سقوط المشروع الانفصالي لـ«قسد» لكن الكردّ في قلب سورية
د. وفيق إبراهيم
سدّد الأميركيون ضربة الى حلفائهم في قوات سورية الديموقراطية بتأييدهم لهجوم تركي على مناطق الكرد في شمالي سورية وشرق الفرات.
كان على الرئيس الأميركي دونالد ترامب ان يختار بين تركيا الدولة الاستراتيجية الكبيرة وبين حركة قسد الكردية في مرحلة يتراجع فيه دور بلاده في الشرق الاوسط.
لم يتردّد في اختيار تركيا ليمنعها من الانجذاب الكامل نحو الروس، مجدداً في الوقت نفسه استعمال آليات فاعلة يرى انها الأقوى للاستمرار في مشروع تفتيت سورية.
هناك مَن يعتقد بأن مشروع الانسحاب الأميركي لن يبدأ قبل منتصف تشرين الثاني المقبل، على أن يسبقه هجوم تركي محدود يسيطر على منطقة آمنة بعمق يتراوح بين خمسة كيلومترات وعرض قد يصل الى 480 كيلومتراً.
فيما تنتظر المرحلة الثانية التي تدفع بالجيش التركي على عمق يراوح بين ثلاثين وأربعين كيلومتراً، لقاء ترامب مع نظيره التركي اردوغان الشهر المقبل وذلك للاتفاق على كامل الأبعاد السياسية المطلوبة للمشروع.
الامر الذي يتطلب الاشارة الى ان قسد العسكرية وحزبها الديمقراطي ووحدات الحماية وبعض المرتزقة من شيوخ العشائر، هم ضحايا هذا السيناريو الأميركي ومعهم مشاريعهم السياسية التي كانت تذهب نحو الانفصال عن الوطن السوري وإعلان دولة كاملة المواصفات في الشرق والشمال بحماية أميركية.
بذلك يكون المشروع الانفصالي القسدي وأحلام بعض شيوخ العشائر انهارا دفعة واحدة بكلمة أميركية خاطفة استنفدت جهودهم حتى عثرت أخيراً على آلية تركية أقوى، فاعتمدتها بديلاً منهم لتحقيق تفتيت سورية، فيرتاح التفوذ الأميركي مقلصاً من حدود تراجعه، وهذا يدعم الدور الاسرائيلي الاقليمي ايضاً بعد إضعاف سورية واستنزاف مصادر قوتها.
هل هذا يعني ضرورة استعداء الأكراد؟
ترفض الدولة السورية هذا النهج القبلي الثأري.
فالكرد جزء من السوريين تعرّضوا لاحتلال من ثلاث قوى الارهاب المدعوم دولياً وتركيا التي هاجمتهم في الشمال وطردتهم من عفرين وإدلب وبعض ارياف حلب وما يسمى المنطقة الآمنة عند الحدود والأميركيون أنفسهم الذين احتلوا مباشرة بعض انحاء الشمال والشرق مؤسسين فيها قواعد عسكرية.
ضمن هذه المعطيات تطوّرت قسد وأخذت مشاريعها السياسية تصاب بورم نتيجة الاستماع الإضافي للهمس الأميركي الذي كان يريد إحداث قطيعة بينها وبين الدولة السورية.
فانتقلت من المطالبة بالاعتراف بخصوصيات كردية ثقافية الى الإصرار على الإدارة الذاتية وصولاً الى اتحاد كونفدرالي واخيراً طاب لها العمل على الانفصال الكامل نحو دولة مستقلة اخذت تجذب اليها بعض السوريين من العرب والأشوريين والسريان لتبرير تشكيل دولة مستقلة على مساحات تحتوي على اقلية كردية صغيرة في الشمال والشرق مقابل اكثرية ساحقة سورية من فئات اخرى.
هذا لا يدفع أبداً الى إدانة الأكراد، لكنه يحرض على بناء قيادة جديدة لهم تعاود الرحيل الى وطنها في عاصمته دمشق في محاولة لإنتاج تفاهمات جديدة تلبي بعض الحاجات الثقافية والإدارية للكرد بعيداً من شوفينية بعض الاتجاهات المتطرفة وعلى قاعدة الانتماء لسورية الوطن.
هذا هو المنطق الطبيعي للأمور مع دولة سورية تدافع عن وطنها بجيشها وتأييد شعبي كبير وتحالفات عربية واقليمية ودولية. هذه الدولة تنتظر العودة السياسية للكرد بما يتطلب إعلاناً من قسد بالقطع مع المرحلة الأميركية وبشكل مسبق.
ما هي فائدة هذه الخطة؟
اولاً تعيد الوصل بين الفئات السورية ودولتها بحركتين: اولاً الدولة السورية هي صاحبة الحق الحصري للسيادة، والثانية انضمام الكرد الى هذه الدولة في تصدّيها للاحتلالات الأميركية والتركية بإسناد أوروبي في الشمال والشرق السوريين وغارات جوية اسرائيلية.
لكن هناك اتجاهات داخل قسد لا تزال تراهن على حدوث عرقلة في الاتفاق الأميركي التركي الجديد تتيح لها إعادة إحياء مشروعها الانفصالي من جديد، خصوصاً أن خطة الانتشار التركية داخل شرق الفرات وبعد المنطقة الآمنة المزعومة، مؤجلة الى ما بعد لقاء ترامب اردوغان في تشرين الثاني المقبل.
إن هذا التوجّه لا يروق للدولة السورية، لأنه ينمُ عن براجماتية في الولاءات الوطنية الكبرى، لا في السياسات وهو مرفوض ويؤسس لرفض الدولة لأي إعادة احتواء قوى كردية مناورة تلعب على موازنات القوى على المستوى الوطني.
لذلك فإن أقل المطلوب حالياً من الكرد العودة الفورية لقواهم السياسية الى قصر المهاجرين، حيث ينتظرهم الرئيس بشار الاسد الحريص على الشرق والشمال وكل بقاع سورية والمدافع عن كامل مكوناتها بمن فيهم الاكراد.
العودة الكردية اذاً مطلوبة الآن على قاعدة سياسية جديدة، مناهضة للأميركيين والاتراك والاسرائيليين وتبتدئ بإصدار بيان يعلن الولاء الكامل لسورية دولة وشعباً على أن يليه وقف كامل لبيع النفط للأتراك والأميركيين والإسرائيليين عبر كردستان العراق.
من جهتها لن تنسى الدولة السورية ابداً تثبيت بعض الخصوصيات الكردية الثقافية والإدارية على مستوى الدستور بما يحكم به المنطق السويّ للسياسة والضرورات التاريخية.
هل انتهت التغريبة الكردية؟
«قسد» هي المتسبب بادخال الاحتلال الأميركي الى سورية ومعهم رهط كبير من القوات الأوروبية، وهي ايضاً المبرر للاحتلال التركي المتذرع بمشروعها الكردي.
ألا تكفي هذه الأسباب لسقوط القيادة الحالية لقسد التي راهنت على الأجنبي لإلحاق الهزيمة بتفتيت الكيان السوري من جهة وضرب دولته من جهة ثانية؟
لذلك فهي المسؤولة اليوم عن عودتها السريعة الى سورية لإنقاذ الكرد من مخطط تركي أميركي لاقتلاعهم من شمال سورية، وتسليمه للاخوان المسلمين والتركمان وبعض التنظيمات الموالية لانقرة وذلك لإنشاء كيان يدّعي انه سوري ولن يكون إلا مأوى لانكشارية جدد سرعان ما يقضي عليهم الجيش السوري كما فعل مع الإرهاب الدولي وكل انواع المرتزقة المتعاملين مع الاستخبارات العربية والخليجية والدولية.