابعة له، وهو ما فشل بوجود القوة الأميركية.
ويرى قصارجيان أن الاعتماد الأكبر التركي على فصائل ما يسمى الجيش الوطني الذي نقل مقرّ عملياته للداخل التركي كافية في حال كانت العملية محدودة. ومع وجود القوات الخاصة التركية والإسناد الناري المدفعي الجوي التركي لكون عدد المقاتلين في صفوف الميليشيات الموالية بالمطلق لتركيا كبير وكافٍ للسيطرة على نقاط الشريط الحدودي أما في حال المواجهة العسكرية المباشرة فمن الطبيعي أنها غير كافية وسيضطر الجيش التركي للتدخل. وهو يخضع أيضاً لرد الفعل الكردي. ففي حال كانت العملية لملء الفراغ الأميركي سيمتص الأكراد العملية، أما في حال المواجهة التي تهدد الوجود الكردي فستكون المواجهة كبيرة وعنيفة وسيتدخل الجيش التركي.
إجماع تركيّ
يرى قصارجيان أن سيطرة أردوغان على البرلمان الذي يشكل ائتلاف العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية المتطرف الأغلبية فيه سهّل تمرير قرار تمديد عمليات الجيش في سورية والعراق، ويضيف «حتى مواقف المعارضة تجاه قضايا الجيش التركي نتيجة الحساسية المفرطة لدى الشعب التركي تجاه الجيش، فإنها عادة ما تغيب المعارضات الكبيرة للقرارات المتعلقة بالجيش لدى أحزاب المعارضة الأم كحزب الشعب الجمهوري الذي ينتقد سياسات زجّ الجيش في معارك غير شرعية. وفي النهاية عندما تأتي الأمور للنقطة المصيرية لا يمكنه الوقوف بوجه خطوات كهذه».
يشير قصارجيان لما يروّج له أردوغان في الداخل التركي حول العملية عبر نقطتين الأولى الحديث عن منطقة آمنة يمكن إعادة نحو مليون لاجئ سوري ويرسل رسالة للشعب التركي بأن العملية ستنقذ الشعب من الضائقة المادية والوضع الاقتصادي المتأزم والذي تحاول الحكومة التركية إلباسه للاجئين السوريين. والنقطة الثانية بالحديث عن إعمار مدن في الداخل السوري تفتح الطريق لتشغيل شركات المقاولات التركية والتي تعد أساس الاقتصاد التركي وتشغل العدد الأكبر من اليد العاملة».
كلام أممي بلسان أوروبي
عن كلام مساعد الأمين العام للأمم المتحدة بانوس مومسيس عن استعداد الأمم المتحدة للتنسيق مع تركيا في عمليتها المحتملة شرقي الفرات، وتركيا الدولة الأولى في العالم باحتضان اللاجئين، يقول قصارجيان «خطة الأمم المتحدة في الإطار الإنساني لمواجهة موجات اللجوء المحتملة في حال كانت العملية شاملة، ولكن أعتقد أن العملية ستكون نقطية في هذه المرحلة ومحدودة جداً، ولذلك تسعى الأمم المتحدة لإظهار الاستعداد للإيفاء بمسؤولياتها وهي رسالة لتطمين أردوغان بالنيّة لدعم تركيا مالياً وسياسياً لكون المخاوف الأممية في النهاية مخاوف أوروبية بعدم القدرة على احتمال مخاطر جديدة».