«الدولة السورية» الحضن الوطني للإبن الضال وترامب باع «الحلم الكردي» لأردوغان

ثائر الدنف

بضع كلمات أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر صفحته على «تويتر» قبل أيام لقد آن الأوان لكي نخرج من هذه الحروب السخيفة التي لا تنتهي والكثير منها قبلية. وعلى تركيا وأوروبا وسورية وإيران والعراق وروسيا والأكراد الآن حلّ الوضع . كانت كفيلة بإنهاء «الحلم الكردي» لإقامة إقليم ما يسمّى غرب كردستان وتخلّي واشنطن عن «قوات الحماية» الكردية، وبإعطاء الضوء الأخضر لتركيا بشكل غير مباشر للبدء بالأمس في تنفيذ «المنطقة الآمنة» في شمال شرق سورية بطول 140 كلم وبعمق 35 الى 40 كلم.

إذاً، تحت غطاء سياسي أميركي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، ن أنّ «القوات المسلحة التركية أطلقت عملية «ربيع السلام» بالتعاون مع ما يسمّى «الجيش الوطني السوري» ضدّ حزب العمال الكردستاني وقوات حماية الشعب الكردية وداعش في شمال سورية». متذرّعاً بأنّ الهدف وراء هذه العملية هي منع إنشاء ممرّ إرهابي عبر الحدود الجنوبية مع سورية، وإحلال السلام في المنطقة»، وفي تصريح له عبر مواقع التواصل الاجتماعي أوضح أردوغان أنه «بفضل منطقة الأمان التي سنؤسّسها سنضمن عودة اللاجئين السوريين إلى يبدهم وسنحمي السلامة الإقليمية لسورية ونحرّر سكان المنطقة من الإرهاب».

وتزامناً مع انطلاق العملية عاد ترامب ليؤكد عبر تصريح له أنّ التدخل في الشرق الأوسط كان أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة، مشيراً إلى «إننا بصدد العمل على إعادة جنودنا إلى الوطن». وأضاف «نحن أخرجنا جنودنا ويجب على تركيا أن تتولى السيطرة على مقاتلي «داعش» المحتجزين لدى «قسد» الذين رفضت أوروبا إعادتهم»، مشيراً الى أنّ «الحروب الغبية التي لا نهاية لها، بالنسبة لنا، تنتهي».

وكان قد سبق هذه العملية إخلاء للقوات الأميركية الأول من أمس لبعض نقاط المراقبة في المنطقة الحدودية شمال شرق سورية، والمواقع الممتدّة على طول الشريط الحدودي من تل أبيض حتى رأس العين شرقاً، باتجاه القاعدة الأميركية في الجلبية. كما باشرت بالانسحاب من نقطة تل أرقم في ريف الحسكة الشمالي الغربي، وثم من موقع أميركي في مدينة تل أبيض الحدودية. وبدورها كانت تركيا قد عززت من تواجدها العسكري بالأمس إذ أرسلت 10 شاحنات محمّلة بالدبابات الى الحدود مع سورية، كما وصل رتل عسكري من 80 مدرعة الى لواء اسكندرون، هذا فضلاً عن بعض المواقع لمرابض المدفعية التي استحدثتها تركيا على طول الحدود.

لهذه الضربة العسكرية عدة أهداف استراتيجية مبيّتة في الأجندة التركية، بحيث تعتبر أنّ نجاحها في إقامة «المنطقة الآمنة» يشكل الى حدّ بعيد الضربة القاضية للحلم الكردي في تشكيل دولته، ما يعني عملياً انّ 90 من إقليم غرب كردستان سيكون ضمن المنطقة التركية، وبعدها سوف تعتمد تركيا على التغيير الديمغرافي لهذه المنطقة عبر استقطاب عائلات المسلحين الذين فرّوا من مناطق الجنوب والوسط السوري بعد سيطرة الجيش العربي السوري عليها. أما الخطوة التالية هي في إعادة مليوني لاجئ سوري من المتواجدين في تركيا في منطقة آمنة تصرّ على إقامتها على طول الحدود مع سورية، وإلزام الاتحاد الاوروبي في بناء الملاجئ لهم وتقديم المساعدات والخدمات تحت إشراف تركي، وفي حال رفض الإاتحاد الأوروبي تقوم بالضغط عليه من خلال فتح الحدود التركية لللاجئين بالهجرة الى أوروبا.

وأيضا أصبحت النوايا التركية واضحة في «تتريك» الشعب السوري الواقع تحت سيطرتها إذ تقوم بتدريسه اللغة التركية وإقدام جامعة غازي عنتاب على فتح ثلاث كليات في ثلاث بلدات شمال سورية، حيث شهدت بلدة اعزار افتتاح كلية للعلوم الإسلامية، وكلية تربية وتعليم في عفرين، وكلية للاقتصاد العلوم الإدارية في الباب، كما سبق للجامعة نفسها أن افتتحت مدرسة مهنية في بلدة جرابلس الحدودية السورية كذلك، وهي ليست الجامعة التركية الوحيدة التي تتخذ هذه الخطوة بل كذلك قامت جامعة حران الحكومية بالتوصل إلى اتفاق مع المجلس المحلي لمدينة الباب لافتتاح فرع لها في المدينة يشمل كليات تغطي اختصاصات علمية وأدبية عدة.

أما السبب الرئيسي في إقامة تلك المنطقة الحدودية تحت السيطرة التركية هو لضمانة أن تكون آبار وأنابيب النفط والغاز تحت إشرافها وتمسك أوراق تفاوض قوية في التفاوض مستقبلياً مع الدولة السورية، وأن يكون لها حصة في إعادة الإعمار.

إذاً، كلّ تلك الحسابات التركية تبقى حلماً لحين حسم النتائج الميدانية، خصوصاً بعد تأكيد دمشق على لسان نائب وزير خارجيتها فيصل المقداد، «أنّ بلاده لن تقبل بأيّ احتلال لأيّ أرض أو ذرّة تراب سوريّة وأنها ستدافع عن نفسها في مواجهة أيّ عدوان». وفي سياق متصل، بحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، التسوية السورية مع التركيز على الوضع شمال شرقي سورية، وبحسب بيان للخارجية الروسية، أشار لافروف إلى أنّ «تركيا لها الحق بالدفاع عن نفسها، لكن ينبغي الحفاظ على وحدة الأراضي السورية»، مبرزاً أنّه «على كلّ القوات العسكرية الأجنبية التي لها وجود غير مشروع أن ترحل عن سورية».

وبدوره، حذر الاتحاد الأوروبي من الخطوات العسكرية التركية ضدّ الأكراد في شمال سورية، وأكّدت السلطات الفرنسية والبريطانية انهما ستدعوان إلى جلسة لمجلس الأمن لبحث الهجوم التركي على سورية ».

أما في المقلب الآخر، بات من المؤكد انّ «قوات سورية الديموقراطية قسد» تقف على مفترق طرق مصيري يهدّد وجودها، بعد تخلي أميركا عنها في مواجهة الخطر التركي. إنّ الحركة «الكردية» لم تتعظ من تجربة عفرين في ريف حلب الشمالي بداية العام الماضي، عندما تركهم الأميركي في المواجهة مع القوات التركية وبعض فصائل المعارضة المسلحة ولوّح بالانسحاب من سورية في حين فتحت دمشق ذراعيها لاستيعاب أبنائها من الأكراد، وبالفعل، انتقل وفد كردي آنذاك من مجلس سورية الديمقراطية برئاسة الهام أحمد، الى دمشق وجرت لقاءات متعدّدة بحثت بآلية التنظيم الإداري للمناطق الكردية وكيفية تسلّم دمشق زمام الأمور هناك. ولكن ما لبثت الحركة الكردية أن نكثت بوعودها وانقلبت على الاتفاق مع القيادة السورية عندما لمست أنّ الاميركي لن ينسحب حينها، تحت ضغط من الإدارة الأميركية و»إسرائيل» على الرئيس الأميركي. وكان في موازاة هذه اللقاءات مع دمشق، ينشط ممثلو حزب الاتحاد الديمقراطي باتجاه العواصم الأوروبية وتحديداً باريس التي قامت بدور فعّال في إقناع واشنطن بالعدول عن قرار الانسحاب لأنه سيفتح الطريق أمام تحالف روسيا ايران سورية للسيطرة على كافة الأراضي السورية.

بعد تلك التطمينات الأميركية والأوروبية حينها، شعر الأكراد في تلك اللحظة بفائض قوّة لا يسمح لهم بأقلّ من خيار الدولة المستقلة، فكان أن تراجعت الاتصالات مع دمشق، لصالح التأثير الأميركي الواسع. ولكن اليوم مرة جديدة تثبت أميركا أنّ «الثابت الوحيد في السياسة هو المتغيّر» ولن تأبه لمصير حلفاء ظرفيين مثل «قسد»، وإذا ما خيّرت بين تركيا التي تحاول استقطابها من المحور الروسي الإيراني في السياسة والمحور الصيني في الاقتصاد فلن تختار «قسد».

إذاً، وفي ظلّ تلك المعطيات ليس هناك من خيار أمام «قسد» إلاّ القبول بالعودة إلى الحوار مع الدولة السورية من دون شروط، وترميم أزمة الثقة التي خلقتها معها في التجارب السابقة، وفي هذا السياق تشير بعض المصادر السورية بأنّ الفرصة قائمة دائماً للحوار ولكن على الفريق الآخر أن يبدي جدية في الحوار وأن تكون المصلحة الوطنية السورية هي البوصلة الوحيدة. وهذا ما أكده الرئيس الإيراني حسن روحاني بانّ الحلّ الأمني والعسكري على الحدود السورية التركية يمكن فقط عبر تواجد الجيش السوري في تلك المنطقة. وفي هذا السياق تشير مصادر إلى أنّ إيران تسعى إلى تفعيل خطوط الحوار بين دمشق و«الإدارة الذاتية الكردية» لاستعادة القوات السورية زمام الأمور في شمال شرقي البلاد لكبح التوسع التركي هناك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى