«الواقع ورهانات المستقبل»… فاتحة لعصف ذهني متفلّت!
طلال مرتضى
في الندوة التي أقامها «البيت العربي النمساوي للثقافة والفنون» و»منظمة القلم النمساوي PEN» بالاشتراك مع « VIDA» المنظمة العمالية حول كتاب «الواقع ورهانات المستقبل» للإعلامية السودانية ندى أمين والتي يتضمّن مقالات عدة نشرت سابقاً في صحف عربية وغربية عدة تلامس دوالها هموم وإشكاليات الإعلام والتنمية وحقوق الإنسان في العالم العربي.
الندوة قدّم لها الإعلامي التشكيلي المصري محمد عزام رئيس البيت العربي النمساوي والدكتورة إشراقة مصطفى حامد ممثل الأدب العربي في القلم.
لعلّ الحضور النوعي كان له دور آخر في فتح خطوط تالية للكلام الذي تشعّبت إلى أبعد من مكان تطرّقت له موضوعات الكتاب، ولكنه كان مجازفات النقاش وضعت أصابع شجواها على مواطن الوجع لكون جزء من الكتاب يقترب من قضايا اللجوء وما آلت إليه حرب البلاد..
الآراء كانت مختلفة ومتباينة حول خطوط الكتاب وإشكاليات الإعلام العربي ما عدا النقاط التي التقى فيها المحاضران.
فالكتاب لم يكن حيادياً بالمطلق على الرغم من عن الكاتبة حاولت جاهدة الوقوف جانبا لتنقل بعين الرائي أو الشاهد. فاللغة متماسكة إلى حدّ الصلابة البنائية، لكن الإشارات تدل على أن الكاتبة هي أيضاً جزء من منظومة، وذلك جلي من خلال السيرة التي قدمها الزملاء بالإضافة إلى المنابر التي نشرت فيها تلك المقالات سابقاً والتي تتشدّق بإنسانية الإنسان بينما هي ساهمت وبشكل فاعل في كثير من الأحيان ببث ثقافة الدم وعلى سبيل المثال لا الحصر موقع «الجزيرة نت» وغيرها..
الزميل محمد عزام كانت له وجهة نظر مختلفة قدّمها في قراءة أقتطع بعض منها لكونها طويلة ولا تتسع لمقال وحيد قائلاً:
«الكتاب الذي نسعد بتقديمه في هذه الندوة – يمثل في تقديري – إضافة ثرة للمكتبة العربية، فهو يتناول القضايا الرئيسة في مجالاتٍ ثلاثة: الإعلام، والتنمية وحقوق الإنسان.. والتي تشغل ناسنا في العالم العربي ويضمّ الكتاب عدداً من المقالات، التي نشرت للكاتبة في وسائط إعلامية عربية.. وارتأت أن تضمها في هذا الكتاب، الذي نبحر في صفحاته معاً خلال هذه الندوة.
واللافت من الأسطر الأولى للكتاب.. انحياز الكاتبة لقضايا العدالة الاجتماعية والتحول الديمقراطي والحريات العامة وحقوق الإنسان ولم تقصر الكاتبة رؤيتها على الواقع السوداني المحلي، بل مدت النظر إلى كل ما يدور في العالم العربي من جدل حول تلك القضايا، إدراكاً منها للترابط والتشابه في المسارات والممارسات السياسية والاقتصادية في مجمل الإقليم، مع عدم إغفالٍ للخصوصية المحلية لكل بلد من بلدان ذلك الإقليم.
وجاء هذا الانحياز واضحاً،ً في مفتتح التمهيد الذي أرادته الكاتبة مدخلاً للكتاب:
تقول ندى: «تغيرت الوجوه والسحن، واختلفت ملامح الشوارع، وتباينت أسماء المدن، وتفاوتت مستويات المعيشة.. ولكن تظل الملامح الأساسية التي تربط بين معظم الدول العربية متشابهة، حيثُ تتقارب أنماط الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وتتماثل الهموم وتتطابق المطالب، وتقترن الأصوات مع الاحتفاظ بالذاتية الخاصة بكل بلد».
واللافت أيضاً عناية الكاتبة باللغة، من حيث الفصاحة والرصانة ووضوح العبارة والبعد عن التعقيد اللغوي.
والكتاب الذي بين أيدينا، فضلاً عن حيوية وأهمية القضايا التي يتناولها، يفصح عن كاتبة من الكاتبات القلائل، اللواتي أبحرن بعيداً عن الانشغالات التقليدية التي اتسمت بها معظم الكتابات النسوية في الآونة الأخيرة.
وتحاول الكاتبة عبر المقالات التي يضمها الكتاب، أن تقدم تفسيراً للكيفية التي تعمل من خلالها آليات الإعلام والتنمية، في المؤسسات القائمة في العالم العربي، وتكشف بجلاء، الهيمنة المركزية في ظل الأنظمة العربية السائدة على الوسائط الإعلامية وبسبب هيمنة تلك المركزية، أصبحت الوسائط الإعلامية وسائط مطيعة، يجري توظيفها لخدمة مهام محددة بواسطة النخبة السياسية الحاكمة.
ويأتي الكتاب في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: ويتناول قضايا الإعلام، الثاني: مقالات حول قضايا التنمية
والثالث: خصّصته الكاتبة لقضايا متنوّعة تتعلق بالاقتصاد وحقوق الإنسان.
هذا وقد تناولت الدكتورة حامد مفاصل أخرى من الكتاب وقدمت قراءة مستفيضة حول حق الهجرة واللجوء استناداً لمرجعيات الكتاب عينه ولكونها ناشطة في السياقات الإنسانية في المغترب.
الكتاب وكما أسلفت قدم رؤى متباينة وإشكالية وتجلّى هذا من خلال المداخلات التي اقتربت من الشخصي على حساب العام ويعود الفضل للكاتبة أمين التي فتحت للبعض نافذة بوح من خلال هذا الكتاب.
سيرة
ندى أمين مستشارة وكاتبة وباحثة سودانية في مجالات الإعلام والتنمية. شغلت منصب رئيسة قسم الإعلام والاتصال المؤسسي ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مكتب السودان. عملت قبل ذلك بصفة مؤقتة مع الأمم المتحدة في نيويورك والصليب الأحمر الأميركي في واشنطن وعدد من منظمات المجتمع المدني في السودان.
حاصلة على ماجستير في الإعلام، تخصّص صحافة وشؤون عامة، من الجامعة الأميركية في واشنطن، وماجستير في علم البيئة والتكنولوجيا من هولندا، وبكالوريوس في الدراسات البيئية من جامعة أم درمان الأهلية بالسودان.
كاتب عربي/ فيينا